الحكومة العراقية الجديدة …ماذا يلوح في الافق؟

الحكومة العراقية الجديدة …ماذا يلوح في الافق؟

حكمت مهدي جبار

يبدو أن السيد مصطفى الكاظمي وبعد ان نال الثقة او شبه الثقة من مجلس النواب يأتي المسؤولية أشبه بمن قبل نزالا في حلبة يعلم انه نزال شاق بينه وبين قوى سياسية وظروف واحوال ليس غريب عنها..ولنقل انه يأتي المهمة بشيء من الحماس من خلال تحركاته وسعيه الى لململة اغلب القضايا والملفات العالقة او غير العالقة..

الفريق الوزاري الجديد الذي قدمته الكتل والقوى السياسية على مايبدو يتكون من اختصاصات علمية وفنية وادارية وعسكرية يحملها اشخاص منهم من هو معروف في سيرته الذاتية ومنهم من له شأن في مجال عمله.هذا الفريق سوف يقوده مصطفى الكاظمي القادم من تخصص علمي امني مخابراتي وعمل في الصحافة وكاتبا لموقع المونيتور الأمريكي. وتولى منصب رئيس تحرير مجلة الأسبوعية التي كان يملك امتيازها برهم صالح، وهو حاصل على شهادة البكالوريوس في القانون من كلية التراث الجامعة سنة 2012. وسبق أن عُيِّن مديرًا تنفيذيًا لمؤسسة الذاكرة العراقية،فضلا عن سيرته السياسية.

هكذا أذن يمكن القول ان حكومة الكاظمي حكومة ليست تكنوقراطية انما شبه تكنوقراطية رغم صعوبة الحصول على هذا العنوان في العراق سيما ونحن مجتمع جذوره الاجتماعية دينية اكثرها متزمتة متطرفة فضلا عن فقدان المجتمع لمفاهيم الدولة والحكومة بسبب التمزق الذي اصابه بسبب سطوة الاحزاب والجماعات والعوائل والعشائر والسلالات الدينية لعهود طويلة.ليسود مفهوم السلطة والتزعم القائم على الثأر والانتقام والعنصرية.

ان الهدف الاسمى للأنسان العراقي هو ان يعيش حياة كريمة يسودها الامن وتأمين لقمة العيش وفتح المجال امام التعليم وتوفير الصحة وتهيئة مصادر للرزق عبر خطط وبرامج حكومية يسودها العدل..غير ان بعثرة الامن وهيمنة الاحزاب والعشائر والعوائل والاسر والمحسوبيات وفوضى القانون حالت دون تحقيق كل ذلك بسبب عدم استيعاب مفهوم الدولة المدنية والتي مازالت محط خلاف بين مكونات المجتمع العراقي..عدا ان هناك عقبات اخرى وقفت امام تحقيق ذلك الهدف.

اننا نرى في حكومة الكاظمي شيئا من الاطمئنان فيما يخص اختيار الوزراء رغم اننا لم نعرفهم عن قرب انما اعتمادا على ما عرفناه من تخصصاتهم ودرجاتهم العلمية.وان هناك بصيص أمل في أن يقوم كل وزير باداء واجباته الرئيسية كل حسب اختصاصه بما يوفر سبل العيش الرغيد والرفاه على حد قول الكاظمي..وإلا ماذا يريد الشعب غير ألأمن والخبز والتعليم والاستقرار وتوفير فرص العمل والعيش بحرية بلا ارهاب ولاتسلط.

ولكن الغايات ليس بالتمني. وان تلك الاهداف وفي بلد مثل العراق لايمكن تحقيقها في ظل احوال مازالت عائمة وغائمة واهمها سطوة قوى سياسية وحزبية واجتماعية تقوم اساسا على قوة السلاح والعنف والتي لم تتشكل حكومة حتى الآن تمكنت من تأديبها واستخدام قوة القانون ازاءها. فقد تفشت ثقافة العنف لدى تلك الاحزاب وانتشرت في ارجاء المجتمع حتى تجذرت لتكون أكبر عائق امام كل الحكومات التي تعاقبت ولم تتمكن حتى الآن نزع حتى قطعة سلاح واحدة..والانكى من ذلك هو ان اكثر تلك القوى السياسية المسلحة (الميليشيات) تتحرك وكأنها تملك الشرعية والحصانة لتصدر الاوامر وتحاكم وتعتقل وهي تحتمي بأقوى العناوين الاجتماعية والسياسية من دين ومذهب وعشيرة ومراكز سياسية..

يبدو ان الكاظمي هو أول رئيس وزراء يهتم بموضوعة نزع السلاح بكل جدية واصرار وتحدي وكأنه قد ادرك ان هذا الامر هو الاخطر والاصعب في الحياة السياسية العراقية وليس غريبا عليه ذلك كونه رجل مخابرات محنك ومتمرس عبر سنوات من الخبرة والمواجهة والتحدي.لذلك نجده تعهد بحصر السلاح بيد الدولة، في الوقت الذي يطرح فيه مراقبون عدة سيناريوهات لكيفية الحكومة التي جاءت بعد مخاض عسير مع الميليشيات.

ونحن نؤيد الكاظمي بذلك كون ان اي منجز او اي مشروع واي بناء واي ابداع لايمكن ان يدوم في ظل هيمنة العنف والقوة والسلاح .واننا لانعتقد ان قبول الكاظمي بتحمل مسؤولية رئاسة الوزراء قد جاء من نفس طائفي او عنصري او عشاري انما جاء من نزعة مدنية مثقفة علمية وهذا هو سر نجاح الحكومة.وهو ما يمكن أن يسمح لرجل مثل الكاظمي رجل المخابرات (القوي) على مايبدو بأن يتحرك سريعًا في ملف السلاح المنتشر بيد الميليشيات اي كان ولاءها واي كان انتماءها..وهو امر عصيب جداجدا..

انه من الواضح جدا ان الوزير سيأخذ المساحة الاكبر في انجاز اعماله عندما يجد الامن والاستقرار ولايتدخل احد في عمله سواء كان حزبيا او من ميليشيا او من عشيرة.عندما يجد ان السلاح قد حصر بيد المؤسسات الرسمية،على حد قول الكاظمي عندما قال (ان السلاح اختصاص الدولة فقط وليس الأفراد أو المجموعات، والقوات الأمنية بمختلف صنوفها ستعمل على حصر السلاح بيد الدولة، وعلينا العمل معًا لنحمي العراق من النزاعات العبثية)

أن امام الكاظمي وهو يقتحم موضوع نزع السلاح من الميليشيات وحصره بيد الدولة وضع شائك،وذلك لآن تلك الميليشيات مرتبطة بدول وقوى اقليمية ودولية فضلا عن ارتباطها بقوى سياسية داخل الجسد السياسي العراق والذين يملكون نفوذا قويا.والذين لايهمهم بناء دولة مدنية اساسها المعرفة والعلمية والفكر والتحرر من التخلف والسوداوية..ثم ان هناك وضع صعب جدا يتعلق بالحشد الشعبي الذي الصقت به دول وقوى سياسية عنوان (ميليشيا) اعتقاد منهم بتواجد فصائل مسلحة، نصفها في الحشد، والنصف الآخر، يمارس أعماله تحت هذا الغطاء، ما يصعب المهمة الأمنية.

سيتمكن الكاظمي من التعامل مع الميليشيات تعاملا فنيا وتخصصيا كونه رجل مخابرتي كفوء وربما لديه معلومات دقيقة جدا عن كل الجماعات المسلحة داخل العراق.ولكن كيف سيتعامل معها سياسيا؟ وكيف يتمكن من المناورة مع احزاب تلك الجماعات وزعماءها والذين ربما لهم ذراع طويلة في السلطة حكومة ودولة. ونعتقد ان الظروف الآن مؤاتية للكاظمي.حيث ان توتر الوضع الصحي بسبب كورونا والازمة الاقتصادية قد يكونان اسبابا في اضعاف تلك الجماعات….نعتقد ان الكاظمي يمتلك الشجاعة في اتخاذ القرار رغم صعوبته في التعامل معها..اما الحشد الشعبي فسوف يدرك الكاظمي دور الحشد في التصدي لداعش ونعتقد انه لن يتنكر لمواقفه في المعارك الضارية التي خاضها دفاعا عن العراق وشعبه..

نعتقد ان هناك ملمح ايجابي يلوح في الافق سيقدم عليه مصطفى الكاظمي وان له مشروعا وطنيا اساسه الدولة المدنية التي يجد فيها الانسان حقيقته الانسانية..وانه سوف يعتمد الحوار في حل كل المشكلات ومنها قضية الميليشيات وحمل السلاح غير القانوني واللاشرعي..

ان الكاظمي عليه ان يدرك صعوبة الدخول في حوار مع تلك الفصائل وهذا يمثل حالة معقدة، يصعب التعاطي معها، ويشكل عقبة امام اداء الوزراء لواجباتهم ومسؤولياتهم فضلا عن أن تلك الجماعات تغلغلت في مفاصل الدولة، وامتلكت النفوذ والقرار، وأصبح لها دولة داخل الدولة العراقية، ضمن أطر شبه قانونية كما قلنا في بداية المقال.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here