موظفوا القطاع الخاص بين رغيف الخبز والكرامة؟!

علاء كرم الله

يعد القطاع الخاص الرئة الثالثة التي يتنفس منها أقتصاد أي بلد، حيث أن نشاط شركات القطاع الخاص ومؤوسساته وكل تفاصيل عمله هي من تحرك عجلة الأقتصاد وتزيدها دورانا وتقدما نحو الأمام ومن الطبيعي سيكون الأزدهار والنمو والتقدم نتاج طبيعي لذلك الدوران. من المؤسف أن هذا المفهوم الأقتصادي للقطاع الخاص لا وجود له في العراق بسبب ركود الوضع الأقتصادي بشكل عام الى حد التوقف أن لم نقل أنه أقتصاد ميت!. وذلك بسبب فشل سياسة الحكومات التي قادت البلاد في ظل الأحتلال الأمريكي للعراق منذ 2003 ولحد الآن. حيث لم يبق من القطاع الخاص سوى الأسم فقط والمتمثل ببعض أعمال لشركات هنا وهناك والتي لا تغني ولا تسمن الأقتصاد ولا تضيف له شيئا ولا تحرك عجلته المتوقفة منذ قرابة 17سنة. حيث أنحصرت أعمال هذه الشركات بنشاطات ومشاريع أستهلاكية، مثل أنشاء المولات والمطاعم، واستيراد الرديء من البضائع!. وعلى الرغم من وجود أكثر من 70 مصرف أهلي ومثلها وأكثر من شركات التحويل المالي، ألا أنها لم تكن سندا قويا للأقتصاد بقدر ما صارت عبئا عليه!،حيث أنحصرت أنشطتها المصرفية والأقتصادية بالتعامل مع البنك المركزي العراقي وتحديدا في مزاد العملة السيء الذكر!. وعلى الرغم من ضيق مساحة عمل القطاع الخاص ومحدودية نشاطه فقد أصيب جهازه الوظيفي بالترهل!. فبعد أن أتخمت دوائر الدولة ومؤسساتها ووصلت الى حد القيء من كثرة أعداد الموظفين والذين غالبيتهم بلا أنتاج!، وباتوا يمثلون عنوانا عريضا للبطالة المقنعة!، جاء دور القطاع الخاص ليتحمل هو الآخر ضغط الأفواج والألاف المؤلفة من العاطلين والخريجين والباحثين عن فرص العمل. حيث لم يعد خافيا على أحد بأن الحصول على فرصة عمل سواء في القطاع الحكومي والأهلي الخاص صار أمرا صعبا وشاقا وأقرب منه الى الحلم!. أن أصعب أختبار لقيم الأنسان ومبادئه وأخلاقه هو في زمن الجوع والخوف والحاجة والفوضى كما في الزمن العراقي الآن!، والذي يعد من أصعب وأغرب الأزمنة التي مرت على العراق منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921. فكما الكرامة تمثل أحد أركان القيم والمباديء النبيلة ويافطته العريضة والتي يتباها بها الأنسان وتضرب بها الأمثال والقصص، ألا أن رغيف الخبز وحاجة الأنسان له أكبر من الكرامة بكثير!. وأذا كان المفكر والمعلم الكبير الأمام علي (ع) قال ( لولا رغيف الخبز ما عبد الله)، فأن أستاذه ومعلمه الرسول العظيم محمد عليه أفضل

الصلاة والسلام قال ( اللهم بارك لنا في الخبز، ولا تفرق بيننا وبينه فلولا الخبز، ما صمنا ولا صلينا ولا أدينا فرائض ربنا). أن أختبار وأمتحان الكرامة والقيم والمباديء بكل تفاصيلها وتشعباتها والذي يخوضه العراقيين منذ 40 عاما ولحد الآن! بدأ من حرب الخليج الأولى ( الحرب العراقية الأيرانية)، مرورا بحرب الكويت، ثم سنوات الحصار الذي جوع العراقيين فعلا ، وأنتهاء بالأحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 ولحد الآن. لم تكن نتائج ذلك الأختبار الطويل والقاسي مفرحة، حيث سقط الكثير من العراقيين بأمتحان الكرامة والمباديء!، وأنتصرت الخطيئة والحاجة والسوقية والأبتذال والفساد على القيم والمباديء، ووجدوا الفاشلين لفشلهم ألف تبرير وتبرير!، وبالتالي أنتصر رغيف الخبز الذي يمثل بمفهومه البسيط الجوع وسد الرمق على الكرامة التي تحتل يافطتها مساحة كبيرة من لوحة القيم والمباديء!. نعود الى صلب الموضوع، فأذا كانت الوظيفة الحكومية تؤمن للموظف البقاء والأستمرار بوظيفته بسبب القوانين الحكومية التي تحميه، مهما أرتكب من أخطاء!، أو تقاعس عن أداء واجبه، ولم يلتزم بالكثير من قواعد وأنضباط العمل الوظيفي فمع ذلك لا يجرأ أي مسؤول ومدير في الدائرة وحتى الوزير على فصله!، فقط يتم الأكتفاء بعقوبته أداريا وحسب القوانين المرعية المنصوص عليها في قانون أنضباط موظفي الدولة!، ألا اللهم أذا أرتكب عملا وجرما كبيرا كالسرقة والأختلاس أو ما شابه ذلك. المحزن أن صورة مشهد الموظف في القطاع الحكومي هذه غير موجودة بالقطاع الخاص تماما، حيث لا أمان للعاملين في القطاع الخاص!، وقد يتم الأستغناء عن الموظف وأنهاء خدماته لأبسط الأسباب واتفهها، وأحيانا يتفاجأ الموظف بالأستغناء عن خدماته بدون سابق أنذار وبدون أية مقدمات!، ويخضع ذلك كله، لمزاجية رئيس الشركة أو مديرها المفوض!، فأما أن تنهى خدمات الموظف مباشرة أو يطلب منه تقديم أستقالته، أو يتم منحه أجازة بدون راتب لمدة 6 أشهر أو أكثر!، ولا يتردد أصحاب الشركات في الأقدام على ذلك الأجراء لحظة واحدة لعدم خوفهم من أية مسائلة قانونية من أية جهة في الدولة!. ومن الأنصاف أن نقول بأنه، (ليست كل شركات القطاع الخاص ومؤسساته تعامل موظفيها وتقدم على مثل هذه الأجراءات ولكن أغلبها ومع الأسف، وكم من مرة سمعنا وشاهدنا وعبر الفضائيات شكاوى للكثير من العاملين في شركات القطاع الخاص تعرضوا لمثل هذه الأجراءات بالفصل من العمل، أو بالأستغناء عن خدماتهم!). حيث لا توجد قوانين تحمي موظفي القطاع الخاص كما هو في القطاع الحكومي!، وأن وجدت مثل تلك القوانين والضوابط في القطاع الخاص ، فأنها فعلا تبقى حبرا فقط وحبيسة الأوراق المكتوبة عليها! فمن الصعب تطبيق تلك القوانين والأخذ بها، ومن يسمع صوت المظلوم والفقير في زمن الفساد

والنفاق!. لذا أصبح موظفوا القطاع الخاص تحت رحمة وسوط ونزوة ومزاجية أصحاب شركات القطاع الخاص على أختلاف أشكالها وأنواعها وأعمالها، شائوا أم أبوا ذلك!. فتصور حجم المعاناة لموظفي القطاع الخاص وهم يعيشون هاجس الخوف هذا، في زمن الجوع والفقر والحاجة. فأي صراع قاس هذا الذي يعيشه غالبية موظفي القطاع الخاص ما بين تمسكهم بالحفاظ على لقمة العيش ورغيف الخبز المغمس بالخوف والتحمل والضغط وحتى التجريح في بعض الأحيان!، وما بين تمسكهم بالحفاظ على كرامتهم وأنسانيتهم ولو بأضيق الحدود، والى متى سيستمر هذا الصراع؟. أخيرا: أرى أن غصة وحسرة كبيرة ظلت باقية في عقل وقلب شهيد المحراب المفكر والمعلم الأمام علي (ع) لأنه لم يستطع القضاء على الفقر ولا على الجوع والمتمثل برغيف الخبز عندما تمنى أن يكون الفقر على هيئة رجل ليقتله ويخلص البشرية منه الى الأبد! فهو القائل (لو كان الفقر رجلا لقتلته). وسيبقى الصراع بين الكرامة ورغيف الخبز مستمرا وأزليا الى يوم تقوم الساعة وخاصة في بلداننا الأسلامية!.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here