مِن مذكرات.. حردان عبد الغفار التكريتي

محمد مندلاوي

بتاريخ 12 04 2020 قدم الدكتور حميد عبد الله في برنامجه “تلك الأيام”، الذي يبث على الـ”يوتيوب” حلقة بعنوان: القصة الكاملة لاغتيال الفريق الركن حردان التكريتي في الكويت. وتلا تلك الحلقة بتاريخ 20 04 2020 بحلقة أخرى كانت بعنوان: رسائل حردان التكريتي إلى البكر: هل تشعر بالضعف يا أبا هيثم؟. للحقيقة أقول: إن الدكتور حميد عبد الله كاتب وصحفي ومقدم برامج مهني وصادق فيما يقول إلى حد كبير في كل برامجه التي قدمها ويقدمها على شاشات الفضائيات العربية، أو التي يقدمها الآن على الـ:يوتيوب”. لكن، له شطحات… حين يذكر الكورد وكوردستان في برامجه، كنت قد كتبت له مقالاً بينت له شطحته، كتبت له مرة أخرى مقالاً أيضاً ذكرت له شطحته. إلا أن هذا ليس موضوعنا الآن.

للعلم، أن حردان التكريتي اغتيل في إمارة الكويت بتاريخ 30 03 1971. إن الطريقة المتبعة في سفارات الدول تخبر دولها عن أي حدث مهم يقع في البلد الذي تتواجد فيه تلك السفارة. فعليه، في يوم 31 03 1971 أي يوم واحد بعد اغتيال حردان أبرقت السفارة الأمريكية إلى وزير الخارجية تقول فيها:

اغتيال حردان التكريتي

من: السفير الأمريكي، الكويت

إلى: وزير الخارجية في واشنطن

التاريخ 31 / 3/ 1971

اغتيل هنا في الكويت، صباح أمس، حردان التكريتي، نائب الرئيس العراقي السابق، على مسافة نصف ميل من سفارتنا. وهكذا شهدت الكويت أول اغتيال سياسي في تاريخها الحديث. – لاحظ كم دقيق السفير في كلامه يقول: أول اغتيال سياسي في تاريخها الحديث. لأنه يعلم جيداً، أن مبارك الصباح بسبب الصراع على السلطة قام عام 1896م بذبح أخويه الأمير محمد الصباح، ومسئول شؤون المالية جراح الصباح وتولى بعد قتلهما زمام الحكم في إمارة الكويت. وعلى ذات النهج… ذبح شيخ خزعل بن جابر بن مرداو شقيقه شيخ مزعل شيخ خرمشهر (محمرة) واستولى على حكم المشيخة-. ويضيف السفير الأمريكي: ويعتقد الكويتيون، حكومة وشعبا، أن الاغتيال خطط في العراق ونفذ في الكويت بواسطة عملاء حكوميين عراقيين. ولابد أن معاني وعواقب هذا ستظهر وتتطور خلال فترة من الزمن، وسيكون لها أبعاد كثيرة. ويستمر: وفق معلوماتنا، – إن كلام الدكتور حميد في الحلقة المذكورة يتطابق تماماً مع كلام الذي قاله السفير الأمريكي في برقيته- أحس حردان التكريتي بآلام في المعدة فتم تحديد ميعاد

صباح أمس مع اختصاصي مشهور في المستشفى الأميري. ذهب مع حردان إلى المستشفى مدحت جمعة، سفير العراق في الكويت، – حقيقة لا أعلم، هل أن السفير هو مدحت إبراهيم جمعة الذي عرف بالقساوة وتعذيب الشيوعيين إبان انقلاب 8 شباط؟- وكانا في سيارة السفارة الرسمية، يقودها السائق الرسمي. عندما وصلت السيارة إلى مدخل المستشفى، تقدم نحوها شخص يرتدي بدلة غربية جميلة، وفتح الباب الخلفي ليخرج حردان. وعندما بدأ حردان يخرج ووضع رجله اليمنى على الأرض وانحنى برأسه، أخرج الرجل مسدسا، وأطلق النار مرتين مباشرة في رأس حردان وعندما وقع حردان أطلق الرجل طلقتين نحو قلبه وطلقة الخامسة نحو معدته… . السفير – سفير العراق- لم يصب… السفير مدحت جمعة، الذي كان يجلس إلى جوار حردان لم يصب بأذى. هرب القاتل ومعه أربعة رجال يبدو أنهم كانوا جزءاً من المؤامرة، ويحمل بعضهم بنادق كلاشنكوف. وأطلق أحدهم النار على رجل الشرطة الذي طاردهم فأصابه في قدمه. وأطلق الآخر النار على مواطن مدني طاردهم فأصابه في رجله. وكان هناك رجل يتحدث في هاتف عام، واعتقد الجناة أنه يستدعي الشرطة، فأطلق أحدهم النار عليه فأصابه في يده ورجله. ويقول السفير الأمريكي: واتجه الجناة نحو سيارة فيات. كانت تقف على مسافة مائة قدم من مدخل المستشفى. وفي طريقهم رموا بعض أسلحتهم. عندما دخلوا كلهم السيارة فشلوا في إدارة محركها لسبب ما فأسرعوا بالخروج منها تاركين بندقية كلاشنكوف داخلها، واتجهوا نحو شاحنة في الطريق واجبروا سائقها على تركها، هربوا بها، ثم تركوها على مسافة أربعة شوارع من المستشفى واختفوا. ويضيف: وأصبح واضحاً أن ما حدث كان خطة دقيقة، وأنها نفذت كما حدد لها. وأن الجناة لا بد أن يكونوا خططوا لهربهم من الكويت. وعلى أي حال بدأت الشرطة الكويتية في التحقيق واعتقلت بعض الناس… .انتهت برقية السفارة الأمريكية. حقيقة لا أدري أين حصلت على هذه البرقية واستنسختها لأنها قديمة، هل من كتاب ما، أو من موقع من مواقع الانترنيت. لقد ذكرتها كي تكون مدخلاً للأهم، إلا وهو جزء مِن مذكرات حردان عبد الغفار الذي وقع بيدي في إيران قبل أربعة عقود، أعتقد حصلت عليه في مكتبة كانت لتنظيم مسلح أنشأه في بداية الثورة الإيرانية في إيران البعثي إياد سعيد ثابت. عزيزي القارئ، قبل أربعة عقود من الآن وتحديداً عام 1980 قام النظام العراقي، نظام حزب البعث المجرم، الذي كان يرأسه الديكتاتور صدام حسين باعتقالنا، وأجبرت في مديرية الأمن العامة أن أوقع على كتاب رسمي كتب فيه التالي: قبض عليه لكونه إيرانيا. قلت في حينه لضابط الأمن الذي حقق معي: أنا لست إيرانيا، أنا أحمل الوثائق العراقية، كالهوية الشخصية، ودفتر الخدمة العسكرية، والجنسية العراقية، وهكذا والدي. قال لي الضابط المحقق: طيب هذا والدك، ماذا تقول عن جدك. قلت له: جدي أيضاً ليس إيرانيا. قال: أبو جدك. قلت له: كلما أقول لك اسم تقفز إلى اسم آخر من عائلتي، هل تريد توصل نسبي إلى آدام. قال: إذاً وقع. فوقعت على الكتاب الرسمي وبعد فترة قضيناه في معتقل في مديرية الأمن العامة جرى إبعادنا إلى إيران بثلاث سيارات مارسيدس 18 راكب غطوا كل نوافذها بالكارتونات وساروا بنا إلى مدينة (خانقين)، لقد بتنا ليلتنا في إحدى معسكرات الجيش العراقي المجرم، ومن ثم أبعدنا في اليوم الثاني عبر أراضي جنوب وشرق كوردستان إلى إيران. كي لا أطيل القصة على القارئ الكريم، عام 1981 وأنا في إيران وقع تحت يدي كتاب، والأصح كُتيب عبارة عن (64) صفحة يحمل العنوان التالي: من مذكرات حردان عبد الغفار التكريتي. وتحت العنوان مدون النص التالي: أملاها وهو مقال من مناصبه في الجزائر، وكانت إحدى أسباب اغتياله في الكويت من قبل المخابرات العراقية. ومكتوب تحت هذا النص: من منشورات منظمة الطلبة المسلمين العراقيين (1).

وجاء في تقديم الكتاب: هذه المذكرات حصلت عليها (( منظمة الطلبة المسلمين العراقيي)) فرع بيروت قبل مدة وقد كانت مكتوبة بالآلة الكاتبة ومطبوعة (بالرونيو) وكانت توزع بشكل سري ومحدود.. فرأت المنظمة في هذه المذكرات بعض الفوائد التاريخية حول إرهاب البعث العراقي وعمالته على لسان أحد أقرب الناس إليه.

من هنا فقد عزمت المنظمة على طبع هذه المذكرات أملاً في استفادة الشعب المسلم في العراق وغير العراق منها. علماً بأن المنظمة لا تؤيد كل ما جاء في هذه المذكرات ولكن إيماناً منا بعدم التغيير في النصوص رأينا طبعها بدون رتوش.

منظمة الطلبة المسلمين العراقيين

يتحدث عبد الله طاهر التكريتي أنه الشخص الذي نشر المذكرات قبل طبعها من قبل المنظمة المذكورة أعلاه. يقول عبد الله في صفحة 5 عن ألاعيب أحمد حسن البكر قبل انقلاب 17 تموز 1968 قائلاً: وكان أحمد حسن البكر يتظاهر إذ ذاك بأنه “بياع” الحليب حيث كان قد اشترى بقرة ((هايشة)) حسب التعبير العراقي الدارج – وأعلن أنه اعتزل السياسة نهائياً بعد قضاء 9 أشهر في رئاسة الوزارة العراقية في حكومة عبد السلام عارف. ويضيف عبد الله طاهر في ذات الصفحة: ولكن ((هايشته)) لم تكن إلا تغطية للاجتماعات السرية التي كانت تتم في بيته، ويتدارس فيها ((الأمور))!. أنا محمد مندلاوي أتذكر، لقد كان شائعاً في بغداد بأن البكر في أيام حكم عبد السلام محمد عارف أعطى البراءة من حزب البعث، وقال في براءته: إنه سيشتري هوايش (أبقار) ويبيع الحليب للناس. حتى نحن العامة في سبعينيات القرن الماضي كنا نتمازح في جلساتنا ونقول لبعضنا باللهجة العامية الخطأ: وهوش البكر، أي: صار صاحب هوايش.

وفي نفس الصفحة يقول عبد الله طاهر: وفي إحدى الاجتماعات التي حضرتها بدوري تقرر تنظيم أكبر عدد ممكن من الشباب العراقي، واللبناني لأنه كان – البكر- قد حصل على “مال” من بيع إحدى ممتلكات، كما تقرر إجراء اتصالات مع كل السياسيين السابقين لأجل تدبير انقلاب عسكري ضد عبد الرحمن الذي قال عنه أبو هيثم – أحمد حسن البكر- أنه “أجبن” رئيس يراه العراق في تاريخه. – يا للعجب، إنسان مسالم وغير دموي في قاموس حزب البعث يعتبر جبان؟؟؟!!!.

لا زلنا في صفحة خمسة، يقول عبد الله: في غضون الأيام الأولى من سنة 1965 أرسل صدام حسين إلى لبنان ليقوم بتنظيم الشباب اللبناني، وليجري اتصالات مع بعض الدول بشأن الانقلاب، كلف بالتنسيق مع عفلق – ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث- الذي كان آنذاك يقيم في فرنسا، ويأتي إلى بيروت بجواز سفر سوري مزور باسم “أنطوان طعمة”. – هنا يظهر أهمية صدام حسين داخل حزب البعث-

ويستمر عبد الله طاهر: ولقد عرفت خلال اتصالاتي بأبو هيثم الكثير من صفاته وعقده النفسية وترجع إلى أيام المرحوم “مولود – ننتقل إلى صفحة ستة- مخلص التكريتي الذي كان يخطط لعشائر تكريت الأربعة الرئيسية لكي تصل إلى مستوى السيطرة على العراق كله، وكان لذلك ينظم شباب تكريت الذين كانوا يتلقون دروسهم في بغداد، ينظمهم في الأحزاب السياسية بمختلف اتجاهاتها السياسية: اثنان في الحزب الشيوعي.. أربعة في حزب البعث.. خمسة في الحزب الوطني الديمقراطي.. الخ ليضمن لنا الوصول إلى الحكم عن أي طريق يحتمل. – كنا نعرف جيداً، أن التكارتة بسبب طبيعتهم القبلية المتخلفة لا يستسيغون الحزب الشيوعي صاحب النظرية العلمانية، إلا أنهم انتموا إليه لغاية في نفس مولود مخلص-.

يقول عبد الله طاهر التكريتي في صفحة ستة: إن هذه المذكرات، تعتبر بحق تحليلاً صادقاً عن جزء متقلب من تاريخ العراق الدامي. ويضيف عبد الله طاهر: وأنا وأن كنت اختلف مع المرحوم صاحب المذكرات – حردان- في بعض وجهات نظره، ولكنني لن أغير فيها لأن ضميري الذي ظل مستيقظاً رغم الركام الكبير الذي يتحمله، يحملني على أن لا أخون كلمة واحدة من المذكرات، التي لم أكن أعزم على نشرها بعد أن عرفت السلطات العراقية بها، فأخذت تلاحقني، وذلك حفاظاً على عائلتي التي تتألف من زوجتي، وابنتي “هدى” – ينتقل إلى صفحة سبعة- و” ابتسام” وابني الصغير ((شاكر)) غير أن إقدام

السلطات العراقية باغتيال أخي “محمد طاهر التكريتي” واعتقال رفاقي الملازم حازم محمود، والملازم أول عوني الديوفي، والملازم أول إسماعيل عبد الجبار غزواي، والعقيد هادي خماس، والعقيد عبد العزيز أحمد، هو الذي دفعني إلى نشرها رغم أنني أعرف جيداً أنني أعرض حياتي، وحياة عائلتي لخطر جدي بذلك، كما عرض المرحوم حياته للخطر، وقدمها هدية متواضعة للشعب العراقي الذي لا أظن أنه يكن كثيراً من العداء للمرحوم – حردان-.

يقول عبد الله طاهر التكريتي: وقصة هذه المذكرات تبتدئ من اليوم الذي وصل فيه المرحوم إلى جزائر العاصمة بعد إعفائه من مناصبه، وترحيله إلى هناك بعد رجوعه من جولة استجمامية في إسبانيا.. فقد بدأ المرحوم يكتبها فور وصوله إلى الجزائر، ويسجل رؤوس نقاط المواضيع، وعندما التحقت به بعد إبعادي من العراق، وإعفائي من جميع مناصبي بسبب صداقتي الخاصة معه، أخذ المرحوم يملي علي بعضها، ويكتب هو القسم الآخر… . ويقول عبد الله: أنني في هذه المذكرات وأن كنت أخون صداقتي الشخصية مع كبار قادة البعث، ولكنني حقاً لا أخون ضميري الذي يعرفني أن السكوت على الجريمة، جريمة كبرى لا يغفرها التاريخ. وطبيعي أن هذا القسم هو جزء من ثلث المذكرات التي ستنشر تباعاً، وهب عبارة عن مجموعة أحداث جرى تسجيلها بصورة متفرقة.

1/آب/ 1971

عبد الله طاهر التكريتي

دعونا ننقل لكم بعض النقاط المهمة في مذكرات حردان عبد الغفار التكريتي. يقول حردان في صفحة خمسة عشر: دور شركة نفط العراق البريطانية في انقلاب 30 تموز. لقد سمعت وقرأت تفسيرات كثيرة عن أسباب انقلاب 17/ تموز وانقلاب 30/ تموز 68… . ويقول: ولو أني سئلت الآن عن أسباب انقلاب 17 تموز، وانقلاب 30 تموز لما ترددت في الإشارة إلى واشنطن، كجواب على السؤال الأول، وإلى بريطانيا كجواب على السؤال الثاني. فقد أعلن الرئيس عبد الرحمن عارف، قبل انقلابنا بشهرين عن تعديل في اتفاقيات النفط لصالح فرنسا، وبالذات لصالح شركة إيرب الفرنسية، وقد طلبني أبو هيثم عشية إعلان الحكومة عن هذا التعديل، وشرح لي أهمية هذا الإعلان، وآثاره السيئة على علاقات كل من العراق – بريطانيا والعراق – أمريكا، وذكر أن علينا أن نستغل هذا الوضع الجديد للقيام بعمل ما… . ويضيف حردان: وجرت بعد ذلك اتصالات بيننا وبين صدام الذي كان إذ ذاك في بيروت، – إن كلام حردان يؤكد أن صدام حسين لم يكن رقماً عابراً في حزب البعث؟ وهذا ما قاله الدكتور حميد عبد الله في برنامجه “تلك الأيام” عن حردان بأن صدام كان رقماً مهماً في حزب البعث- ويضيف حردان: وبعد أقل من أسبوع أخبرنا صدام بأن الحكومتين أبدتا استعدادهما للتعاون إلى أقصى حد بشرطين: الأول- أن نقدم لهما تعهداً خطياً بالعمل وفق ما يرسمونه لنا. الثاني: إن نبرهن على قوتنا في الداخل وتقرر أن يقوم حزب البعث بتنظيم مظاهرة ضد عبد الرحمن كدليل على القوة، وفعلاً نظم الحزب تظاهرة ضخمة بالتعاون مع الشيوعيين والدينيين، وكان يمشي أمامها أبو هيثم وأنا وعماش، وبعض “الرفاق”.

وقد أخبرتنا السفارة الأمريكية في بيروت إنها على استعداد للتعاون على أن “نتساهل” بعد نجاح الانقلاب في مسألة النفط مع الشركات الأمريكية، ووافقنا على الشرط. وبعد ثلاثة أيام جاءنا من السفارة الأمريكية من يقول: إن علينا أن نتعاون مع آمر الحرس الجمهوري لعبد الرحمن عارف: عبد الرزاق النايف – هنا ارتكب خطأ ما، أن آمر الحرس الجمهوري كان إبراهيم الداود وهو مشارك في الانقلاب، وعبد الرزاق معاون مدير الاستخبارات العسكرية هو الآخر شارك في الانقلاب المذكور-. ويضيف حردان: علينا أن نمشي وفق الخطة التي سيرسمها لنا، وقد التقينا به – بعبد الرزاق النايف- في سيارته الخاصة ليلة 12/ تموز/ 68، واتفقنا معه على كل شيء. ويستمر حردان: ولم تمر ستة أيام فقط على

الانقلاب حتى اتصلت بنا السفارة البريطانية في بغداد بشكل سري، وذكرت خطورة الاستمرار في السياسة التي أعلنها عبد الرزاق النايف بصفته رئيساً للوزارة في مؤتمره الصحفي الأول والأخير الذي عقده أثناء رئاسته للوزارة، والذي قال فيه: إن حكومته ستتخذ اتجاهاً مستقلاً في قضايا النفط، وإنها ستعيد النظر في كل الاتفاقيات المعقودة بين العراق وبين شركات النفط، وذكرت السفارة إنها مستعدة للتعاون معنا إلى أبعد حد، لإسقاط عبد الرزاق النايف، وأصدقائه، وإعطاء حزب البعث الذي كنا ننتمي إليه سلطات مطلقة للسيطرة على العراق… . وهكذا دبرنا انقلاب 30 تموز الذي أقصى فيه عبد الرزاق النايف، ووزير الدفاع وقائد الأركان، ومجوعة من الوزراء.وبعد نجاح الانقلاب الذي قاده هذه المرة “أبو هيثم” نفسه وخططته شركة نفط العراق البريطانية، ألغينا اتفاقية شركة “إيرب” الفرنسية الموسعة، واكتفينا معها بالاتفاقية المضيقة التي كانت حكومة عبد السلام عارف قد عقدتها للتنقيب عن النفط في شمال سامراء. ويضيف: وكانت حجتنا في ذلك أن تلك الاتفاقية كانت ظالمة… . كما ألغينا فيما بعد صفقة الطائرات التي كانت قد وقعها عبد الرحمن عارف مع حكومة فرنسا، بحجة إن لدينا طائرات حربية بقدر الكفاية.

وتكلم حردان في عدة صفحات عن مؤامراتهم على الملك حسين ملك الأردن، وكذلك على الفلسطينيين. وفيما يتعلق بإسرائيل يقول حردان: فقد اتفقنا مع إسرائيل بعد شهر من الانقلاب 30/ تموز، وبالضبط في 29/ آب/ 68 على عدم شن أي هجوم على جيشنا – الذي كان في الأردن- أو على العراق في مقابل عدم اشتراك الجيش – العراقي- في أية عملية ضد إسرائيل، أو حتى في صد أي هجوم على الأردن، وفي المقابل السماح لليهود العراقيين بالهجرة إلى إسرائيل عن طريق قبرص. هذا الاتفاق الذي تم بيننا وبين إسرائيل عن طريق عفلق و”اللورد سيف” عميد الصهيونية في لندن، في مدينة باريس قد احترمه الجانبان حتى الآن، فلم تشن إسرائيل أي هجوم على جيشنا، ولم يشترك هذا الجيش في أية عملية ضد إسرائيل، كما أعطى الرئيس في بيان رسمي كافة حقوق المواطنة للجالية اليهودية بما في ذلك حق الهجرة إلى خارج العراق، أي إلى إسرائيل.

قضية شط العرب، وبعض الأمور الداخلية: يقول حردان: بعد زيارة رسمية قمت بها إلى إيران، بأقل من شهر، أعلنت الحكومة الإيرانية فجأة إلغاء اتفاقية شط العرب التي عمل بها أكثر من خمسة وعشرين عاما، بحجة إنها اتفاقية ظالمة فرضها الاستعمار على كلا الجانبين، وطالبت بتوقيع معاهدة جديدة معها على أساس تقسيم الأرباح بصورة متساوية. ويضيف: فقد كان المسؤولون الإيرانيون قد نوهوا لي خلال وجودي في إيران، بضرورة التنسيق مع إيران في القضايا الاقتصادية والسياسية. ويقول حردان: ولكن التماهل من جانبنا، حمل الحكومة الإيرانية على إلغاء الاتفاقية بعد ثلاث إنذارات، وقد أثار ذلك أحمد حسن البكر بصورة خاصة، لأنه اعتبر قرار الإلغاء إهانة شخصية له وعندما دعانا إلى الاجتماع به في القصر الجمهوري، كان قد اتخذ مسبقاً قراراً بشأن الموقف شأنه في ذلك شأن كل قراراته التي كان يتخذها أولاً، ثم يدعونا إلى دراسته على ضوء قراره، وليس لاتخاذ القرار المناسب. ويذكر حردان: إن البكر في ذلك الاجتماع كان يتكلم وكأنه يخطب في الجماهير، وبعد أن سرد حردان سلسلة من تهديدات البكر لإيران، يقول: إن البكر في إحدى خطابات النارية ضد إيران قال: “بريء من العروبة والإسلام إذا نسيت هذا الموقف الدنيء” وكان يقصد بذلك موقف الشاه من قضية شط العرب. – ونحن الآن نتساءل: أين صار قسم البكر عندما تنازل صدام حسين عام 1975 لنصف شط العرب وبعض القرى على الحدود المصطنعة لإيران؟؟؟!!! لقد ظهر بحق وحقيقة أن أحمد حسن البكر بريء من العروبة والإسلام. لكن قبل اتفاقية الجزائر كان الإعلام العراقي يشن حملات دعائية مغرضة ضد إيران، وفي المقابل إيران هي الأخرى تشن حملات على نظام حزب البعث من إذاعة أهواز. أتذكر حينها استمعت إلى قصيدة شعبية من تلك الإذاعة لا زال بعض منها عاقة في الذاكرة:

لو عندي ذرة من العقل چان بدلت جنسيتي لو عندي ذرة من العقل چان سجلت تكريتي وين ما أنطي وجهي أسمع ابنغمة تكريت بالعمل لو ردت أنسئل من عانة أصلك لو هيت يا ريت لا شفتچ نجف ولا شفت وجهچ كربلا كلمن تسمى ابهل الاسم ويلي على عمره ابتلا.

وبعد عدة صفحات تحدث فيها حردان عن خوفهم من قيام انقلاب ضدهم، واعتقالهم لمجاميع عسكرية ومدنية وتعذيبهم في قصر النهاية الخ. ويضيف: قمنا بمصادرة أموال كبار الملاك، بما في ذلك أموال جامعة الكوفة التي كانت تقدر بأكثر من 000/350/4 دينار والتي كان مقرر لها أن تقام في مدينة الكوفة شرقي النجف.

ويضيف حردان التكريتي: واعتبر أبو هيثم الظروف مهيأة للقيام بتسفير الإيرانيين – بتهجير الكورد الفيلية، لكن في قواميس العروبيين يسمونهم إيرانيين؟؟!!- من العراق ودعانا لذلك إلى اجتماع في القصر الجمهوري، حيث جرت محادثات بين بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة بشأن ذلك. واقترح صالح مهدي عماش أن يجري تمشيط شامل لكل الحاملين للجنسية الإيرانية، وتسفيرهم إلى إيران.. وقال -عماش- إنها فرصة العمر، ويجب استغلالها للتخلص من الإيرانيين خلال شهر واحد فقط، وبذلك نخلق مشكلة كبرى لإيران، لأن الإيرانيين المقيمين في العراق يتجاوز عددهم النصف مليون نسمة، وهذا العدد الضخم يكفي إذا تحول إلى لاجئين أن يخلق مشكلة كبرى لإيران كما أن العملية ستوفر لنا أموالاً ضخمة لأننا سنمنعهم من نقل أية نقود أو حاجيات إلى إيران.. وهذا يعني الملايين. – أتلاحظ عزيزي القارئ، يريدون الضغط على إيران والضحية هم الكورد. وبعد عقد من هذا التهجير الظالم أراد صدام حسين أن يعلن الحرب على إيران أيضاً الضحية كانت مئات الآلاف من الكورد حين أسقط صدام الجنسية العراقية عنهم وقام بتهجيرهم إلى إيران، واعتقل شبابهم في سجونه الرهيب ومن ثم تصفيتهم الجسدية بدم بارد. هذه هي سياسة دعاة العروبة والإسلام؟؟!!-. لقد تكلم حردان في صفحات كثيرة عن جرائم حزب البعث ورئيسه المجرم أحمد حسن البكر، لكننا نتجاوزها لأن البعث لا يحتاج إلى من يتكلم عن جرائمه الشنيعة وأفعاله التي لن تمحى أبد الدهر.

وفي فيما يتعلق الأمر بكوردستان والحركة التحررية الكوردية قال حردان: في الواقع أن الأكراد استطاعوا بصمودهم البطولي خلال ربع قرن كامل أن يركعوا الحكم إلى درجة بتنا نخشى أن يؤدي استمرار الحرب – الحرب على الكورد وكوردستان- إلى سقوط بغداد بأيدي ملا مصطفى البرزاني.. وقد بلغ معدل ضحايا الجيش العراقي قبل شهور من بيان آذار 325 بين قتيل وجريح أسبوعيا، وبعد أن قمنا بمحاولة أخيرة للقضاء على المقاومة قبل 11 آذار بشهرين فقط، وفشلنا فيها قررنا إجراء مفاوضات مع الملا، لإنهاء القتال لأن ذلك كان سيعطينا فرصة طويلة للبقاء في الحكم. وكان القصد من المفاوضات إعطاء الملا كل التنازلات التي يريدها، في محاولة لاحتوائه، أو القيام بانقلاب عسكري ضده، ولكنه كان أقوى، وأذكى وأكثر تمرساً بأساليب المناورات السياسية والعسكرية، ولذلك فقد اشترط في بند سري من بنود البيان بقاء “25” ألف جندي من الجنود الـ” پێشمەرگە” تحت السلاح، وقد أعطيناه ذلك ولكن قررنا إن نستغل فترة إنهاء الحرب لإدخال عناصر من جماعة “جلال طالباني” وهو عدو تقليدي للملا في جماعة الملا، والقيام باغتياله عند اللزوم، فالحزب لا يمكن أن يطبق بيان 11 آذار بكامل بنوده لأن ذلك يعني إعطاء أضخم حقول البترول العراقية للأكراد، وهو حقل كركوك، وذلك يعني إفلاس الحكومة تقريبا. ويستمر حردان في سرده: من هنا فقد قرر الحزب القيام بإحدى الخطتين: 1- أما إعلان إلغاء اتفاقية آذار ضمن حملة عسكرية ضخمة تقوم بها القوات العراقية، وإنهاء قضية الحكومة اللا مركزية

التي يطالب بها الملا. 2- أو القيام بتوطين عائلات عربية في المناطق الكردية قبل إجراء إحصاء عام فيها، الأمر الذي سيمكن الحزب من إبقاء سيطرته قانونياً في تلك المناطق. ويضيف نائب رئيس الجمهورية الفريق الركن حردان عبد الغفار التكريتي: وللحقيقة فإن حكمنا لم يكن مخلصاً للأكراد في أي يوم ولن يستطيع أن يصبح مخلصاً لهم في المستقبل.. وسيكشف الأكراد ذلك أن لم يكن قد اكتشفوه فعلا.

عزيزي حردان، إن الحكم العراقي منذ أن تأسس الكيان العراقي… عام 1920 على يد بريطانيا وحتى الآن، أكرر وحتى الآن، ونحن في الشهر الخامس من عام 2020 لم يكن مخلصاً مع الكورد ولن سيكون.

عزيزي القارئ الكريم، كان هذا بعض النقاط الهامة التي وردت في القسم الأول من مذكرات الفريق الركن حردان عبد الغفار التكريتي، ليس لدية الأقسام الأخرى.

لاحظ كفر شاعر حزب البعث حين قال: آمنت بالبعث رباً لا شريك له … وبالعروبة ديناً ما له ثان!!!.

11 05 2020

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here