ارادة العراقيين في الميزان .. ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم

ارادة العراقيين في الميزان .. ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم

منذ تأسيس العراق الحديث عشية الحرب العالمية كانت الأحزاب الوطنية اليسارية والليبرالية والقومية تبرر تخلف العراق بسبب الاحتلال البريطاني. جاء الحكم العسكري الجمهوري منذ منتصف عام 1958 حتى الربع الأول من عام 2003 ليسير على نفس المنهج فمرة يعتمد على الغرب الراسمالي ومرات كثيرة يعتمد على الشرق الشيوعي دون ان تطور حقيقي ملموس. ثم جاء دور الاحتلال الأمريكي حيث كان اذنابه الاسلاميين يبشرون العراقيين بأن العراق سيكون مثل ألمانيا أو اليابان أو على الاقل كوريا الجنوبية في حين كشفت لنا الايام أنها مجرد احلام يقظة تلاشت تماما. ها هو العراق والعراقيون ينتظرون منذ أكثر من مائة عام الرفاه والتقدم واللحاق بركب الدول المتحضرة دون طائل. انه يتجه سريعا نحو الهواية والتخلف والردى.
كل المؤشرات الإقتصادية تؤكد بأن المنطقة العربية لا سيما العراق متجه نحو الافلاس المادي من جهة ومزيدا من الصراعات الاجتماعية القومية والطائفية والدينية من جهة اخرى. ان الدول الصناعية الكبرى اليوم كامريكا والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا والمانيا واليابان وغيرها تخطط بحذر وتتوقع ظروفا قاسية بعد جائحة كورونا. لكن الغريب في الامر ورغم كل هذه الظروف التي ستغير وجه العالم نرى السياسيين العراقيين لا يبالون بشيء وليس في نيتهم معالجة أي مسألة رغم ان هناك مؤشرات كثيرة تدلل على صعوبة المشاكل الاقتصادية التي ستشهدها المنطقة. فمن المعروف ان اليابان والمانيا استوعبتا الدرس اثر هزيمتهما في الحرب العالمية الثانية فعملتا على تطوير اقتصادهما الداخلي وتمكنتا بفترة وجيزة من النهوض ثانية وفرض تجربتهما الإقتصادية السلمية على العالم اجمع. هناك ايضا دول أخرى كثيرة منها دول اسلامية تمكنت من بناء نفسها ككوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا واندونيسيا وماليزيا وتركيا. فما هي اسباب تخلف العراق عن ولوج طريق التقدم والازدهار؟
لقد علمتنا التجارب الانسانية أن حل الجانب السياسي وحده لن يخرج العراق من محنته كما ان تطبيق أي من النظريات الإقتصادية العالمية والمحلية لن تزد الامور الا تعقيدا. لان هناك غياب شبه تام من الاهتمام بمشاركة المواطن في بناء بلده. أن سلوك طريق النهضة والتقدم والعدالة الاجتماعية لن يكتب له النجاح دون بناء الموارد البشرية وتغيير سلوكياتها من خلال الاهتمام بالعلم الحديت والتعرف على اصوله. فهناك ضرورة باشراك المواطنين في عملية البناء من خلال إشاعة تقديس العمل وحب الوطن وضرورة رفعته بين الامم. من الضرورة ايضا محاربة الثقافة الاتكالية السائدة لدى الحكام والمحكومين في العراق. فقد أعتمد الجميع على الاقتصاد الريعي المتمثل بالنفط منذ عقود. أن المشاركة الفعالة للموارد البشرية في البناء محورية واساسية فلا يمكن لشعب أن ينهض دون ان يعتمد على نفسه في مسألة الامن الغذائي. كما ان هناك كفاءات وطنية عراقية على اتم الاستعداد لتقديم خطط محلية تنقذ البلاد خلال فترة قياسية. ينبغي على العراقيين أيضا تخطيط مستقبل بلادهم بايديهم دون الاعتماد على الاجانب وذلك بالعمل الحثيث على تطوير الصناعة الزراعية والتحويلية لسد حاجة المواطنين.
الوقت كالسيف أن لم تقطعه قطعك كما يقول المثل العربي. لذلك ففرص العراق لتغيير المسار ممكنة لكنها بحاجة إلى أن يكون المواطن العراقي مسؤول وفق مبدأ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. إذ يجب على المواطنين أنفسهم أن يغيروا عادات وتقاليد متوارثة تعتمد على التواكل والتكاسل وعدم الجدية في العمل والاعتماد على الغير اضافة إلى تقبله ممارسة الرشوة والمحسوبية والمنسوبية. في حين كان ينبغي على المواطن أن ياكل من كد يده ويعمل باخلاص شديد يرضي ربه وضميره ويعتبر نفسه مسؤلا عن تقدم بلده.
باختصار ان العراق وكثير من الدول العربية اليوم بعد الأزمة الإقتصادية أمام تحدي وجودي قد يخرج هذه الدول من الجغرافيا كما خرجت من التاريخ منذ عقود. هناك اهمية كبيرة في الشروع لبداية الاصلاحات الجذرية اليوم قبل غد. فقد لا تسمح الظروف المستقلبية من اجراؤها غدا او بعد أشهر. ان كل دولة في العالم بما فيها الدول الغنية ستحاول اصلاح بنيانها الداخلي الذي هدمت جائحة كورونا بعض اركانه الأساسية. لن تلتفت بعد اليوم تلك الدول إلى الضعفاء والفقراء فيبدوا أن شعار الغد هو البقاء للاقوى والبقاء للاغنى والبقاء للاصلح. غدا لن تشفع للعراقيين اديولوجياتهم السياسية أو الإقتصادية ايا كانت. فلا بد من حلول وطنية جماعية لانقاذ بلد متجه الى الخراب. فاليساري واليميني والقومي والاسلامي عليه أن يجعل انقاذ الوطن والمواطن أولى اولوياته. فمن حيث المبدأ ينبغي أن تكون الاديولوجيا في خدمة مصالح الشعب وليس العكس.
الدكتور نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here