أسرار ونوايا تأخير صرف رواتب المتقاعدين

أسرار ونوايا تأخير صرف رواتب المتقاعدين
باسل عباس خضير
في العراق لم يعلن عن العدد الدقيق للمتقاعدين المدنيين والعسكريين ولكن يقال انه أربعة ملايين ، وعلى فرض إن معدل عدد إفراد العائلة الواحدة للمتقاعدين هو 5 فان 20 مليون عراقي يعيشون على الرواتب التقاعدية ، وهذا العدد يشكل نصف سكان البلد حسب تقديرات العديد من الجهات المعنية التي تقول إن عدد السكان هو 40 مليون وان لم تستند إلى التعداد العم للسكان لأنه غائب ومجهول ،وحسب سياقات هيئة التقاعد الوطنية فان الرواتب التقاعدية تصرف للمستحقين المدنيين والعسكريين ابتداءا من أول أيام الأشهر الميلادية سواء من المصارف او من مراكز الصرف المنتشرة في عموم العراق ، والحقيقة التي يعرفها الجميع إن اغلب المتقاعدين وعوائلهم يعتمدون على الرواتب التقاعدية لتدبير معيشتهم بغض النظر عن مقدار هذه الرواتب سواء كانت بحدها الأدنى البالغ 500 ألف دينار او بأي رقم كان ، والسبب إن معظم المتقاعدين أما من كبار السن او من المرضى واغلبهم غير قادرين على ممارسة أعمال أخرى ألا في بعض الاستثناءات ، والقصد إن تأخير دفع رواتب المتقاعدين بالمواعيد المتفق عليها سيضع نصف الشعب في حالة عوز وربما يحول الكثير منهم إلى محتاجين ، ولأن الرواتب التقاعدية لم تصرف حتى ساعة كتابة هذه السطور في عموم العراق فان الكثير من العراقيين يعيشون بحالة توتر وانتظار، لان التأخير لم تعلن أسبابة ولم تكشف إسراره ونواياه ، وقد جاء هذا التأخير في ظل تضارب التصريحات بخصوص قدرة الحكومة على دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين بسبب انخفاض أسعار النفط التي وصل سعرها ( اليوم ) لقرابة 30 دولار لبرميل برنت الذي يشابه نفط العراق .
الغريب في الموضوع إن الجهات الحكومية والبرلمانية والعلامة التي غالبا ما تزدحم بمختلف التصريحات سلبا او إيجاب بخصوص حدث معين تخلو ساحاتها من التصريح حول أسباب التأخير وكأنه سر مدفون ، فأكثر ما تم الاطلاع عليه إن الرواتب التقاعدية هي خط احمر وإنها مؤمنة إلى نهاية 2020 وهناك تصريح آخر هو سعي البعض لتبني مقترحات تتعلق بفرض الادخار الإجباري على الرواتب التقاعدية بنسبة 12% ، وهذا الخبر على علاته يواجه العديد من الانتقادات والرفض والشجب والاستنكار لان المتقاعدين لا حول ولا قوة لهم ألا الله ، الغريب أيضا إن هيأة التقاعد الوطنية التي تعد الجهة المسؤولة عن هذه الأمور بموجب قانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014 ( المعدل ) لا تزال تلتزم الصمت ، فلم يظهر رئيس الهيئة المعروف بنشاطه الواسع لكي يدلو بدلوه في وسائل الإعلام ويطمأن نصف الشعب ، كما إن موقع الهيئة على الشبكة الدولية للمعلومات ( الانترنيت ) الذي غالبا ما يعرض انجازات الهيئة أولا بأول لم ينشر شيئا بصدد الموضوع ، وهذا الفراغ الرسمي والإعلامي ترك مجالا للاجتهادات والتأويلات مما جعل المتقاعدون ينتظرون في مراكز الصرف الأهلية بانتظار إشارة التفعيل التي لم تظهر بعد ، وأكثر ما تم الترويج له إن الحكومة ليست لديها المبالغ الكافية لدفع رواتب المتقاعدين او إن هيئة التقاعد بانتظار آخر التصريحات والقرارات بخصوص الاستقطاع من الرواتب التقاعدية ( إن وجدت ) لأنها لا تريد التورط في صرف رواتب مايس وهي ملزمة باستقطاع نسبة من الرواتب لأنها تصرف الرواتب لشهر قادم بعكس وحدات الصرف الأخرى التي تصرف عن الشهر المنصرم ، أما الرأي المتفائل فقد فسر التأخير بأنه لأسباب فنية تتعلق بوجود خلل ببرنامج دفع الاستحقاق لرواتب المتقاعدين وهو ما ينفيه البعض لأنه لم يرد ضمن التصريحات الرسمية باعتباره عذر مشروع .
وكما يعلم من يعنيهم الأمر ، فان الرواتب التقاعدية ليست منة من احد او مكرمة من المسؤولين أيا كان لأنه استحقاق أوجدته الشرائع الوضعية وورد في دستور العراق وتم تنظيمه في قانون التقاعد سابق الذكر ، والرواتب التقاعدية تدفع من صندوق التقاعد ، فقد جاء في المادة المادة 7 من قانون التقاعد ( أولا ـ يتمتع الصندوق بالشخصية المعنوية ويمثله مدير عام الصندوق أو من يخوله ) ، كما جاء في المادة نفسها ( رابعا ـ يتولى الصندوق المهام الآتية : أ ـ احتساب مبالغ التوقيفات التقاعدية وجبايتها . ب ـ صرف الحقوق التقاعدية للموظفين المحالين إلى التقاعد . ج ـ استثمار أموال الصندوق وتنميتها والمحافظة عليها ) ، وقد حددت المادة 9 / أولا من القانون مصادر إيرادات الصندوق ، وألزمت الفقرة رابعاً من المادة نفسها وزارة المالية بتهيئة المستلزمات المالية والعقارية والبشرية لتشكيلات الصندوق ، ويفهم من هذه النصوص إن صندوق تقاعد الموظفين له موازنة محددة الإيرادات ومنها الاستقطاعات الشهرية من الموظف ورب العمل ، ويفترض أن يعزل حساب هؤلاء عن مدفوعات الصندوق وشمولهم بالموازنة المالية للدولة بنحو منفصل عن الموظفين الذين ساهموا أصوليا بالصندوق والذين يفترض استبعادهم عن مدفوعات الموازنة المالية دفعاً للتضخيم ، والمحالون إلى التقاعد بعد نفاذ التعديل الأول لقانون التقاعد يعدون ضمن المتقاعدين الأصوليين ويفترض أن يستلموا استحقاقاتهم التقاعدية طالما ساهموا بالاستقطاعات للمدد اللازمة لحساب رواتبهم التقاعدية ، وفي كل الأحوال فان الرواتب التقاعدية هي مدفوعات تحويلية سبق وان احتسبت سابقاً في الناتج المحلي للاقتصاد وحسب سنوات عمل الموظف سابقا ، وبذلك يعد أي تلكؤ وتأخير في صرف الرواتب التقاعدية مخالفة قانونية وتستوجب المعالجة والتصحيح ، بمعنى إن هيأة التقاعد الوطنية التي تضم صندوق التقاعد باعتباره من تشكيلاتها ملزمة بدفع الاستحقاقات بمواعيدها المتفق عليها بغض النظر عن الظروف التي تمر بها الحكومية وبعيدا عن الأسرار والنوايا ، لان تكلفة تلك الرواتب مدفوعة مسبقا ، اخذين بنظر الاعتبار إننا اليوم في اليوم السادس من الشهر الحالي ( أيار ) ولم تصرف رواتب المتقاعدين التي تهم نصف سكان البلاد .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here