نشيد التّصبُّر

نشيد التّصبُّر
عبد الله ضراب الجزائري

الى النفوس الطاهرة والايدي النظيفة ، التي تعاني من الاجحاف في زمن الحيف والاخلاف
***
أيا نفسُ تاهَ القلبُ بين الرَّغائبِ …وغَّلَّتْ يَدَ الإنفاقِ حبلُ النَّوائِبِ
فلا تحملي الأحزانَ ضيقاً وحسرة ً … ولا تُرسلي الآهات إن شحَّ راتبي
وإن تصبري فالعزُّ صبرٌ وعفَّة ٌ … وإن تضجري فالشُّرْهُ أصلُ المتاعِبِ
وإن تعتِبي فاصغيْ لقصَّة واقعٍ … فهل أبقت الأحداثُ قولا لعاتبِ
ألا قد أدمتُ الضَّربَ ليلا وغُدوة ً … فهل أحمل ُالأوزارَ إن فُلَّ ضاربي
ألا كم سهرت اللَّيلَ للدَّرسِ مُنشئاً …وغُبِّرتْ بالطُّبشورِ فوق المصاطِبِ
ألا هل يفيدُ السَّعيُ والعلمُ والهدى … إذا حاز عِيرُ الجهل عالِ المراتبِ
ألا ليس في الإسلام عُذرٌ لقاعدٍ … ومافيه بعد السَّعيِ عذرٌ لعائبِ
ولستُ سقيم الدِّين أسبح في القذى … على مرفئِ الشُطَّارِ ترسو قواربِي
وإنِّي لعبدُ الله أقفو سبيلَه … وأبني على الأخلاقِ نُبْلَ مآربِي
قنوعٌ إذا شحَّت ْعليَّ مناهلي … جوادٌ اذا سحَّتْ شعابُ المكاسبِ
شربنا على الإقلال كأسا نقيَّة … وفي سنَّةِ الإقلال تركُ الشَّوائبِ
فإنَّ عُبابَ السَّيلِ يزخرُ بالقذى … ويَعتلُّ بالطُّوفان صَفْوُ المشاربِ
إذا ساقني الإملاقُ يوما مقيَّداً … وتاهت بجرداء الحظوظ ركائبِي
ففكِّي قيودي بالقناعة والرِّضا … وجوبي قِفارَ العيش جذلى بأجنُبي
فإنَّا بحسنِ الظنِّ نجبر كسرنا … ونفري بحدِّ الصَّبر شوك المصائبِ
إليكِ فإنَّ الرِّزقَ قدْرٌ وقسمة ٌ … وليست حظوظ الرِّزقِ حِنكة ُ طالبِ
فكم حازتِ الآفاقَ راحٌ كليلة ٌ … وكم كابدَ الإقلالَ أهلُ المواهبِ
تَرَوَّيْ فما في الفقر عيبٌ لعاقلٍ … ولا عُدَّ كنزُ المال بين المناقبِ
وما ترفعُ الأموالُ نفساً خسيسة ً … ولا يحجبُ الإملاقُ نورَ الكواكبِ
ألا ليس عزُّ المرء قَشاً وزينة ً … وما يُسعد المُرتابَ نيلُ الرَّغائبِ
ألا إنَّ رأس العِزِّ علمٌ مُنوِّرٌ … وعقلٌ حباهُ الله فقهَ التَّجاربِ
وقلبٌ يحبُّ البِرَّ طبعاً وكُلفة ً … ومرماهُ في الأيَّامِ تركُ المعائِبِ
***
أيا نفسُ إنَّ الحقَّ اضحى فريسة ً … وأضحت بُغاثُ الخلق ذاتُ مخالبِ
وباتت دروبُ العيش قفرَ توحُّشٍ … تصبُّ على القُصَّاد شوك المعاطبِ
وأضحى دَعِيَّ الأمر وحشا مُكشِّرا … يُضاهي بفعل الشرِّ سمَّ العقاربِ
وهل يعرف الإشفاق والعدلَ في الورى … ذئابٌ أتاها الله رعيَ الأرانبِ
ذئاب ٌ من الأطماع يقطرُ سُؤرُها … أجادت مع الأيَّامِ فنَّ التَّلاعُبِ
أحَلَّتْ بأرض الخير كلَّ رزيَّة ٍ… وسَنَّتْ لهذا الشَّعب شرعَ التَّكالُبِ
فراحت بلادُ العزِّ تخبِطُ في الوغى … وتُملي على التَّاريخ أخزى النَّكائبِ
ونادى مُنادي النَّحسِ قال تحزَّبُوا … فثارت من الأعماقِ كلُّ الرَّواسبِ
فذا فاتكٌ يسطو بسيف جهالة ٍ… وذا ماكرٌ يهوى فنون المشاجبِ
وذا طامعٌ عدَّ النِّفاقَ سياسة ً … وأرخى جناحَ اللُّؤمِ نحو المناصبِ
يلوذ بجند الكفر ذلاًّ وخِسَّة ً … وهل يعصم المخذولَ بيتُ العناكب *
وأموال هذا الشّعب راحت غنيمة ً … أحاطت بها في السِّرِّ قبضة ُ ناهبِ
وأرواح أهل الفضلِ صارت رخيصة ً … يُبادون في الأحراشِ مثل الجنادبِ
ولاقى ضعافُ النَّاس ظلماً وحيرة … وضاعت حظوظُ الحلِّ بين المذاهبِ
فلا ينفعُ الإقدامُ إن كَرَّ باسلٌ …ولا تدفع العدوان فَلتة ُهاربِ
فويلاتُ هذا الوضع شلَّتْ عقولَنا … وشقَّتْ ثقالُ الهمِّ عَظْمَ المناكبِ
ضُرِبْناَ ففي الإضرابِ ضرْبٌ لِمُضْرِبٍ … وفي ضربةِ الضَّرَّابِ ضرْبُ الضَّرائبِ **
وما في دوام الغلِّ خيرٌ لحاقد ٍ… ولا في أنين الجار ِغُنمٌ لغالبِ
ولكنَّ هذا الشَّعب في الكلِّ خاسرٌ … وفي بُؤرةِ الخسران شرُّ العواقبِ
أيا نفس قد آمنت كوني رضيَّة ً… سيُقتصُّ للمظلوم يوم التَّحاسُبِ
هوامش :
اشارة الى قوله تعالى :” مثل الذين اتخذوا من دون الله اولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وان اوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون
** الاضراب المذكور هو الاضراب اللا محدود في بداية تسعينيات القرن الماضي في الجزئر والذي استغله اعداء الامة استغلالا ناجحا لضرب المَضربين وبه حققوا انتصارات واحتلوا مواقع في السلطة ما كانوا يحلمون بها لولا الفوضى وانفلات الامن

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here