أكثر شخصية اسلامية أثارت الجدل حولها بين محب ومحب مغال ومغال الى درجة العبادة ومبغض وحاقد وحاسد كانت شخصية الإمام علي بن أبي طالب ، إجتمعت له ما لم يجتمع لغيره ، تفرد وحيداً بمهمة ربانية ، تحملها رغم ثقلها ، وكان أهلها وأهلا لها ، حملها بقوة وعزم لا يلين ، بلا محاباة ولا مواربة ولا حتى وهن ، رغم الثمن الذي سيدفعه من أجل ذلك .
جمعت له خصال لا ولن تجتمع في غيره ، العلم ، الشجاعة ، البأس ، العدالة ، الفطنة ، الذكاء ، الفصاحة ، البلاغة ، الإقدام الى غير ذلك ، كان حقاً أنموذجاً للإنسان الكامل ، فيه تكاملت الإنسانية بأبهى صورها .
ما كان علي بن أبي طالب للمسلمين وحدهم ، بل للإنسانية كافة ، عاشها ومارسها بحذافيرها طوال عمره ، مصداقاً لمقالته الشهيرة في تعامله مع عامة الناس ( إمّا أخٌ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق) ، فهو أول من وضع هذه القاعدة ، وأفضل من طبقها.
شجاعته برزت في أول معركة في الاسلام ، حيث كان احد المبارزين الثلاثة ، فهزم المبارز له شر هزيمه بسيفه الفريد والذي تميز به (ذو لفقار) ، أما في معركة أحد ، فبرز علي بن ابي طالب بأسلوب قتالي منقطع النظير ، وأمتاز بمزية خاصة ، وذلك حين أنكسر جيش المسلمين ولاذوا بالفرار ، تاركين الرسول (ص واله) لوحده في الميدان ، فجرى له ما جرى ، دعا الله تعالى طالبا المدد ( المــدد يا الله منك المــدد ) ، فلم يمض وقت طويل حتى برز علي بن ابي طالب ، قيل فتبسم الرسول (ص واله) وقال لعلي “طلبت المدد من الله .. فكان بك يا علي” ، وفي رواية أخرى أنه (ص واله) قال له ( أنت المدد يا علي ، يا علي مدد ) , دون ان ننسى البطلين ابو دجانة وام عمارة نسيبة بنت كعب ودورهما الفاعل في الذب عن الرسول (ص واله) ، لكنهما أثخنا بالجراح ، أما علي ورغم الجراح التي جاوزت الستين بقي يقاتل حتى النهاية ، من هذه الحادثة ومن هذا المنطلق بالذات ظهر المصطلح الشائع والمعروف “يا علي مدد” وإن أقتصر الان على الصوفية ، أما الشيعة فأكتفوا بالقول ( يا علي ).
أما علمه وفصاحته ، فتواترت في بطون الكتب ، وتناقلها القاصي والداني ، بل تلقفها العدو قبل الصديق ، وكتب نهج البلاغة (ابن ابي الحديد ، الشريف الرضي ، محمد عبده) لهي خير مثال وشاهد .
تمهيد
لماذا علي بن ابي طالب “عليه السلام”؟
دون الصحابة , دانت له القلوب , وتفتحت له الالباب , وحطم اسوار العقول , وبنيت حوله المباني , وتعددت حوله الطرق , وتغيرت نحوه الاحوال , واختلفت فيه الاقوال , وشرّعت فيه المذاهب , حتى تعددت وتفرقت , ونمت واختلفت , فكانت على سبيل المثال : الاثني عشرية , الزيدية , الثلاث عشرية , السميطية , الفطحية , الناووسية , النفيسية , الواقفية , البترية , الحروفية , الخطابية , الذمية , الغلاة , القرامطة , الجنينيون , السبعية , الجارودية , السبئية , الهاشمية , المختارية , الاسماعيلية , الكيسانية , الاحسائية (الاوحديون) , الغرابية , العلوية (النصيرية) , العلوية (العلاهية) , اليزدانية , اليارسانية , الصوفية (بجميع طرقها) , الدروز (الموحدون) , وفرعا من الزرادشتية وأخيراً وليس أخراً البهرة (الهند).
الجدير بالملاحظة ايضاً , ان علي بن ابي طالب “عليه السلام” هو الوحيد من دون الصحابة يلعن جهاراً ومن على المنابر على طول خط الامارة الاموية ولمدة ربت على الثمانون عاماً , حتى حكم عمر بن عبدالعزيز فرفع اللعن عنه “عليه السلام”.
ليس الطوائف الدينية فقط , بل حتى التيارات السياسية والفكرية توقفت لدى اعتابه “عليه السلام” بالحيرة والذهول , وربما اختاره الشيوعيون بوصفهم اياه “عليه السلام” بـ (الشيوعي الاول) ، والاشتراكيون بأنه “ع” (اشتراكي) .
لم علي بن ابي طالب “عليه السلام” ولم يكن شخصاً اخر من الصحابة؟! , يقال له “عليه السلام” و “كرم الله وجهه” و “رضي الله عنه” , بينما يقال لجميع الصحابة “رضي الله عنه ” فقط .
ولماذا علي “عليه السلام” وليس غيره بلغ درجة التأليه ؟ , فغالت بعض الفرق ونصبته إلهاً (تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا , وحاشاه “عليه السلام”) .
ولماذا علي “عليه السلام” وليس غيره احداً من الصحابة نصبت له العداوة والاحقاد والبغض والكراهية ؟! , في الكفة الاخرى المقابلة لكفة المحبين والمغالين .
علي بن ابي طالب “عليه السلام” يعلن عن نفسه بنفسه , ولا يعرف عنه سواه ، ولا يعرفه سوى الله تعالى والرسول الاعظم محمد “ص واله” وذلك جاء في ما روي عنه “ص واله” : (يا علي لا يعرف الله الا أنا وأنت ، ولا يعرفني الا الله وأنت ، ولا يعرفك الا الله وأنا).
…. يتبع ان شاء الله
حيدر الحدراوي