في الحتمية التاريخية !

في بعض الأحيان يجد المرء نفسه وجه لوجه أمام معضلة ، أو صعوبه كائدا، أو أمام واقعة ، أو حقيقة ، ترسخت في الأذهان على أنه بديهةيجب الستليم بها ، بدون مناقشة ! ولكنه ، في لحظة ، وكذلك، نتيجة تجارب كثيرة مرت به ، يجد بطلان تلك الحقيقة التي ترسخت فيالأذهان واعتبرت بدهية . فهي ، في الحقيقة ، عدت هكذا ، لكون لا يوجد بديل عنها ، ومن يختبر صحتها، أو كذبها . ويزيل الوهم بوجودها، والذي تراكم عليها بفعل الاعتقادات والإيمان الكاذب بها ، بسبب الكسل العقلي، وعدم القدرة على فحصها والتأكد من صحتها ، وأنماتركت إلى الأيمان بصحتها . ولكي ، نزيل الغموض عن هذه القضية أكثر ، لنضرب هذا المثال ، لكي نجعل ما نقوله أوضح ؛ ما الذي ، مثلاً، دعى كوبرنيكوس ، أن يشك بمركزية الأرض ، في حين أنها في فترته تعد من البديهيات ، والحقائق ، التي على المرء أن يسلم بها دونمناقشة ، ما هو الحافز ، أو الداعي ليشك بهذا الحقيقة ، أي مركزية الأرض ، لكي يبحث عن تفسير اخر ؟ لا شك أن الجواب على هذا ،يجب ، أن يقول أن لابد أن كوبرنيكوس قد صادف في حياته ، الكثير من الظواهر التي لا يمكن أن تفسر بمركزية الأرض ، وأنه لم يختار نظريته أعتباطاً ، ما لم يكن يعرف أن مركزية الشمس قد تحل الإشكالات التي صادفته ، لهذا طرح مركزية الشمس كحل . هذا المثال الذيسقناه ، كان القصد منه ، أن نقطع به طريق طويل بخطوات قليلة ، يكفينيا عناء الشرح والتعليل . وهو أننا ، بتنا في حالة شك وعدم رضى ،عن نوع من التفسير للأحداث ، أصبح منذ فترة طويلة يعد كحقيقة وبديهية ، لدى قطاع عريض ، هو الآخر يؤمن بها بسبب عدم قدرته علىفحصه والتأكد من صحته ، أيضاً نتيجة الكسل العقلي ، وترك التسليم به إلى الأيمان ، وإعني به هنا ، التفسير الحتمي ، أو ما يعرفبالقول بالحتمية التاريخية . وأظن الكثير يفهم ما يعني بالتفسير الحتمي . وهو الذي يقول بأن الأحداث في العالم لا تحدث أعتباطاً ، وأنماعن ضرورة قاهرة ، تتولد في رحم مجتمع محدد . وأن الظروف التي تحيط بهذا البلدة هي التي أدت لحدوث ما يحدث ، فأنهيار الحضارةالرومانية أو الفارسية ، ومن بعدهما ، الأمبراطورية الإسلامية ، مثلً ، أعتبر شيء حتمي بحسب هذا المنظور ، أي لابد من وقوعه ، وحصوله، كما يمكن أن يستشفه عن تفسير ابن خلدون ، من انهيار الدولة الإسلامية ، كان ضرورة تاريخية ، وغير ه الكثير من الحوادث ، التي نظرلها من هذه الزاوية . وهذا ، التفسير ، بالطبع ، ليس كما قد يتصور البعض يعود ملكيته ، وحكر ، للماركسية التي تكثر من أستخدامه. ولكنه في يعود لفترة طويلة ، استخدم لتفسير ما وقع من أحداث في الماضي ، برغم من أنه أستخدم في عبارات مرادفة ، مثلاً ، قضى منالله ، ولابد أن يقع ، وقدر مكتوب ، وغيرها من العبارات المماثلة . وشكنا فيه ، أعني ، القول بالحتمية التاريخية ، ينبع من حالات كثيرة ،مثل تلك التي دعت كوبرنيكوس أن يشك في مركزية الأرض . لا نرى في كل الأحداث التي فسرت ، على أنها محتوم والابد منها ،كونهامحتومة والأبد منها ، وأنما هي أحداث عرضية ، ساهمة جملة ظروف في خلقها ويجادها ، وكان يمكن أن لا تكون ، فبعد تجارب عديدة تبين لنا أن دنيا البشر ليس فيها ما هو محتوم وأنما فيها فقط ما تفرضه إرادة الأفراد ، وما يريدون ، فالقول بالحتمية ، يبدو لنا لا يتسق مععالم الإنسان ، وأن الأحداث الطبيعية ، هي وحدها من يصح يطلق عليها هذه التسمية . ولهذا سنطرح ثلاثة أمثلة لمناقشتها ، كانت تعد ،عند الكثيرون ، تعبير عن حتمية . ولنرى هل هم فعلاً محتمين والابد منهم ، وأنهم سوف يحدثون ، رغم عن كل شيء بشكل وآخر ، أن لميحدثوا بالشكل التي وقعوا فيه ! وهذا الأمثلة ، التي سوف نناقشها بشيء من التفصيل هي ، حدوث ، أو ظهور الإسلام ، أو المسيحية ، أووجود كارل ماركس ، وظهور هتلر ، ونحن أخترنا تلك الأمثلة ، المذهب الدينية ، أو الفكرية ، لهميتهم التاريخية ، والتي ، يصعب تصور عدموجودهم . فهم يبدون كشيء لابد منه ، وغيابهم سوف يخلف فجوة كبيرة ، فلا أحد ، يقدر أن يتخيل ، مثلاً ، ماذا يمكن أن يحل محل الإسلاملو لم يوجد ، أو المسيحية ، أو الشيوعية ، أو النازية ، هذه المذاهب هي التي سوف نلقي عليها نظرة من زاوية حتميتهم التاريخية ، أو فيالأحرى هل كانوا ضرورات تاريخية ، كما يعتقد البعض . وبالطبع ، سوف لن نناقش محتوياتهم جدارتهم أو قيمتهم الفكرية هنا ، وأنما فقط، هل فعلاً ضرورين، كما يبدو أن المذهب الحتمي يقول بذلك . لنبدأ بالإسلام ، وعلى القارئ أن لا يتوقع منا مناقشة الإسلام من وجهة نظردينية ، أو نسلم بما يقول المؤمنين عنه ، لأنه ،يتطلب منا في هذا الموقف ، أن نتحرى الأشياء بموضوعية ، وبعيداً عن أي مواقف عاطفية ،ونظر له من حيث يمكن في أن يتطور بتجاه أخر ، ولا نسلم بأن كل ما حدث فيه كان يجب أن يحدث ومحتوم من الأزل . ونظر على أنه حدثواقعة بشرية يمكن في ظروف معين أن تتخذ فيه الحياة مسار آخر ، فتستغني عنه . وقد قلنا ، أننا سوف لن ناقشة معقولية أو صحتها أوالألهيته أو بشريته ، وإنما، سنركز فقط على البعض الحوادث ، والتي نرى فيها لو حدثت بطريقة آخرى أو لم تحدث لتخذ الإسلام مسارآخر ، ولما ظهر بشكل الذي هو عليه الآن . ولعل هذا المواقف ، والأحداث التي كان يمكن أن تغير من مساره ، وجها ، يمكن لنا ، أن نحددها، ونعددها ، في أحداث تاريخية ، كانت جزء من سيرة رسول الإسلام . وهي أحداث الكل يقر بصحتها ، وقوعها ولا لبس فيها ولا يداخل أحدالشك فيها . سوف نعدد عدد من الأحداث المهم في تاريخ الإسلام وحياة الرسول التي تعد وتعتبر مفصلية ، ونركز على بعضها لكثرتها ،ولكونها كلها تثبت أهميتها ، وأنها لو لم تقع لختلف وضع الإسلام ، ولنكرر نحن لا نهدف من ذلك سوى أثبات لا تاريخية وحتمية ما وقع فيتاريخ من أحداث جسام ، والمتمثلة ، في الإسلام أو المسيحية ، وشيوعية ، والنازية ، فالنتفحص تلك الأحداث التي شكلت الوعي البشريةلفترة طويلة ، ومارست تأثير كبير على نفسي الفرد ووعيه وسلوكه . وحسبت في النهاية على أنها محتوم ، وقدر لا فكاك @@@

منه . وقد لخص القضية كلها بيت شعر قديم ، قال زهير ابن سلمئ

رأيت المنايا خبط عشواء من تصبه … تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم .

(١) ولندأ في الإسلام ، ولنرى هل هو محتوم ، وضرورة تاريخية ، بتفحص أبرز الأحداث التي صنعت الإسلام ، والتي لو وقعت بشكل مغايرلخلقت إسلام آخر ، وكذلك ، لنعاين سيرة الرسول التي لو سارت بعكس ما كانت ، لما قيض لنبي أي حقق ما حققه ؛ وتلك الحوادث ذاتالتأثير الحاسم في وجود الإسلام ، هم ، ولادة الرسول في قبيلة قريش المعروفة والتي لها مكانة تاريخية ، تبني أبو طالب ، عم الرسول له ،بعد أن جهر محمد في دعوته ، ولم يتركه بيد قريش لتحاسب على إهانته الألهتها ، زوجاه من خديجة المرأة الغنية ، والتي وفرت عليه التفرغلدعوته ، نجاته من الموت أو القتل ، حين هم في مغادر مكة لمدينة ، أثر تحالفه مع قبيلة الأوس والخزرج ، تحالف مع هذين القبيلتين ، أيحادث الهجرة ، واحتمال مقتل الرسول في معركة أحد ، وحوادث آخرى ثانوية كان يمكن يموت بها الرسول ، مثل محاولة تسميمه من قبلاليهودية ، أو مقتله في معركة تبوك . تلك الحوادث ، كانت لها تأثير كبير في حياة الرسول ، فأي واحد منها لو لم يقع كان يمكن أن يغير منوجه الإسلام كما نعرفه الآن . فهو لو كان من المستضعفين ، مثل عمار ابن ياسر ، ولم يكن من قبيلة قريش القوية ، ما كان يمكن له أنينجح على الأرجح في دعوته ، ولسحقت في مهدها ، فقريش كانت تحتقر الضعفاء ، ولا تصغي لكلامهم ، ما لم يكونو من قبيلة ذي شوكه ،وثانياً ، لو لم يقف منه عمه أبو طالب موقف المجيد المعروف ، لكان من العسير على الرسول أن يحقق النجاح الباهر الذي حققه في بثدعوته في قريش ، وفي مكة ، قلعة قريش وعاصمتها ، وكسبه قاده مهمين لدعوته ، مثل ، علي ، وأبو بكر ، وعمر ، فهو لو لم يكن قريشي ، لماكان يمكن ينال تأييد تلك الشخصيات المهمة ، وغيرها في في مكة نفسها . أما زواج النبي من خديجة ، فهو أيصاً كان حدث مهم في حياةمحمد ، وبتالي ، في تكوين الإسلام ، لأن زواجه من خديجه أعفى النبي ، من البحث عن مورد رزق ، وفرغه للعمل ، ولنشر الدعوة ، أضافإلى ميزات خديجة الآخرى وعلاقاتها .أما هروب النبي ، أو هجرته إلى المدينة ، ونجاته من القتل ، فهي أيضاً كانت ، حادث مهم ، وهناعلينا ، وزاء احتمال موت أو قتل الرسول ، أن نتسأل ، هل كان النبي محمد محصن ضد الموت ، وأنه مقضي عليه أن لا يموت أو يقتل قبلأن يكمل ما بدأ به ؟ بالطبع أن الجواب على هذا السؤال عادة ما يجب عليه بجوابين لا ثلث لهم، فالمتدينين يجزمون بطريقتهم المالوفة بأنه لايمكن يقتل أو يموت قبل أكمال رسالته ، ولكون الله يعلم أنه لن يموت أويقتل ، وهو لا يسمح بهذا . هذا الحواب من قبل المتدين ، من الواضح ،لا ينظر ولا يأخذ سلوك وتصرف النبي في الحسبان ، فنحن عرفنا ، وقزأنا في كتب التاريخ ، بأن النبي كان يحاذر القتل والموت ، ويحذر منه، ويراوغه ، ويختبئ منه ، ويحاول أن يخدعه ويهرب منه ، وهو لو كان يعرف بأنه ليس عرض لموت أو القتل ، لكان من منطقي ، لما فعل ما كانيفعل في مواجهة القتل والموت ، من أختباء ، وهروب ، فهو لم يبلغ ، طول حياته ، بأنه محصن ضد القتل ، وفي أي آيه ، ولم نرى في أيسلوك وتصرفه منه أنه كان يظن محصن ضد القتل . في حين أنه ، عندما هاجر أو هرب لمدينة ، قام في أيهام القريشين بأنه نائم في بيته ،وبعد أن احس أن قريش تلاحقه أختباء في الجبل ، وهو في كلا هذين الحالتين كان يخشى القتل . وفي معركة أحد كان قاب قوسين أو أدىمن الموت والقتل على يد مهاجمين قريش . فالنبي لم يكن في يوم من الأيام يحس أنه فوق المنايا . أضاف لهذا ماذا كان لو تسنح له فرصةالتحالف قبيلتي الأوس والخزرج ؟ أن هذا التحالف أنقذ الإسلام والرسول من الموت البطئ ، فقد وفر له فرصة ليكون جيش ، ليشن فيالتالي هجوم على مكة ذاتها ويخضعها إلى أرادته ، فهو لو بقى في مكة ما كانت ينال مثل تلك الفرصة . هذه القضايا ، التي عددناها ، كانيمكن أن تغير من مسيرة الإسلام ، وتعطيه شكل آخر ، لو لم يقع أياً منهم . وحقيقة ، أن ما نريد أن نخلص له من كل ذلك ، هو التمهيدلهذا الاستنتاج ؛ وهو أن الإسلام لم يكن شيء محتم لابد للبشريته أن تمر به وتعانيه ، على ضوء ما عددناه تواً من أحداث مرت في صالحالنبي ، لنراه مجسداً بشكل التاريخي المعروف ، فهو ، إذا نحن أسلمنا ، بأن الرسول ، محمد كان يمكن أن يموت أو يقتل في أياً من مراحلالإسلام التي مر بها ، فأن الإسلام لن تقوم له قائمة بدون محمد وعبقريته، فهو وجده وخرجه لوجود بجهده ، وكفاحه ، حتى ولو كان مكلفمن قبل قوة عليا ، أو الله ، فالله محمد ، هو في الواقع أراد الرسول ، بأن يوجد شيء جديد يغير وجه العالم الذي كان عليه . أنه ، حسبتوماس كارليل ، في كتاب الأبطال ، البطل أبدع ما كان يريد أن يكون وليس تلبية لحاجة ماسة في المنطقة ، ولا نتيجة ضرورة تاريخية ، كانتتحتم وجود الأشياء على ما هي عليه الآن .

(٢) ولو انتقلنا المسيحية ، التي هي في الجوهر لا تخلف عن الإسلام ، بكونها ، أرادة المسيح ، في أقامت شيء يختلف عما كان موجود فيزمن اليهودية ، أو جعل من اليهودية ذاتها دين شامل ، وتوسيع افقها ، لكون المسيح ذاته يهودي ، وبما أن المسيح ، وشخصيته يلفها الكثيرمن الغموض التاريخي ويختلف الكثير من العلماء بوجودها ، وفي ما ينسب أليها من أعمال وكتابات ، فأن سوف نقصر حديثنا عنها بالقول،أنها لولا هذا الشخصية سوى كانت موجوده أو مختلقت من قبل تلاميذه ، يرجع لها الفضل في وجود المسيحية ، ولولا هذا الحدث ، أعنيوجود المسيح أو من ينوب منابه ، لما سنحت من فرصة إلى المسيحية أن ترى النور ، بالشكل الذي هي عليه ، وأنها لم تحتمها ضروريةتاريخية ، ولم تكن قدراً لابد منه . وأنما هي ، في النهاية ، والأساس ، ترجع ، لبداع شخص معين بطل تاريخي ، تمكن من خلقها ، من سديمومزيجي كبير من الأفكار والتصورات في عصره ، فكرة تعبر عما يريد ، وعما يراه ، وما يجب أن يكون ، ومن ثم ، وبعد جهود ضخمة ،ومعاناة كبيرة ، ظهرت المسيحية ، بشكل التي تم تطوريها للاحقاً . فهي قصة ، صراع كل شخصية عظيمة ، مع عصره ومشاكله والتحدياتالتي تواجها .

(٣) ولو عاينا الشيوعية ، لما وجدنا اختلاف في ظهورها عن ظهور ، الإسلام والمسيحية ، فهي أيضاً ، تنبع من شخصية كارل ماركسوشخصيته ، وفكره العبقري ، والذي صاغها ، بطريقة ، مؤثر ومقنعة ، بحيث جعلها تستحوذ على عقول الناس لفترات طويلة ، وقنعهم ، بأنستكون الحل الوحيد لكل المشاكل التي يعانوها . ولذلك يحق لنا أن نفترض ، لو أن لندن لم توفر الفرصة لماركس ، ليكتب كتابه الضخم رأسالمال ، والذي أحتاج لجهود جبارة من البحث والتنقيب في أرشيف المتحف البريطاني ، لم قيض للشيوعية ، أن تكون على ما ظهرت عليه ، فيمذهب رصين ومقنع ، على الأقل لقرنين من الزمن ، لكون كتاب رأس المال ، لعب دور كبير مثل ، الكتب المقدس ، في التأثير في جموع الناس، فهو قدم حقائق دامغ ، ضدالنظام الرأسمالي ، والعمل المأجور ، وهو الذي جعل من العقيدة الشيوعية ، تصبح علمية ، وليس مجرد خيال ،في بناء جنة أرضية ، كما تخيلها ماركس على الأقل في تلك الفترة وأمن بها . فلو أن ماركس ، منع من دخول لندن كلاجئ ، وبقى مطارد ،من قبل السلطات الأوربية في ذلك الوقت ، لكون ماركس ، كان يمثل شبح الشيوعية ، الذي يقض مضاجع الملوك والحكام في عهده ، أو لنفترض ، أن كارل ماركس تعرض ، لقتل ، أو أغتيال ، أو مات ، قبل أن يكمل كتابه هذا ، لما أصبح لشيوعية شكلها الحالي ولما وجدت لهاتلك السطوة على عقول الآخرين . فكل الشيوعية ، كانت رهن عبقرية ماركس وقوته الفكرية ، ولم تكن وراءها حتمية تاريخية ، تدفعها رغم عنكل الظروف والأحوال ، لظهور والتشكل ، وأنها في النهاية ، إذا مات ماركس أو قتل ، قبل الآون ، ستعمل ، تلك الحتمية ، على أيجاد البديلعنه ، ليكمل المشروع الذي بدأه ، وأنما ، في الأحرى ستلاشئ ، أو تبقى مشروع ناقص لا يمارس التأثير الذي مارسته . فماركس ، يبقى فيالآخر والأول ، هو البطل والشخصية التي جعل من الشيوعية أن توجد وتمارس تأثيرها ، بقوة أرادته ، لتغير العالم ، حسب ما يراه مناسبلخياله وفكره .

(٤) أما فيما يخص النازية ، التي هي الآخرى مارست تأثير كبير على حياة البشر ، وخصوصاً بالقارة الأوربية . فقد شنت حرب ضارية ،وقتلت الملاين من الناس وخلفت دمار رهيب . لقد نظر لها على قدر محتوم لابد البشر من معاناة ويلاتها . ولكن النظر في نشوء هذا الحركة ،كما ، يخبرنا ، المؤرخين لظهورها ، بأنها ، تكونت نتيجة ، أجتماع سبعة من المعتوهين ، ومن يشك في سلامتهم العقلية ، في عام ١٩٢١ بأحدبارات ميونخ ، والتي تمخض عنها نشوء الحزب الاشتراكي الوطني ، والذي ساعدت ظروف محلية كثيرة على صعود شعبيته ، وبروز هتلر ،كقائد له ، ولم يكن سوى خطيب عادي ، ولكنه ، مع ذلك تمكن حزبه من الفوز بالانتخابات . وصور على إنه قدر الألمانيا التي سوف يعيد لهاالاعتبار نتيجة ما لحق بها من ظلم نتيجة الحرب العالمية الأولى ، وكذلك ، لصعود شعبية الحزب الشيوعي ،. أو نتيجة الكساد الذي ضربأوروبا وأمريكا ، والحيل السياسية التي استخدمت في ذلك الوقت هي التي صعدت من شعبية الاشتراكية الوطنية . هذه الظروف الطارئة ،جعلت من النازية تبدو مقدر إلى ألمانيا ، والقارة الأوربية ، والتي قادتها في النهاية لدمار شامل . لذا ليس ثمة حتمية تاريخية ، في ظهورالنازية ، لولا لبعض الظروف العرضية التي جعلتها في النهاية تصعد لقمة السلطة وتفعل ما فعلته .

(٧) تبدو لنا مقولة الحتمية في النهاية لا أساس علمي لها ، وهي عادة ما تستخدم ، حين يعجز العقل ، والتحليل ، في ايجاد أسباب معقولة ،في صعود حركة ما وممارسة تأثيرها بشكل جارف ، حتى أنها تبدو أشبه بشيء ما خارق ، فكل الحركات التي عددناها ، نشأت من جهدشخصي لفرد ما ، كان يمكن أن يقتل أو يمنع ، من ممارسة نشاطه ، وتأسيس حركته ، ومن ثم تبؤ في الفشل ، فنجاحها يرجع إلى ظروفمؤاتية ، ومحض صدفة ، وليس تعبير عن ضرورة محتمة لا رد لها . ففي دنيا البشر لا وجود لمثل تلك الحتمية القاهر التي تتحدى الصعابوتركب الأهوال لتحقق ما تريد ، فلولا قوة وشخصية مؤسسها ، وتدخل ظروف طارئة تساهم في دفع عجلتها بتحقيق أغراضها ، وتعبدالطريق لها ، لما تم لها ما تريد . فالحتمية التاريخية ، من بين ما تعنيه ، أنها تتخطى وتتجاوز كل العقب والصعاب ، وعندها سيان وجدتظروف مناسبة أم لم تجد ، فهي تحقق غرضها في كلا الأحوال . هكذا فهمت الحتمية التاريخية من قبل المدافعين عنها ، فهي في نهايةستحقق غايتها رغم كل شيء !

(٥) وفي النهاية ، علينا ، دفع لكل سوء فهم ، يجب أن نفرق هنا بين الحتمية التاريخية ، والنزعة التاريخية ، أو المعرفة التاريخية ، فالفرقبينهما كبير . ونحن قد أوضحنا مفهوم الحتمية التاريخية ، وما بقى هو أن نبين ما نقصده في النزعة التاريخية . والذي هو اكتشاف الألمانييعود ، فان همبلوت ، وهردر ، والفرنسي أرنست رينان في وضع الأحداث والنصوص في سياقهم التاريخي لكي يلقى ضوء على معناهم ووحقيقتهم ، وخصوص الكتب المقدسة . هذا النزعة كانت إنجاز حقيقي ، في معرفة معنى الحدث والنص ، فأي حدث أو نص لا يمكن أنيفهم تماما بدو وضعه في سياقه التاريخي . وهذه النزعة التاريخية هي التي طالب بها كثير من المفكرين العرب ، خصوصاً عبدالله العروي ،ومحمد اركون ، باستخدامها ، لفهم القرآن ، وتفسير آياته . والحتمية والتي يكثر أستخدامها من قبل الماركسيين ، نجد مرادف لمعناها ،فيما أستخدم من قبل ، ليدل ، على الضرورة ، والشيء الذي لابد منه والمحتوم منذ الأزل ، والمكتوب ، وغيرها من العبارات التي لها نفسمعنى الحتمية . والحتمية بات لا معنى لها في عالم تكشف ، أن لا يخضع في عالم البشر للقوانين صارمة ومحتومة ، وإنما كل ما فيه برهنأشارة البشر . ومع ذلك يبقون يعيشون في التاريخ ، أي أن الأحداث مرتبطة في ظروف تاريخية ، وهذا االأحداث ومعها النصوص لا تفهمإلا حسب النزعة التاريخية ، التي تموضع الحدث والنص في سياقهما التاريخي .

هاني الحطاب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here