واقع المرأة العراقية في العقود الأربعة الماضية

واقع المرأة العراقية
في العقود الأربعة الماضية
علاء كرم الله

أفرزت العقود الأربعة الماضية التي مرت على العراق بكل ما فيها من خوف وآلام وآهات وحسرات وفراق للأحبة وضيم وقهر وجوع وعوز وفقر ومرض وتخلف، أفرزت واقعا مريرا على عموم العراقيين فتغيرت الخارطة الأجتماعية والأنسانية لهم تبعا لذلك. وكان حظ المرأة العراقية عاثرا بائسا كعادته! في ظل هذه المتغيرات والمستجدات المؤلمة بل كان قاتم السواد، لكونها العنصر والكائن الأضعف في المجتمع!، فوقعت عليها كل ملامات الدهر وكل تبعات الظروف. الأخطر في أفرازات تلك السنوات من العقود الرهيبة التي مرت، تمثل في كثرة الأرامل والمطلقات وأزدياد أعداد العوانس بشكل خطير وملفت للأنتباه!. الكوارث الأجتماعية هذه من ( المطلقات والأرامل والعوانس، أضافة الى زيادة مهولة في أعداد الأيتام) كافية أن تهد بنيان أكبر الدول والأمبراطوريات والممالك في العالم وليس في العراق فحسب، أذا ما أهملت وتركت بلا حلول وبدون رقابة الدولة وأهتمامها وعنايتها، كما هي عليه الآن في العراق!. وهنا لا بد من الأشارة أن المجتمع العراقي لم يكن يعاني أو بالأحرى لم يكن يعرف هذه الكوارث الأجتماعية في سبعينات القرن الماضي وما قبلها، حيث كان أيقاع الحياة الأجتماعية بكل تفاصيله يسير بشكل هاديء وطبيعي فكل الأحصائيات الرسمية للدوائر المعنية بهذا الأمر تشير الى عدم وجود مفردات هذه الكوارث الأجتماعية ( المطلقات والأرامل والعوانس ومعهم الأيتام)، وأن وجدت فهي لا تتعدى المعقول وتأتي كنتاج طبيعي للحياة وسنتها، وليس كأفرازات لمشاكل وأزمات كما هي عليه الان. فعلى سبيل المثال، أن المجتمع العراقي منذ سبعينات القرن الماضي وما قبلها لم يكن يعرف شيء أسمه العنوسة؟!، ولم تكن المرأة العراقية تخاف من هذا الهاجس بل لم يخطر على بالها أن تكون في يوم من الأيام عانسا مهما كان شكلها وأنحدارها الطبقي وتعليمها!، كما هي عليه الآن حيث باتت العنوسة تشكل كابوسا ثقيلا ومخيفا على عقل المرأة تحديدا وعلى كيان الأسرة العراقية بشكل عام. فأزدياد نسبة العوانس في المجتمع العراقي الآن ليس بسبب قلة الرجال الذين ضاع ومات وفقد الكثير منهم في جبهات الحروب الخارجية والداخلية، وغيب قسم منهم خلف القضبان والسجون والزنازين، وقسم آخر ضاع في المنافي وديار الغربة أو أبتلعته مياه البحار والمحيطات قبل أن تطأ أقدامه أرض الفردوس في أمريكا وباقي دول الغرب!. نعود بالقول أن أزدياد نسبة العنوسة ليس بسبب ذلك فحسب بل هناك شبه أضراب عن الزواج من قبل الرجال، بسبب صعوبة الحياة والمعيشة وضيق ذات اليد وقلة فرص العمل وأنعدامها للشباب والخريجين تحديدا منهم، وأن توفرت بشق الأنفس والواسطات والرشاوي!، فراتبها لا يغني ولا يسمن من جوع كما يقال، فكيف يتزوج ويبني بيت وأسرة وما الى ذلك!؟. أن كل ذلك جرى ويجري بسبب ما أصاب الجسد السياسي للحكومات التي قادت العراق طيلة العقود الأربعة التي مضت ولحد الآن من أمراض السلطة والذي أدى الى الفشل السياسي على كافة الأصعدة الخارجية والداخلية منها مما جعلها تخوض بمستنقع مشاكل لا حصر لها ولا أول لها ولا آخر، حتى ترسخ اليأس في عقول غالبية العراقيين بأنه لا مخرج من ذلك المستنقع، ولا أحد يعرف كيف ستنتهي الأمور بالعراق؟!.وبالوقت الذي ينظر العالم للمرأة بأنها كيان مهم وبأنها نصف المجتمع أن لم تكن المجتمع كله بل الحياة كلها! فأن المرأة في العراق وفي ظل ظروف العقود الأربعة التي مرت لم تكن كذلك كحال بقية النساء بالعالم، فقد ظلت تعيش حياتها في بؤس وشقاء وخوف وقلق وصراع مرير مع النفس ومع الحياة ومتطلباتها. ولا بد هنا من الاشارة بأنه ليس هناك ثمة فروق كبيرة بين أبنة الريف وأبنة المدينة والعاصمة في حجم المشاكل ونوعها التي تعاني منها المرأة لربما في المظهر فقط!. فالمشكلة الأجتماعية للمرأة في ظل ظروف العقود الأربعة التي مضت واحدة وهو تفكك الأسرة وغياب الأب والأخ الكبير الذين يمثلون خيمة العائلة وسترها ومعاشها بسبب جبهات الحروب الخارجية والداخلية أضافة الى أسباب أخرى كثيرة ومريرة ومتعددة ذكرناها آنفا. فالكثير من العوائل العراقية وفي ظل هذه الظروف القاسية لعقود الظلام هذه أصبحت بلا معيل، والأحصائيات بهذا الأمر كبيرة ومرعبة ومخيفة ومحزنة، وتنقل الفضائيات في آحايين كثيرة وكذلك مواقع التواصل الأجتماعي الكثير من تلك القصص والصور والمشاهدات والحكايات المؤلمة عن بؤس ذلك الواقع ومرارته. فالسياسة العاهرة ونزق السياسيين وطيشهم وحماقاتهم وصراعاتهم وحبهم للسلطة والتسلط والتي هي آفة العرب المزمنة!، مزقت بنية الأسرة العراقية وكسرت لحمتها وتركتها في مهب الريح وعرضة للأقدار والحظوظ، وكانت غالبية تلك الحظوظ ومع الأسف بمرارة العلقم!. فغدر السياسيين وقذارتهم دمر كيان الأسرة العراقية، وجرف كل الذكريات الجميلة (لبيت العز يابتنا)!، والذي كانت تتغنى به عوائلنا أن كان البيت في أقصى الريف في العراق أو في قلب المدينة والعاصمة. أن رياح الخوف التي هبت على جدران الأسرة العراقية في العقود الأربعة الماضية وهز وأرجف قلب المرأة تحديدا، لا زالت مستمرة وأزدادت الآن أكثر بسبب المتغيرات الكبيرة والكثيرة التي عصفت بالعراق في ظل الأحتلال الأمريكي له. وهذا ما أفقدها الشعور بالأمان أكثر، فلا أب ولا أخ ولا زوج ولا سقف بيت ملك لها يأويها ويحميها من جشع المؤجرين ولا وظيفة حكومية تؤمن لها رزقها وتعطيها ولو شيء من الأمان البسيط لقادم الأيام وما تخبئه لوطن وصل قاب قوسين أو أدنى من الضياع!. ولأن الحياة لم تعد صعبة فحسب بل مخيفة والمستقبل هو كلمة فقط نسمع بها بعد أن صار أقرب للمجهول!. ولأن الزواج (ستر للمرأة) كما قالت جداتنا!، لذا أرتمت الكثير من نسائنا وبناتنا بزيجات وقبلوا النوم بأحضان رجال لا يملكون من الرجولة غير الأسم فقط، بل هم أنصاف وأشباه رجال!، كل ذلك من أجل الشعور بالأمان والأتكاء على سند مهما كان!، وكما يقول أخواننا المصريين (ظل راكل ولا ظل حيطة!). ولأن غالبية هذه الزيجات غير متكافئة في الكثير من الأوجه ، فجاء الطلاق مسرعا كنتاج طبيعي لزواج لا يملك أي ركن من أركان النجاح والأستقرار والديمومة!. فلم يكن الزواج ستر لها كما كانت تظن وتعتقد وتتأمل وتفهم ليقيها ويؤمن لها حياتها وعيشتها، فقد فضحها أمام المجتمع وجعلها عرضة للأنزلاق والسقوط!، لا سيما أن غالبية المطلقات شابات وبعمر الورد!. فصارت المرأة أمام تحدي جديد لم تألفه وتشعر به من قبل تحدي هي أضعف من أن تجابهه وتنتصر فيه لأنه تحدي وصراع بين مغريات الحياة ومتطلباتها من جهة، وبين رغباتها وأرهاصاتها النفسية الشبابية من جهة أخرى!، (ولأن النفس أمارة بالسوء ألا ما رحم ربي)، فأنتصرت بواطن الشر والسوء المختبئة في مكامن النفس البشرية!، بسبب قلة الأدراك وغياب الوعي والثقافة وضعف الأرادة ونفاذ الصبر وصعوبة هذه المعركة أصلا مع النفس البشرية. والأخطر في كل ذلك هو أهتزاز الأيمان الى درجة الضعف، بسبب ما رأت وترى من أستمرار أنتصار الباطل على المباديء والقيم والشرف! ومن كثرة ما لحقها من ضيم وهي تستنجد وتدعي رافعة يدها الى السماء ليل نهار ولا من مجيب!. فسقطت الكثير من النساء في بئر الحرام والرذيلة لأن قدراتها أضعف من أن تواجه مجتمع تمزق نسيجه وكثر أشراره وشروره وكثر فساقه وفجاره، فماذا تعمل وهي بلا ستر ولا ساتر ولا معيل وفي صراع مع هذه الحياة وفي وطن أشعر غالبيتنا بأننا غرباء فيه لكثرة الخوف الذي عشناه ونحن داخل أسواره. فدخلت هذه الشريحة من نسائنا وبناتنا حلبة الصراع مجبرين بسبب قسوة الظروف المحيطة بهم رغم ضراوة المعركة، متمسكين بلجام الشرف خوفا من يفلت، ولكنه ومع الأسف فلت أخيرا، وكما كان متوقعا حيث لم تصمد طويلا فخسرت الكثير منهن معركة الحياة والشرف لأنها أصلا لم تكن معركة عادلة!. وأخيرا أقول: لا أرى في واقع المرأة العراقية اليوم، غير صورة محدثة من أمسها وتاريخها البعيد الذي عاشته على أرض هذا الوطن المخيف المليء بالحزن والألم واليأس والفشل والذي عبرت عنه تلك المرأة العجوز وهي تدور رحى مطحنة الشعير الصخرية الصغيرة وتردد ( ما تنسمع رحاي بس أيدي أدير، تطحن بكايا الروح مو تطحن شعير!).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here