تاريخ تسرب الأفكار العَلمانية الى كُردستان/ج10

أ.د.فرست مرعي

وحول بدايات ظهور الخلاف الصيني – السوفيتي بين الماركسيين الكرد، والموقف الشخصي للسيد الطالباني كعضو في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني (= البارتي)، يتطرق الطالباني الى هذه الناحية بالقول:”في البداية ظهرت الخلافات بين جميع هؤلاء الحزبيين، وكانت لديهم تصورات وأفكار آيديولوجية حول مسألة الماركسية- اللينينية، لأن الماركسية كانت تضم إتجاهين فكريين مختلفين، الشكل السوفيتي والشكل الصيني، وكنت أنا واحدا من هؤلاء أناصر الشكل الصيني، وكنت أستمع الى راديو موسكو وبكين وأعرف الخلافات الدائرة بين هذين الإتجاهين، وخصوصا أن احمد عبدالله ئاميدي (= قيادي في البارتي – جناح المكتب السياسي اغتيل من قبل جناح الملا مصطفى البارزاني في اربيل عام1967م) كان يمدني بالمنشورات الصينية، وكان هو بدوره يؤيد الإتجاه الصيني ويعتبره أفضل من الإتجاه السوفيتي”.

وعندما استفسر المحاور من السيد الطالباني حول وجود أسباب أخرى ماعدا ما ذكره آنفاً، حول شيوع الفكر الماوي داخل حركة اليسار الكردي؟، أجاب بالقول:”نعم هناك أسباب أخرى، فبعد مجيء الأخوة في المنظمة الثورية لحزب تودة الإيراني(= كلاجئين هرباً من شاه ايران) الى بكرجو(= سابقاً احدى ضواحي السليمانية) تطورت أفكارنا حول الماركسية والنظرية الماوية. وكنت ومجموعة من الشباب معي كنا ضمن هذه المجموعة(= منتصف عقد الستينات من القرن العشرين)، وإنتشرت هذه الأفكار رويدا رويدا داخل الحزب وإنطلقت من البداية في السليمانية من قبل مجموعة من الشباب اليساريين الواعين مثل: نوشيروان مصطفى، و بكر حسين، و فؤاد ملا محمود، و شهزاد صائب(= المحامي)، و فريدون عبدالقادر، و أحمد عبدالله، و جلال كركوكي و غيرهم، و نمت و تطورت و إنتشرت بفضل هؤلاء الشباب. وكان الجزء الآخر داخل قيادة الحزب(= جناح المكتب

السياسي)، يؤيدون الماركسية الينينية ولكنهم كانوا راضين مائة بالمائة بالأفكار الصينية، بل أنهم قبلوا حتى ببعض العموميات الكلاسيكية الماركسية، ونستطيع القول، نحن في الواقع ظهرنا كتيار عام 1968 نبشر بأفكار (ماوتسيتونغ) وننشر الكتب الصينية وسط الناس وتطورنا شيئا فشيئا. كما أن حصولنا على إجازة إصدار مجلة رزكاري(= صدرت في عام1969م، وكانت تطبع في مطابع جريدة الثورة في بغداد، رئيس تحريرها : نوشيروان مصطفى أمين)، وكذلك مجيء الإخوان في المنظمة الثورية الإيرانية(= تابعة لحزب تودة) كان لهما دور في تأطير أفكارنا وتوجهاتنا في إطار فكري محدد. أضف الى ذلك أن بعض الإخوان في الجامعة الذين تأثروا بهذا الفكر منهم: دارو شيخ نوري، و فاضل ملا محمود، و شهاب شيخ نوري الذي كان في البصرة آنذاك ثم عاد الى بغداد، وكذلك بعض الأعضاء الذين كانوا يعملون في اللجان المحلية منهم :جمال طاهر، ومحمد صابر، ورفعت الملا(= محمود عبدالرحمن)، وفؤاد قرداغي، تجمع هؤلاء حول مجلة رزكاري (= التحرير)، وأخيرا شباب آخرين مثل: محمود ملا عزت(= مدرس في اعدادية تجارة السليمانية)، وحمة جاوشين وغيرهم ممن لا يحضرني أسماؤهم كل هؤلاء كانت لديهم أفكار يسارية، وبذلك نستطيع القول بأن التيار اليساري المنظم بدأ يظهر داخل الحزب ويرسخ أقدامه”.

وبعد حل الحزب الثوري (= الحزب الديمقراطي الكردستاني – جناح المكتب السياسي- الجلاليون) أين ذهب هؤلاء، هل أسسوا حزبا جديداً؟ كان جواب الطالباني:”بعد إتفاقية 11 آذار(=عام1970م) وحل الحزب الثوري بدأت المجموعة التي تعتبر نفسها تيارا ماركسياً لينينياً بالتحضير لتأسيس منظمة جديدة وعصرية. كنا قد فتحنا مكتبة بإسم الفكر الجديد (بيري نوى) في بغداد كوكيل لتوزيع الكتب الصينية وكانت إجازتها بإسم (دارو شيخ نوري) ويشرف عليها شقيقه (شهاب شيخ نوري) وكنت أنا أتولى حل مشكلاتها المالية. كانت المكتبة بمثابة مركز فكري لنشر وتوزيع الكتب المتعلقة بالفكر اليساري، وجدير بالذكر ان علاقتنا كانت قوية مع السفارة الصينية في بغداد، وعينوا شخصا كحلقة إتصال بيننا، وكانوا يدعموننا ويشوقوننا للعمل بهذا الإتجاه”.

وبخصوص نمو هذه العصبة الماركسية الماوية وتطورها، يذكر الطالباني:” وهكذا نمت البذرة الأولى لعصبة الشغيلة، لكن الجدل ثار حول التوجه الفكري لهذه المنظمة الجديدة. وكانت هناك توجهات مختلفة، فكما يبدو فإن شهاب شيخ نوري، فريدون عبدالقادر، فاضل ملا محمود، دلير صديق، و فؤاد قرداغي، بدؤا بالتحضير لتأسيس تنظيم جديد وجاؤوا إلي ورحبت الفكرة، ولكني قلت لهم بأن ما تقومون به هو عمل محدود، وعليكم بالإخوان العاملين في مجلة رزكاري(= التحرير- يقصد نوشيروان مصطفى وجماعته)، فلا يجوز أن تهملوهم وتنحونهم جانبا، وقلت أيضا (هناك رفاق آخرون يحملون أفكارا جيدة وآخرين يجب أن تكسبوهم)، ولذلك قرروا تفويضي بالأمر للإتيان بمن أقترحه عليهم، لأن علاقتي كانت جيدة بهم وأستطيع أن أنظمهم. وكنا قد نظمنا دورة فكرية وتربوية لكوادرنا، وهناك شيء آخر أود أن أشير إليه وهو، أن شهاب شيخ نوري كان بمثابة الأخ الكبير لتلك المجموعة، ونوشيروان(= مصطفى نوري) يحتل نفس المكانة وسط كوادر مجلة رزكاري، وكانت علاقتهم فاترة الى حد ما وساد بينهم عدم الثقة، فتوسطت بينهم واستطعت أن أرضي الجميع، وافق الجميع على تأسيس تنظيم بإسم (العصبة الماركسية اللينينية الكردستانية) والتي تحمل المبادئ الماركسية اللينينية وتتبنى أفكار ماوتسي تونغ وتسعى لتشكيل حزب طليعي في كردستان ومحاربة الإمبريالية والإنحرافات الحاصلة في مسيرة النضال الثوري الكردي “.

وتجدر الاشارة الى أنه بعد بيان آذار عام1970م، بدأت نواة العصبة الماركسية اللينينية الكردستانية سلسلة من الاجتماعات في بغداد للفترة من آذار – تموز 1970م، عرض خلالها جلال الطالباني تصوراته للمرحلة المقبلة فأكد على ضرورة الحاجة الى تنظيم ماركسي سري يقوم الى جانبه تنظيم ( ديمقراطي برجوازي علني)، وفي ختام تلك الاجتماعات اتخذ الجميع قراراً يتشكيل (التنظيم الماركسي اللينيني الكردستاني) الذي أطلق عليه اسم ( العصبة الماركسية اللينينية الكردستانية)، وأصبح يعرف اختصاراً باسم (كومله) التي تعني بالعربية (العصبة) وذلك في 10/7/1970م، واعتبر التنظيم الجديد بديلاً عن الحزب الشيوعي في كردستان العراق. بعد ذلك تم اعداد نظام داخلي وورقة عمل للتنظيم كتبها جلال الطالباني وأطلق عليها اسم (الكوردايتي)

والتي تعني (حركة التحرر الوطني الكردستاني) وتقابل المفهوم السياسي والايديولوجي للقومية العربية و ( للثورة العربية) الذي كان حزب البعث العربي الاشتراكي يتبناه في العراق

وقد شهدت الكوملة ومنذ تأسيسها وجود أربعة خطوط أو تيارات داخل صفوفها وهي:

1- خط جلال الطالباني.

2- خط نوشيروان مصطفى أمين.

3- خط شهاب الشيخ نوري صالح.

4- خط فريدون عبدالقادر فرج.

وكان جلال الطالباني قد التحق بعد ارسائه قواعد التنظيم الجديد (الكومله) مع حزبه الديمقراطي الكردستاني/ المكتب السياسي، وبعد ابدال اسمه إلى الحزب الثوري الكردستاني ب(البارتي) بقيادة ملا مصطفى البارزاني وذلك في تشرين الثاني 1970، أما قيادة العصبة الماركسية اللينينية الكردستانية (= كومله) فقد تشكلت عند التأسيس من:

1- شهاب الشيخ نوري صالح، سكرتير اللجنة القيادية.

2- نوشيروان مصطفى أمين، غادر الى مصر ومنها الى النمسا لاكمال دراسته في العلوم السياسية، خوفاً من اغتيال البارتي له.

3- محمد ميرزا سعيد ملا عباس، مسؤول بغداد.

4- جعفر عبدالواحد، مسؤول أربيل.

5- ئاوات عبدالغفور مصطفى، مسؤول السليمانية.

6- فريدون عبدالقادر فرج، مسؤول كركوك، ومنظر الكومله.

7- أرسلان بايز.

وبخصوص الهيكل التنظيمي والبرنامج الثقافي للكومله، فقد شكلت (الكوردايتي)، و(الايديولوجية الماركسية) القاعدة التي استند عليه البرنامج

الثقافي المركزي الذي أعدته السركردايتي(= القيادة) بعناية لتثقيف المنتسبين الى التنظيم، وقد روعي في عرض مفرداته تباين المستويات التنظيمية، والتي تشكلت وفق الترتيب التالي:

– اللجنة القيادية ( السركردايتي).

– لجان الأقاليم.

– لجان المدن.

– الخلايا الرأسية.

– الخلايا القاعدية.

– الحلقات.

والمستوى التنظيمي الأخير خاص بالأفراد حديثي الانتماء الذين لم يستوفوا شروط العضوية بعد. لذلك فإن المهمة المنوطة بالحلقة كانت تدريس الأفكار الماركسية لهم بشكل متدرج وأعدادهم لاكتساب صفة العضوية التي تتحقق بصعودهم الى الخلايا القاعدية. وكانت كل حلقة تتكون من (3-5) أشخاص ويشرف عليها عضو خلية قاعدية.ينظر: (صلاح الخرسان، التيارات السياسية في كردستان العراق، ص327-330).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here