الأوضاع النفسية للاجئين السوريين ونتائجها

لاجىء .. هذه اللاحقة لأسماء من بقي حياً من أبناء الشعب السوري، جعلت منه موطنا للخوف والحزن والقلق، ترافقه أينما اتجه، فهو الهارب من الموت والدمار ليجد أمامه موت من نوع آخر موت أنهك روحه.

وللتعرف على الأوضاع النفسية للاجئين السوريين وما نتج عنها من مشاكل اجتماعية وعائلية وزيادة في حالات العنف المنزلي والطلاق والإدمان ومحاولات الانتحار وسبل العلاج النفسي رصدت (باسنيوز) حالات وتجارب شخصية.

( نوشين ملك)، لاجئة سورية في ألمانيا تتحدث لـ (باسنيوز) عن معاناتها قائلة: «الغباء من أهم الأشياء التي كنت أحتاجها في رحلة اللجوء بين أن تكون مهاجرا وبين أن تكون لاجئ قصة عذاب طويلة».. «الإرغام على الخروج وترك أحلامك وتعب السنوات خلفك في لمح البصر كان فاجعة بالنسبة لي، بالإضافة إلى المجتمع الجديد بكل تفاصيله، الروتين القاتل، قد يراه البعض بلاد الحضارة والرقي أما أنا كنت اراها بلاد القيود. كل شيء كان أسود حتى خضرة هذه البلاد كنت أكرهها».

تناقض في الموقفين الروسي والتركي حول موضوع اللاجئين السوريين في ...

وتضيف «والمصيبة أنك لا تستطيع البوح بخوالج الذات لأن الرد سيكون يكفي أنكم  بأمان .كأن تضع أمام الشاة خبزا قبل ذبحها. وكانت الصورة في قتامة مستمرة. الحزن العزلة المشاكل والضغط الكبير، اي انتقلنا من بلاد الحرب إلى بلاد الموت».

تتابع ملك: «لقد أثر ذلك كثيرا على عائلتي، في فترة كنت فيها لوحدي بحكم وصولي قبل زوجي أنا والأولاد .. أب وأم وأطفال …الكلمات سهلة ولكن الواقع كان علقما …إجراءات اللجوء التي استمرت أكثر من سنة  الدراسة …اللغة …تأمين البيت… الجملة التي كنت أرددها في سري ليتنا متنا بقذيفة ولم نخرج من ديارنا. أما قرار زيارة الطبيب كان صعباً، لكني  زرت طبيبا وساعدني كثيرا. في البداية اعتقدت أنه الملاذ الأخير.. الطبيب  طلب مني تناول بعض الأدوية المنومة، لأنني كنت أحيانا لاأنام ليومين، كنت أنام وأصاب بنوع من الدوخة هذا وبالمقابل كان يفقدني الاهتمام بأمور أولادي، بالإضافة لطلبه مني أخذ وقت بعيدا عن الضغط والراحة والتحدث مع الأهل ولكن لمن أتحدث؟، مراجعة طبيب نفسي مهمة جدا رغم الخوف والتردد من ذلك نتيجة نظرة المحيطين وإلصاق صفة المريض النفسي وما تشكله من حرج».

مقال بواشنطن بوست: أوروبا لا يمكنها تجاهل اللاجئين السوريين

أما (شڤين عبدالله) فتحدثت لـ (باسنيوز) قائلة: «هاجر زوجي وتركني مع طفلين على أمل اللحاق به ولم الشمل».

وتتابع بألم «وصل زوجي للنرويج بعد عذابات ومعاناة كثيرة فقد نجا بأعجوبة من الغرق في البحر، ومن محاولة سرقة وقتل في اليونان. وعند وصوله للنرويج وضعوه في كامب للاجئين من مختلف الجنسيات والأصناف (سرقة، قتل، إدمان، شذوذ جنسي، والكثير الكثير من المعاناة) كل ذلك دون أن يحدد له موعد للمحاكمة ومنحه الإقامة .. وبدأت صحته النفسية والجسدية بالتدهور وقرر العودة لكني طلبت منه الصبر. لكن فاقت الضغوطات طاقته فحاول الإنتحار أكثر من مرة وانتهى الأمر بأنه قدم طلب للعودة وتمت الموافقة وعاد .. وهو الآن يتابع العلاج النفسي لدى طبيب نفسي بعد إقناعه بضرورة ذلك».

الدكتور (آرام حسن)، مدير مركز كوتيم الاستشاري التعليمي لعلاج وتشخيص الوضع النفسي للاجئين الجدد والذي تأسس عام 2017 ويقدم خدماته في أوروبا بالإضافة للإستشارات عبر الانترنت والندوات في العديد من الدول الشرق أوسطية، قال لـ (باسنيوز): «تعود الحالة النفسية التي يعاني منها اللاجئون إلى الأحداث التي مروا بها بسبب الحرب التي هربوا منها، إضافة إلى مخاطر رحلة اللجوء وأهوالها والتي تتمثل بالخوف والحزن والحرمان والإحساس بالذنب».

وأضاف حسن «بحسب الأبحاث التي أجريناها واضطرابات ما بعد الصدمة، فإن 41%من اللاجئين يعانون من مشاكل نفسية واجتماعية كالإكتئاب والخوف، القلق، الإدمان، مشاكل النوم. وأن نسبة 50% تزداد عندهم حالات العنف المنزلي والطلاق».

ويجد بأن المشكلة تكمن في «تردد المرضى في مراجعة طبيب أو مراكز نفسية وذلك لأسباب اجتماعية ونظرة المجتمع لهم وتعرضهم للتنمر والتشهير وذلك لقلة الثقة والجهل بالأمراض النفسية وضرورة العلاج النفسي».

نيويورك تايمز: تغّير الموقف التركي من اللاجئين السوريين كارثة لدول ...

وللتغلب على ذلك، يرى حسن أنه «لا بد من نشر الوعي من خلال دورات توعية وتقديم الإرشادات والنشاطات اليدوية والفنية وجلسات جماعية للمراجعين والتحدث بحرية وأمان عن مشاكلهم، وهذا ما يتم لدينا في المركز والتي بلغت نسبة الاستفادة منها 90% من بين حالات الاكتئاب والقلق ومشاكل النوم والوسواس القهر».

ويوضح حسن، أن «هناك فرق بين عملية الانتحار ومحاولات الانتحار من حيث الدوافع والأسباب وطرق العلاج، فعمليات الانتحار المتكررة تكون نتيجة لاضطرابات شخصية ومشاكل عاطفية، أما محاولات الانتحار تعود لأسباب نفسية مزمنة كالاكتئاب المزمن وحالات الذهان واضطرابات ثنائي القطب. لذا فإن عدم الوقاية وعلاج الأسباب تؤدي إلى عمليات الانتحار».

لهذا بقى لنا أن تقول: مع انتهاء الأزمة السورية وقبل البدء بإعادة إعمار سوريا لابد من إعادة الأمان والراحة لأرواح السوريين أينما وجدوا.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here