حرب كورونا مع أخطر مخلوق على الأرض : الإنسان

بقلم مهدي قاسم

كتبنا و كتبوا مرارا عن سلبيات و سيئات كثيرة ، ناتجة
عن انتشار فيروس كورونا في العالم أجمع ، و الذي أدى إلى حجز و حبس لمئات ملايين من بشر في بيوتهم كسجناء و أسرى ، طبعا رغما على إرادتهم ، ولكن في مقابل ذلك لم يكتب إلا قلائل عن إيجابيات وفوائد هذا الوباء ، لأنه و حسب اعتقادي ما من سيئة تقع و إلا معها تحمل شيئا
من إجابيتها المفيدة للطبيعة والبشر في آن واحد ، ولعل إحدى الفوائد الجمة و المتمخضة عن فيروس كورونا تكمن في اعتصام الناس في بيوتهم إجبارا وبكل هذه الأعداد المليونية الهائلة ، الأمر الذي أجبرهم على عدم استخدام سياراتهم الشخصية ، وبالتالي قلّت كثيرا و إلى حد
كبير نسبة تلوث الهواء والطبيعة بالدخان و باقي أنواع وأصناف عادمات الهواء الملوِثة الأخرى ، فعاد الهواء صافيا و نقيا بعض الشيء ، بل حتى أن لون أشعة الشمس قد بات أكثر نقاء و سطوعا و ألقا ، بلونها الذهبي الضارب إلى اصفرار مشع بارتعاشات متوهجة ، والأشجار
أكثر استقامة و ثباتا وشموخا ، وحتى سوف تكون أغصانها وأوراقها أكثر أخضرارا ، و كذلك الأنهار والينابيع أكثر نقاوة وعذوبة بلورية وازرقاقا ، وهي ترفل بعباءة السماء اللازوردية كشعاع ياقوت وزمرجد ، حتى نكاد نشعر بأن الطبيعة ، هذه الأم الحنونة والقاسية في آن
، تلك الجميلة والمبدعة الخلاقة ـــ والتي ما من أحد يضاهيها بخلق جمالات فريدة ومذهلة ــ وهي تستعد لتسترجع رونقها الباذخ والمدهش جمالا وسحرا أخّاذا ، بعدما كادت تختنق بكثافة الدخان الخانقةو المنطلقة على مدار اليوم برمته وبشكل متواصل و دائم من مئات ملايين
سيارات ومصانع ومعامل ، فضلا عن مليارات أطنان من النفايات التي تتراكم بفعل أخطر مخلوق على الأرض إلا وهو الإنسان الأناني والطماّع الجشع والمهووس بجمع المال بلا حدود أو كفاية ، حتى ولو على حساب تخريب الطبيعة و أرباك قوانيها وأنظمتها وفصولها وخلطها خلطا
عشوائيا إلى حد أخذنا نعيش فصلا متداخلا من حرارة وقيظ لهيب لا يُطاق ومرة أخرى بردا زمهريرا لا يُحتمل ..

لذا فكان لابد للطبيعة أن تتخل لتشّعر البشر وتُذكرهم
بأنهم مهما تذاكوا وتشطاروا وتماكروا وتفننوا فأنها ــ أي الطبيعة ــ تستطيع برمي ونثر نطفة وبائية ضئيلة وغير مرئية أصلا ، تستطيع أن تجعلهم هباء منثورا و غبارا مقرورا ، بالأحرى ذبابا متطايرا ومقهورة عاجزا في ضراوة عصف شديد أو رعدة إعصار رهيب !..

فمهلا أيها المخلوق الخطير مهلا

أعرف قدرتك و حجمك وأهدأ !..

و ما دمنا عند أخطر وأخبث مخلوق على الأرض إلا وهو
الإنسان التخريبي ــ طبعا هنا لا نقصد التعميم المطلق ــ فقد لاحظتُ أثناء مشاهدتي أفلاما وثائقية عن عالم الحيوان ، كيف أن الحيوانات المفترِسة تكتفي بفريسة واحدة فقط و عندما تشبع تترك الفرائس بسلام ووئام لترعى و تعيش ولأيام عديدة ولا تهاجمها إلا بعدما تجوع من
جديد و فقط ، بينما الإنسان إذا كسب مليونا فسرعان ما يفكر أن يجعله عشرة ثم مائة ثم مليارا ، و هكذا إلى ما لانهاية وكل ذلك من جراء جشعه الضبعي و غير المحدود أبدا ، ولو أن تم ذلك وحدث على حساب إبادة غابات كاملة و تجفيف أنهار وينابيع وانقراض حيوانات و طيور
وحشرات وزيادة رقعة تصحر وجفاف و اتساع أرض قفار و يباب ..

فكان لابد أن للطبيعة أن تتدخل بين حين وأخر ، لتفرض
النظام ، على شكل براكين ، زلازل وفيضانات جبارة كتسونامي ، أو بهيئة نطفة ضئيلة جدا وغيرمرئية مثل وباء شرس و غدار :فيروس كورونا الذي حبسنا في بيوتنا وغصبا و رغما عنا !

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here