اكتوبر 2019 موعد الانتفاضة المجيده

د. حامد السهيل
تم الاعلان عن مظاهرة واحتجاج فى مواقع التواصل الاجتماعى من قبل مجاميع من الشباب ينا
شدون بعضهم البعض الحضور بكثافة والتعبير عن حقوقهم ومطاليبهم التى تجاوزت عليها طغمة المحاصصه الحاكمه منذ سنين. كانت استجاب الشباب ولقائهم قد فاق كل التوقعات. بكل عنفوان وثقه اقتحم الشباب الشوارع وارتفعت اصواتهم تنادى وتؤكد على مطاليبهم وحقوقعهم التى هى مشروعه واساسية لحياة كريمه: فرص العمل, مدارس, مستشفيات, خدمات الماء والكهرباء ومكافحة الفساد المالى والادارى. هذه المطاليب تبلورت سريعا الى المطالبه بـ” وطن”, هذا يعنى لاصحاب العقول والضمائر السليمه: الهويه الوطنيه,الكرامه الشخصية والانسانيه, وحدة الانتماء والمصير وليس اخيرا الانتماء الى هذا العراق العظيم الذى قدم للانسانية جمعاء ثقافة وحضاره ما زالت معالمها فاعلة لحد الان. ان الاصرار على شعار” الوطن” ياتى متلازما مع نهج الحكومه الحالية والسابقات التى عرضت “الوطن” للبيع وثرواته رهانا بيد البنك وصندوق النقد الدولى وشركات النفط الدوليه, لقد قاد ت هذه السياسة ان يكون العراق عالميا فى المقام الاول فى الفساد المالى والادارى وجواز السفر العراقى لا يحترم حتى من قبل الدول العربيه. ان هذه الحقيقة تمثل جرحا عميقا فى نفوس ومشاعر المواطنين. ان الشعارات والاهداف تتبلور مع الفعل الثورى ومن خلال التجربه الحية مع طروحات النظام وعدم مبالاته بمعاناة المواطنين واوضاعهم الحياتية والمعيشية, وبذلك اخذ اسقاط النظام واستقالة رئيس الوزراء موقعا خاصا فى الانتفاضه وذلك لانه مجرد واجهة ولا يملك القرارالنافذ. ان انتفاضه اكتوبر 2019 تمثل عملية تراكم معرفى وتنظيمى عن حركة الاحتجاج والتظاهر الى حصلت فى البصرة والجنوب ومنذ سنين الاعتصامات فى ساحة التحرير وسوف تكون وبنفس دروسا لحركات التظاهر والاحتجاج والمقاومه التى سوف تنطلق فى الاشهر والسنين القادمه ضد هذه الطغمه الغاشمه, انها عملية تراكم الفعل الجماهيرى والاردة الحرة والتطلع نحو حياة كريمه فى العمل والخدمات والاستقلاليه والمستقبل . ان خصوصية انتفاضة اكتوبر 2019 انطلاقها حيوية قوية مستقلة بعيدة عن محدودية الاحزاب وايديولوجيتها الجديدة والقديمه, انها أرادة الشباب الذين عاشوا بضعة سنين فى النظام الديكتاتورى قبل2003 وترعرعوا ونضجوا فى مرحلة الاحتلال وحكومات المحاصصه االمذهبية والقوميه, عاشوا وما زالوا يعيشوا سنين طويلة من المعاناة وخيبات امل والمستقبل المظلم, انها تجربة مريره مع نخبة المحاصصه التى فى تفكيرها وسلوكها السياسى والاخلاقى تعتبر اسؤ مرحلة حكم حصلت فى العراق, والانتفاضة وشبابها ترفض بشكل مباشر جميع الشخصيات والرموز سوى كانت من اصحاب العمائم او العقال والافنديه, سنية , شعية وكرديه. هذا الجيل من الشباب الذى توفرت لديه التكنولوجيا المتطورة ( الهاى فاى) واخذ يجيد استعمالها وبذلك ارتبط بما يحدث فى العالم

من تطورات هائلة وابداع وتقدم مذهل فى جميع المجالات وهو مؤهل ايضا ان يتمع بالحريه ويحضى بهذا التقدم والتطور, كما ادرك ايضا خفايا السياسة المحلية والدولية, و موقع العراق البائس بما فيه وما يدور حوله فى العالم . ان هذه التكنولوجيا قد نقلت عملية الاتصال الجماهيرى, تطوير النظام الديمقراطى وامكانية الفعل والمقاومة الى افاق واسعة رحبة التى لا يمكن للانظمة الدكتاتوريه السيطرة عليها. انطلقت الانتفاضة من العاصمة بغداد وانتقلت بسرعة هائلة الى مدن وعواصم الجنوب العراقى المضطهد مع سبق الاصرار والترصد منذ عشرات السنين والتى اتسمت بوحدة الهدف والمشاعروالعمل. لقد ابدعت حركة الانتفاضة ومنسقيها, بعد ان ظهر واضحا احتلاال قوات الحكومه الامنيه والجماعات الانكشارية الموقع التاريخى لحركة الاحتجاج والاعتصام “ساحة التحرير” والشوارع المؤدية لها, اخذ التجمع والانتقال من موقع الى اخر فى مختلف المناطق والميادين البغدادية وكان هذا الانتشار تأثير قوى على وعى المواطنين فى التضامن والمشاركه, بالاضافه على ارباك المليشيات الانكشاريه فى السيطرة على الانتفاضة وتحديد مواقعها. ان هذه الانتفاضة المباركة التى استمرت اكثر من اسبوع كانت الاقوى والاكثر تأثيرا وفاعليه من جميع الانتفاضات التى حصلت فى جنوب ووسط العراق. وتجاوز المنتفضون الخطود الحمراء وسطوة الاحزاب واصحاب العمائم وفتحت الطريق واسعا لانتفاضات قادمه اكثر تنظيما وقيادات محليه متضامنه بمشاعر ومسؤلية امام الشعب والوطن. ان الحكومه الممثله برئيس الوزراء وبقية قيادات الكتل قد اعطت الاوامر بالتصدى للانتفاضة واستخدام مختلف الوسائل والاساليب لقمعها سريعا وعدم انتشارها وتوسعها, انها حقيقة ناصعه لا تؤثر عليها ادعاءات المسؤلين وكذبهم, ان السلطة قد اجازت استخدام خراطيم المياة والغاز المسيل للدموع منذ اليوم الاول للانتفاضه وبعد ذلك تم اطلاق الرصاص الحى, ومع سقوط شهداء ومئات الجرحى والمعتقلين استمر المنتفضون فى انتفاضتهم ولم يؤثر على اصرارهم وعزيمتهم اعلان منع التجول. كان انزال القوات الانكشارية فى الشوارع واطلاقها الرصاص الحى وزرع عدد من القناصين فى عمارات وسطوح عالية يعتبر تطورا نوعيا فى مجابهة المنتفضين, وهذا الفعل لا يختلف كثيرا عن مجابهة عدو خطير يجب القضاء علية والتخلص منه بسرعة فاعلة, ان هذا التطور اخذ ابعادا جديدة خاصة فى مدينه الصدر الذى اتسم بعدائية وعدوانية مع سبق الاصرار الذى استخدمت فيه مختلف صنوف سلاح الحرب التقليديه وتحولت مدينة الصدر الى ساحة حرب حقيقة بين الاعداء: الميليشيات الانكشارية المسلحه والمواطنين العزل. ان النظام الجبان الذى اختبى مرعوبا فى ازوايا وسرداديب المنطقة الخضراء, وربما جمعوا حقائبهم, يرسلوا العتاة الجهلة يفتكوا بالمواطنين لانهم يطالبون بحقوقهم. بلغ عدد الشهداء 311 و9334 من الجرحى فى صفوف المنتفضين وفقا لبيانات لجان التنسيق, انهم ضحايا الحكومه وبشكل خاص رئيس الوزراء , وليس غريبا على الحكومه الخائبه الفاشله ان تستخدم السلاح ضد المنتفضين, والواقع يؤكد, ان هذه الممارسه ليست بعيدة فى محتواها النظرى والعملى عن ضياع وتبديد الثروة الوطنيه وتشريع الكذب الاحتيال وسرقة المال

العام وافساد وتعطيل القواعد والاعراف الاجتماعية, بالاضافة الى تلاشى وهزالة وجود الدوله وضياع المستقبل. ان الحكومه بكل شخوصها, لو قدر للانتفاضة ان تستمر لمدة اطول وتخترق المنطقة الخضراء, سوف لا يتردوا فى اجتياح جموع المنتفضين بالدبابات وتضربهم بالمدافع والهاونات وذلك للحفاظ على كراسيهم وربما يعلم البعض منهم, انه سوف لايجد بلدا يتقبلة كلاجىء رغم الملايين التى يمتلكها. ان الحكومه قد اوقفت عمل الانترنت لحيويته واهميته فى ادامة عملية التواصل بين المنتفضين لبضعة ايام فى حالة فريدة لم تحصل فى العالم الا نادرا ولبضع ساعات. ان الطغمه الفاسدة قد قدمت وعودا فى توفير فرص عمل وتحسين رواتب المتقاعدين وشمول العاطلين عن العمل بمبلغ بائس(سوف يلجؤا الى الاستدانه), وتشكيل لجنه لمحاسبة الذين تطرفوا فى استخدام الرصاص الحى واحالة عددا من الفاسدين الى القضاء , كقربان فداء عن كبار الفاسدين الذين مازالو يصولون ويجولون فى الدولة والوزارات والاحزاب يعقدون الصفقات وكأنه شيئا لم يكن وهذا سوف يحصل كالعادة دون ان تتغير المعايير والاليات. اعلن رئيس الوزراء تسمية خمسة وزراء جدد, وهذا ما يدعو الى الضحك والسخريه, انه لم يستطيع تعيين 2 من الوزراء وبعد سنة كاملة من حكمه, ونحن نسئل من اين سوف يأتى بهم.؟ ان الشخصيات النزيهه الكفؤه لا تستطيع العمل مع هذه الشله الفاسدة (وزير الصحة نموذجا), اما نخبة المحاصصه, فأن كوادر الصف الثانى منهم, تنبعث روائح فسادهم وجهلهم ما يزكم الانوف, ولا بد من التأكيد من ان الفتره القادمة سوف لا تسجل تطورا ملحوضا عن سابقاتها, خاصة والسيد عبد المهدى الذى سوف يجتهد فى تنميق الكلمات والوعود, سوف يمارس الارهاب والعنف ولكن ببعض الحذر وكأجراء استباقى وسوف تنشط بنفس الوقت عملية اغتيال الناشطين. ان حركة الاحتجاج والانتفاضة والمقاومه يجب ان تدرس وتجتهد فى دراسة علمية عن مجريات الانتفاضة وعناصر قوتها وضعفها ومتطلبات المستقبل والاستعداد للانتفاضة القادمه, وكما يبدو لى فان التركيبة المجتمعية وتركيبة حكومه المحاصصه وارتباطاتها الدولية سوف تفرض علينا بالضروره القيام بعدد من الانتفاضات. عاش شعبنا البطل والسمو والاحترام الكبير للشهداء الكرام للمنتفضين.

د. حامد السهيل,
11/10/2019

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here