محنة زيد بن عليّ.. مع الحوثيين!

رشيد الخيّون
كتبتُ مقالاً في صحيفة «صوت العُمال» بعدن(1987)، تحت عنوان «زيد بن عليّ والزَّيديِّة»، وما كنتُ أحسبُ ولا الصَّحيفة حسبت، بأن في الموضوع إثارةً للنَّعرة الطَّائفية، مثلما تصوره البعض حينها، في وقت لم تكن عدن ومحافظاتها تُطرح نفسها شافعية، ولا صنعاء تطرح الزَّيدية، مع أن الرئيس وكبار المتنفذين قبلياً كانوا زيدية، وعندما تُذكر مقولة: «إحنه شوافع والمذاهب أربعة والمذهب الخامس على دِين المسيح»، كانت تُقال مزحاً، وقد وثقها الرئيس الأسبق عبدالرَّحمن الأرياني(ت1998)، في رده على أكاديمي كتبَ ضد النّصيريين(الخيّر، عقيدتنا وواقعنا/مقدمة الأرياني). فمعلوم، أنه في وقت التَّراضي وسلامة التَّعايش المذهبي والدِّيني، تتحول الطَّائفية إلى مجرد مُزحة.
لم يكن لزيد بن علي(قُتل122هج)، ولا لمحمد بن إدريس الشّافعي(ت204هج) صِلةٌ بما ظهر بين أتباعهما بعد دهرٍ طويل، حيث الاختراق والحزبي. سيُقال: ألم يكن زيد سياسياً؟! نعم وخاض ثورة، لكن مَن يقرأ المقدمات لا يجدها مثلما بنى عليها المتأخرون مِن الثَّائرين، ولا مجال لإعادة ما جاء في مقال: «ثورة زيد.. ومدى الدَّافع الشَّخصي»(الاتحاد 13/5/2015)، فبعد الثورة الأولى يتحول شعار الحركات التي تأتي بأثرها: «يا لثارات…»! ولو دُقق بالحركة الحوثية نفسها تجد هذا الشّعار بارزاً، بمعنى أن الحركات ذات المنحى الديني والمذهبي ليست لديها إلا العودة للماضي.
لم يترك زيد كتاباً بث فيه عقيدته في السُّلطة، ففي ذلك الوقت كان التَّدوين ضعيفاً، وكذلك الحال مع بقية الأئمة والفقهاء، لكنّ مع ذلك أصبحت له نظرية وعقيدة، شُيد على أساسها المذهب الزَّيدي، واختلفت الفرق داخله، بين المعترف بالخلفاء الرَّاشدين، وفق الفاضل والمفضول، وأن زيداً لم يجب مَن سألوه البراءة من الخليفة الأول والثَّاني، وأن يكون خروجه طلباً للثأر، فرفضوا الخروج معه(الحميري، الحور العين). كذلك أن زيداً اعتبر الوصية لجده علي بن أبي طالب(اغتيل40 هجرية)، إمامة العِلم في الدِّين لا إمامة السِّياسة (المصدر نفسه، ابن المرتضى، المُنية والأمل)، وصاحبا المصدرين مِن كبار علماء الزَّيديَّة.
يُقدم «الحوثيون» أنفسهم أنهم زيدية، مِن سلالة أئمة اليمن، وفي آرائهم ما يُنسب إلى «الجارودية»، يقولون بالوصية بالنَّص الخفي، وأن الإمامة في البطنين(الحسن والحُسين)، ويحيون «يوم الغدير»، وعاشوراء، ودخلوا في السياسة المباشرة، أخذوا يتأثرون بـ«حزب الله»، وخاضوا مِن معقلهم صعدة عدة حروب، لكنهم لا يقدمون أنفسهم إماميَّة، مع أنهم الأقرب إلى فكرة «ولاية الفقيه». كانت الزيدية حلقة وصل بين الشيعة والسُّنة، فهم حنفيو الفروع معتزلو الأُصول- معتزلة بغداد- القائلين بأفضلية عليَّ وإمامة المفضول. لكن كلما توغلت الحوثية في الحزبية ابتعدت عن الاعتدال الزَّيدي.
نقول إذا كانت ثورة زيد بدافع إهانة خليفة زمانه له، والتفاف أهل الكوفة حوله، وكان يرفض الخروج(الأصفهاني، مقاتل الطَّالبيين)، فللحركة الحوثية أسبابها أيضاً، فمِن غير التشجيع الإقليمي، والسلطة بصنعاء، ساهم في خلقها الكسب المذهبي، يوم حلَّ بصعدة مقبل الوادعي(ت2001)، بعد سُجنه بتهمة كتابته لجهيمان العتيبي(أُعدم1980)، تاركاً السعودية إلى صعدة، وفتح هناك معهداً سلفياً، فاستنفر الزيود، وتأسس «حزب الحقَّ»، ثم «منتدى الشَّباب المؤمن»، فـ«أنصار الله»(الحركة الحوثية تجاذبات السِّياسة والعسكرة والتَّمذهب)، فزاد ابتعادهم عن الزَّيدية.
ليس زيد وحده من صار ركيزةً لحركات لا علاقة له بها، فأغلب أئمة المذاهب أصبحوا ركائز، حتى سميت ألوية بأسمائهم، يستحضرونهم في مخيلة الأتباع، جموع مِن الشباب غُسلت أدمغتهم بأخبار لا وجود لها، فلو تأملنا عنوان «أنصار الله» بماذا يُفسر؟!
ليس الحوثيون وحدهم من أغرقوا الأتباع في الوهم، إنما الحركات الدِّينية كافة تشهر المقدس شعاراً وسِلاحاً، فعندما أطلق محمد الزِّبيري(اغتيل1965) عنوان «حزب الله» على تنظيمه الإخواني، قال: «سنفجر لهم قنبلة ستكون شديدة الوقع عليهم، سنعلن إنشاء حزب نسميه حزب الله»(المسعودي، محمد الزّبيري ومشروع حزب الله)!
أقول: كانت مخاوف مَن لامني على ذلك المقال في محلها، وإن كانت بأثر مسبق، فما كنا نمزح به على الطَّائفية، هناك مَن يعد لها كي تصبح بكائية، تعدت زيد والزيدية.
*كاتب عراقي
الاتحاد الإماراتية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here