هل ورثنا الدين ظلماً… وورثنا الخيانة عدلاً..؟

د.عبد الجبار العبيدي

——————————————

أليس من حقنا البحث والتدقيق في أصول التاريخ الاسلامي ،لنصحح ما يحتاج الى تصحيح ، وتصفية ما يحتاج الى تصفية ، مما شابه من عدم الدقة ، ومن سوق الاخبار على عواهنها دون دليل ، مما أساء الى أمة الاسلام ودينها الحنيف بالحجة والبرهان… من أولئك الذين نقضوا الأستقامة وحنثوا اليمين ؟ فالاسلام هو موعظة لكل من شاء الاتعاظ بالعدل وطريق الخيرقبل ان يكون ديناً.. فلا يتجرأ احدُ على محاربة العدل والحقوق الا من في نفسه الفجور والطغيان.

اقول وبصراحة الكلمة ..نعم من حقنا ..وليس من حق مؤسسة الدين اليوم ان تنفرد بالامر..وتقتل حقوقنا الانسانية بأسم الطائفة والمذهب.. وتصل بنا الى ادنى مراحل التخلف والظلم بين المجتمعات الانسانية بحجة التقديس..كما نعايشة ويعايشنا اليوم..فهل يصح ان تكون الخيانة .. عدلاً..؟

نعم علينا ان ننبه القراء الى ضرورة البحث عن حقائق الامور بعد ان غلبهم وغلبنا النعاس..؟

من الضرورة البحث عن حقائق الامور، لان معظم كبار مؤرخينا وفقهاؤنا كانت فيهم سذاجة جعلتهم يُدخلون في فلسفة الاسلام ما ليس لهم فيه من امر، وما جاء به ، مثل الناسخ والمنسوخ .. وحكاية ابن السوداء ..ونظرية ولاية الفقيه ..والمهدي المنتظرالوهمية .. وعصمة الانبياء واهل البيت .. وتقديس الاسرار.. وظلم المرأة ..وما ملكت آيمانهم دون عقد احصان..لدرجة ان بعضهم تجرأ ان يقرأ الايات القرآنية مقطوعة القراءة لغرض في نفس يعقوب كما في الاية 33 من سورة الاحزاب.. وغالبيتهم ممن يؤمن بالفلسفة المثالية التي تدعي المعرفة لما فوق معرفة البشر ..لذا عمدوا الى التفسير اللغوي على هواهم ونسوا التأويل الذي أمر به الله في الآية (7) من سورة آل عمران ..فعشنا كل تاريخنا الطويل تحت حكم الطغاة من كل

نحلةٍ ولسان ..لدرجة اجبرونا ان نحاكي ايجابياته ولو ببارقة امل نُسعد بها انفسنا الظليمة..حتى اصبحنا نردد..دعونا نربح العالم ونخسر انفسنا.

نعم منذ القدم وحتى اليوم،حكمونا الطغاة على اختلاف الوانهم واشكالهم ومعتقداتهم يؤيدهم فقهاء الدين طمعا في سلطتهم ،والمتقلبون مع السلطة املا بالمحاصيل ،بعد ان افقدونا فرديتنا وحقوقنا كآدميين حتى اصبحنا كقطيع الاغنام لا سبيل لنا الا لمن ينحرنا هدية للاخرين.ويبقى السؤال ..أذا كنا ممن خلقنا الله فلماذا لايدافع عنها الآله الموجود ضد الطغاة الذين لا يؤمنون الا بالسلطة ونكران الوجود..في وقت يُطلب منا الطاعة ويوم الحساب ؟

لا ادري لمَ لا يؤمن الطغاة بالآله ليحكمنا بالاستقامة والعدل ماداموا هم وكلائه الدائمون في الارض..ولماذا لا يدركون عطفه علينا بعدالته المطلقة التي ينادي بها بقرآنه الحكيم ، وبالحق الذي يشاهر فيه..فهل سنبقى فئة مستعبِدة لهؤلاء الذين ماتت في قلوبهم رحمة الله.. ونحن ليس لنا سوى الطاعة..وهم الحاكمون؟ اذن يجب ان نرفض من يدعون بوكلائه في الارض بعد ان تخلوا عنا..فهل من حقه ان يحاسبنا غداً..على رفضهم وما يدعون ؟ أمرغير مقبول.

في العصر القديم كانوا يحكموننا بسلطة الاصنام دون آلهة السماوات ..فنقول من حقهم ان يغتصبونا لأننا نجهل ما يقولون ..ولكن كيف يستمر الاغتصاب بعد ان نزلت رسالات السماء وجاءت بالوصايا العشرة التي حددت الحقوق والواجبات..اذن من ينفذ حكم القانون بالمعتدي ؟ اذن اين الله وحقوق الناس..عند هؤلاء اللصوص؟ حتى آدم حينما أخطأ انزله الله الى الارض ليقتل الشر في نفسه..فهل هناك من فرق بين القديم بآلهة وهمية ، والجديد بآله واحد فوضهم ان يكونوا هم اصحاب السيادة ونحن لهم طائعون..؟ حتى نسبوا لانفسهم الحكم علينا بلا قانون..؟..بعد ان احتكروا النص والآله لهم دون الناس بمرجعيات دينية هي لا تؤمن بالآله والقانون..واليوم حكام العراق يقتلون الشعب والوطن ويسرقون المال والحال بأمر من أيران ..بحجة ولي الفقيه وجنته الموعودة الكاذبة ..للناس..هل هذا معقول..؟

ولانهم لا يؤمنون بالصيرورة الزمنية والتغيير الحتمي الذي جاء به القرآن ” قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدأ الخلق..”، فقد رفضوا لمن يعرفهم حق المعرفة ان يحاججهم في كل صغيرة وكبيرة .. فهل المطالبة بما أمر به الدين كان ظلماً…ولانهم جهلاء بالتعصب الاعمى للمذهبية المخترعة ،والطائفية المريضة ،فقد اصروا على الخطأ . لذا فان الاسلام قد توقف وانتهى من الناحية العملية واصبح مجرد خُرافات تردد على آلسنة روؤساء احزاب الدين ومرجعياته وخطباء الثروة والجاه يوم الجمعة ..من هنا نحن نرفض قوانين الدين ونطالب بقوانين العدالة التي جاء بها الدين لتطبق في الحياة الدنيوية لتحمينا من الظالمين ان لم يراعوا هم ما طلب آله السماء العظيم من وكلائه في الارض ..المصرون على عداوته وعداوة قوانين الدين ..

ولان العدالة قد حاصرتهم وتحاصرهم الى اليوم .. فالخيانة لا تصح ان تكون عدلاً.. والظلم ان لا يكون حكماً ..والاغتصاب الممارس من الحاكم لا يكون غصبا.. فابتكروا لنا نظريات الجرح والتعديل ..ونظرية الضرورات تبيح المحظورات… وجماعات الحل والعقد ..حتى أصبحنا نحتاج الى التأني والتفكير قبل اطلاق الثوابت..لدرجة اصبحنا بعيدين عن الفكر السياسي السليم.

اذن ..اي دين هذا الذي يقبل حاكم مستقيل يحكم بلا تخويل..وينحر البشر بلا محاسبة القاتلين..ويظلم الناس بلا محاسبة الحاكمين ..ويجويع البشر بلا عقاب المغتصبين..؟ ويهتك الاعراض بآية صريحة ليس لها من تأويل..حسب وجهة نظره ونظرهم “وما ملكت أيمانهم..” المنافية لحقوق الانسان وحرية الاختيار ..بعد ان غيبوا عقد الاحصان الذي طالبهم به رب العالمين أنظر سورة النور آية4 ؟

حتى الحكم النبوي المحمدي كان حكما مطلقا ثيوقراطياً بيده كل السلطات دون مشاركة الاخرين سوى الاستشارة “شاورهم في الأمر” ..لكنه كان وحيا آلهيا مستوحى من رب العالمين..وحتى الشورى التي نادوا بها ظهرت بعد وفاته هواء في شبك … الخليفة يحكم ويقتل بموجب حاكمية الله ..لكنها كانت نصا لابد من ذكره وان عز علينا الزمن.. بدليل مجيء خلافة ابتكارا لاستمرار السلطة بأيديهم..فكانت بدون مدة رئاسية محددة ..او مدى سلطان لها.وهذا لا يتفق وطبيعة الشورى التي

بها يدعون ؟ والتي نادى بها القرآن .وهم عنها معرضون..؟ كما يقولون :”ما سُل سيفُ في الاسلام مثلما سُل على الخلافة”..فهل هذا معقول في دولة العدول..؟

هذا الامر جعلهم ينصرفون عن التشريع السياسي ،وتلك كانت المصيبة الكبرى التي حالت دون ضبط نظم الحكم في الاسلام وعند المسلمين عبر الزمن،فظل كل ما نقرأه لهم في موضوعات السياسة عائم وغامض وغير مضبوط كتصريحات مرجعياتهم الوهمية الغامضة اليوم..”المجرب لا يجرب”فلسفة غامضة تحتمل كل الوجوه..فأين الفكر السياسي الذي به يدعون..؟

انظر ما يفعل حكام العراق اليوم بشعبهم في سياسة تفريق الاموال بينهم دون مراعاة لحقوق الناس “قوانين رفحا والمجاهدين” وقتل المعارضين دون رحمة بحجة خروجهم على الاسلام وسلطته والتي كانت سببا في الفتنة ..ولا زال المسلسل جاريا الى اليوم في دولة القانون التي يقولون..هذه كلها من حقوق الامة ، لذا استمر الشرخ السياسي يعاني منه المجتمع بعد ان استخدم السيف بدلا من الحوار والقانون..كما في الخلافة..و قتال الخوارج ..والى اليوم لم نعرف من هم الخوارج وماذا كانوا يريدون سوى ما قاله الفقهاء المدلسون..والقتل على التهمة..والاسلام لا يجبر الناس على الالتزام بالعقيدة( لكم دينكم ولي دين ).وانا كمؤرخ اقول اين الحقيقة واين المنهج لنعرضهما على الناس ..؟يبدو اننا ساهمنا بمنهج الدراسة في التخريب ؟

تلك هي المسائل التي كان لابد للفقهاء ان يتناولوها بالدرس والتدقيق ووضع القواعد لها..لا ان يأتونا بالمذاهب الباطلة “73 فِرقة في النار الا واحدة” واحاديث نبوية لا اول لها ولا اخر سطرها المنافقون..من قال لهم هذا وهل جاءت بنص من القرآن الكريم..؟نصوصهم الباهتة التي فرقت بين المسلمين وجعلتنا اشتاتاً ممزقة ..كل يعادي الأخر..والتي لا وجود لها في القرآن ولا في التوراة والانجيل..فكان اغفال الثوابت اول طعنة في الشرعية الدينية التي ظلت ناقصة الى اليوم.ولا زالوا يطالبون بتطبيق الشريعة ..ولا ندري عن اية شريعة يطالبون بتطبيقها..شريعة حمورابي ام شريعة الآله المقدس ..كلها احتمالات لن تحسمها سوى أدعية الاستخارة واحلام المنام وملوك الجنس الرجيم .

لقد حاول سماحة السيد محمد باقر الصدرعلى ما قرأته في كتاباته الأصول ان يقف بالضد من مشروع ولاية الفقيه الخطيرحينما شدد في تاريخه لنشأة علم الاصول ونمو فكرة الاستنباط للأبتعاد عن عصر النصوص الوهمية..وكان لا يؤمن بفكرة الولي الفقيه..ولازال اتباعه في حزب الدعوة الميت اليوم الذي يرأسه المنافقون.. يؤيدون الولي الفقيه..لكن صدام حسين مع الاسف كعادته في اتخاذ القرات الخاطئة كان متسرعا حين اعدم الرجل ومكن المتعصبين من تثبيت افكارهم الجهنمية التي نعاني منها اليوم.

وفي الجانب الثاني جاءالذي يسميه المؤرخون بفكر الطاعة الذي عكس فلسفتهم السياسية في طاعة الحكم الذي جاء به البويهيون والسلجوقيون (334-447 للهجرة) وتمثل في:”اطيعوا الله والرسول وآولي الامر منكم” .لكنهم لم يفهموا أن (أولوا جمع لا مفرد له من جنسه ..أولو.. ليس جمعا لولي ولا من مادته فجمع ولي هو أولياء فوقعوا في خطأ التقدير، وحملونا كل هذه المصائب التي خلفت الامة واضاعت حقوقها القانونية في التثبيت ..فكان .. ولا زال المسلسل مستمرا في عزل الفكر الآيديولوجي من قبل مرجعياته المتعصبة في ولاية الفقية ونظرية المهدي المنتظر الوهمية والمخالفة لعقيدة أهل البيت (ع).. او قل الفكر الاسلامي ومرتكزات الفكر الحضاري الذي غلفوه بفكر استطرادي ،دون وضع نظريةعامة تناسب اهميتها العملية..فضاعت حقوق الفرد المسلم وواجباته في دولة الاسلام الوهمية..واصبحت مبادىء اهل البيت في محنة القدر.. وهاهي النتيجة المرة نحصدها اليوم..

ان الذين يسمون انفسهم بالقيادة -اصبحوا أشرس من الذئاب المفترسة على الناس قتلاً وتشريداً وسرقة لأموالهم وضياع المصير لاجيالهم القادمة..بعد ان اخترقوا كل قوانين الاسلام والبشرية وما جاءت به التوراة والانجيل و القرآن والزبور..لكن لاعتب فالدنيا غرور وهم جهلة لا يقرؤون ..وانا واثق لو ان الاستعمار عاد الينا من جديد لما فعل بشعب العراق ما فعل حزب الدعوة والاحزاب الاسلامية الاخرى المتخلية عن القيم والاخلاق والدين معا.

نعم نحن اليوم نعيش في ظل التحدي العلمي والفكري للمذهبية ومرجعياتها ومدارسها الوهمية..هذه المدارس الدينية لو استمرت على حالها اليوم دون رادع حقيقي من ضمير- بعد ان اصبح الاعتقاد بالنص القرآني وهماً مغيباً – ..سنشيع اخر رجل يحمل الفكر الحضاري..ويموت الوطن ليدفن بجانب من ساهم بقتله …ودفن قبله جثمان بلا كفن…في حضرةالمتقاتلين ؟

لك المجد يا وطني..لماذا ورثت من قادة الاسلام ظلم الزمن..وخيانة الوطن…والاسلام والمبادى.. واهل البيت .. وابو ذر الغفاري.. والصحابة .. وكل الاخيار منهم براء ؟ .

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here