الأمير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكُردية – اليَهودية/ج2

ا.د. فرست مرعي

الأسرة البدرخانية

أولاً: محمد أمين عالي بدرخان

محمد أمين علي أو أمين عالي بدرخان أحد أولاد الامير الكردي الشهير (بدرخان باشا) أمير الامارة البوتانية ، ولد في عام 1851م في مدينة استنبول، وعندما شبَّ عن الطوق تلقى العلم في المدارس والمعاهد السلطانية التي أنشئت لاستقبال أبناء الأمراء وكبار رجال الدولة ونال إجازة في القانون من كلية الحقوق – جامعة استنبول، وقد جعلته شخصاً متنوراً وفتحت له أبواباً واسعة من الثقافة. الا أن الحكومة العثمانية كانت قد أخضعته مع أفراد أسرته للإقامة الجبرية في استانبول ومنعتهم من العودة الى كردستان. كان بدرخان بك والد أمين عالي بدرخان قد شرع أبواب مجلسه أمام المغنين والمنشدين والشعراء ورواة القصة والحكايات، وكان يُرسل في طلبهم وجلبهم من كردستان الى استانبول لتعليم أولاده اللغة الكردية والحكايات والقصص والعادات والتقاليد الكردية قديمها وحديثها وكذا الطرائف والأحداث التاريخية، وإذ كان أمين عالي بدرخان فتى نابهاً فقد أستطاع اكتساب معرفة جمة من أولئك الوافدين الذين كان يصغي إلى أحاديثهم فلما دخل معركة الحياة العملية أبلى فيها بلاءً حسناً.

في عام 1908م أسس السياسي الفذ والمفكر المتنوّر الذائع الصيت أمين عالي بدرخان- بالتعاون مع الجنرال شريف باشا(1865-1951م)، و الشيخ عبدالقادر النهري (1851-1925م) نجل الشيخ عبيد الله النهري: ، والجنرال أحمد ذو الكفل في استانبول جمعية باسم (جمعية الترقي والتعاون الكردية) إلا أنها حُظرت على يد أعضاء جمعية الاتحاد والترقي التركية الذين تسلموا مقاليد الحكم في البلاد عام 1909م، وعندئذ لجأ هؤلاء الوطنيون إلى إحداث جمعية أخرى أطلقوا عليها اسم (جمعية نشر المعارف الكردية )، وقد كان إنشاء معهد علمي في حي (جنبري طاش) في استنبول أحد المشاريع التي نهضت بها هذه الجمعية. تأسست في الفترة الأخيرة جمعية شكلها زعماء وأشراف ووجهاء الأكراد والمفكرون والمثقفون تحت اسم: (جمعية التنظيم الاجتماعي الكردي)، ولما أدرك السلطان العثماني محمد رشاد أن البدرخانيين لا يكفون عن نشاطهم هنا وهناك أصدر قراراً لنفيهم مرة أخرى. أما أمين عالي بدرخان فما كان يستتب به المكان في المنفى إلا قليلاً حتى ينُفى إلى منفى جديد، وقد تردد نفيه بين مدن كثيرة نذكر منها على سبيل المثال: عكا ونابلس في فلسطين وسالونيك في اليونان وانقرة وسبارطة وقونية… وغيرها.

عندما أخذ الكماليون زمام الحكم ودخلوا استانبول عام 1922م أصدروا أحكاماً بإعدام المناضلين الأكراد ونفيهم. وكان صدور هذه الأحكام- كما بدا آنذاك – خاصاً بالبدرخانيين الذين اتهمهم الكماليون بمحاولة الانفصال عن الدولة التركية. وفي لائحة الاتهام كان قد ورد اسم أمين عالي بدرخان وأسماء خمسة من

أبنائه: ثريا وجلادت وكاميران، وصفدار، وتوفيق وكذا اسم (حقي) النجل الأكبر لثريا. لذلك اضطر هؤلاء الوطنيون إلى الاختباء سريعاً والمبادرة الى النزوح من استانبول على عجل. استطاع أمين عالي بدرخان يرافقه نجله الأكبر (ثريا) السفر إلى مصر والاستقرار في مدينة القاهرة. أما جلادت وكاميران وتوفيق وصفدار فقد لجأوا الى سورية، ونجوا من بطش الكماليين السفاحين، ثم غادروا إلى ألمانيا.

في عام 1926م توفى أمين عالي بدرخان في مدينة القاهرة وترك وراءه سبعة أبناء هم حسب تسلسل سنوات أعمارهم: ثريا، وحكمت، وجلادت، وكاميران، وتوفيق، وصفدار، وبدرخان، وابنة واحدة تدعى: (مزيتْ).

ثانياً: الامير كاميران بن أمين عالي بن بدرخان باشا

ولد الأمير كاميران بن أمين عالي بن بدرخان بك الكبير في مدينة استانبول في 21/8/1895م، والده (أمين عالي بدرخان) وأمه (سنيحة) شركسية الأصل. وقد عني والده بتربيته مع أخوته تربية وطنية كردية، ونظراً لأن حكومة الباب العالي كانت تفرض الإقامة الجبرية في استانبول على عائلة بدرخان بسبب قيادتها النهضة الثقافية الكوردية الحديثة، وتمنعهم من العودة إلى منطقة بوتان(=جنوب شرق تركيا بالقرب من الحدود السورية والعراقية) موطنهم الأصلي، اضطر والده (أمين عالي) لاستقدام المعلمين الضليعين باللغة الكردية من بوتان إلى داره لتعليم أبنائه – ومنهم كاميران – اللغة والعادات والتقاليد الكردية، حتى يطلع أولاده على التراث الكردي ويتعلموا القيم والتقاليد والموروث الكردي من مصادره، كما كان يستقدم معلمي اللغات ( اليونانية – الفرنسية – الفارسية – الروسية) ليكون أبناؤه على علم بهذه اللغات العالمية وليكونوا قادرين على القيام بأعباء النضال في سبيل رفعة قضية شعبهم.

درس كاميران المرحلة الابتدائية في مدارس استانبول ثم تنقل بين مدارس عديدة في الدولة العثمانية (أنقرة – قونيا – اسبارطة – عكا …) نظراً لتنقل والده في وظيفته – مفتش العدلية – أو بسبب النفي المستمر الذي كان يتعرض له بسبب نشاطه السياسي. وبعد أن أنهى الدراسة الثانوية التحق بكلية الحقوق بجامعة استنبول ولم تشغله الدراسة عن قضية شعبه فانخرط في صفوف الحركة االوطنية الكردية مبكراً، فكان يكتب في مجلتي ( زين- الحياة ، وسربستي- الحرية) الكرديتين كما كان عضواً نشطاً في جمعية ( التشكيلات الاجتماعية الكردستانية ) إلى جانب والده وأخيه جلادت .

وفي عام 1919م رافق شقيقه جلادت بدرخان، وأكرم جميل باشا، وفائق توفيق الضابط البريطاني الرائد في الجيش البريطاني الميجر نوئيلE.M. Noel) ) أو ما عُرف ب لورنس الكردي، انطلاقاً من مدينة حلب السورية في رحلته إلى كردستان الغربية والمركزية للوقوف على مطالب الشعب الكردي، وما إذا كان الكرد قادرين على أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم، وتقديم مطالب الكرد لمؤتمر الصلح في باريس قبيل التوقيع على معاهدة سيفر عام 1920م . الا ان القوة التركية منعته من اتمام مهمته في عموم المنطقة وطالبت من السلطات البريطانية باعادته الى حلب؛ ومع ذلك قدم نوئيل تقريره المتضمن معلومات قيمة عن الحالة السياسيةالكوردية ب 77 صفحة بعنوان (يوميات الميجر نوئيل حول مهمة خاصة في كوردستان من 14 حزيران- 21كانون الاول عام 1919م قدم الى مسئوليه جاء فيه : “ان صعوبات قليلة ستواجه المقترح البريطاني بانشاء الدولة الكوردية ونصحها بان بان الحركة القومية الكوردة قوية جدا، واوصى باتخاذ نفس الاجراءات فيما يخص المناطق الممتدة شمال ولاية الموصل… وان الاستقلال الكردي يمكن تبريره تاريخيا اكثر من ما يطلبه الارمن ، لان اخر اثار ارمينيا قد ازيلت في القرن الرابع عشر، واتهم ممثلي الارمن

بالتضليل ، واشار إلى أن ارمينيا الكبرى أريد تأسيسها (بضم 4 ولايات كردية اليها) فهذا يعني ان 1143000كردي سيحكمون من قبل اقل من 143000 أرمني. كما انه أرفق تقريره بخارطة لكردستان معلقا عليها عبارة أنها أرض كردية لا يمكن للأرمن الادعاء بها”.

وفي هذه الفترة استولى مصطفى كمال أتاتورك على السلطة في تركيا، فأصدر قراراً باعتقال قادة الكرد؛ وكان من الطبيعي أن تكون عائلة بدرخان باشا على رأس القائمة، وعندما وصل الخبر إلى أفراد هذه العائلة، غادر أمين عالي وأبنائه تركيا فتوجه هو وبعض أفراد أسرته ومنهم نجله (ثريا) إلى مصر، بينما توجه كل من كاميران وأخوته ( جلادت – صغدر – توفيق)، وحقي ابن أخيه ثريا إلى ألمانيا لمتابعة تحصيلهم العلمي، واستقر الأمير كاميران في مدينة لايبزغ الألمانية لاستكمال دراسته العليا حيث حصل على شهادة الدكتوراه في الحقوق، وبعد أن أنهى دراسته عاد إلى منطقة الشرق الاوسط واستقر في بيروت، وانضم إلى جمعية (خويبون – الاستقلال) التي تأسست في مدينة بيروت عام 1927م برئاسة أخيه (جلادت عالي بدرخان)، ويذكر الباحث الفرنسي (جوردي غورغاس) في كتابه (الحركة الكردية التركية في المنفى ) بهذا الخصوص في الصفحة 312 ما يلي :” فقد اتهمت جبهة جميل باشا كاميران بدرخان بانفاق أموال مخصصة للجنة الكردية (= جمعية خويبون – الاستقلال) في مصالح شخصية، فقررت اللجنة المركزية في أحد المؤتمرات طرد كاميران فتضامن جلادت مع أخيه وأنهى مسؤولياته وعضويته فيها.

وفيما بعد تحول دار(كاميران بدرخان) إلى مركز لتجمع الكرد في لبنان، وفي بيروت كان يساعد شقيقه (جلادت بدرخان) في إصدار مجلتي (هاوار – النداء، وروناهي- النور) في دمشق في بداية ثلاثينات القرن العشرين، ثم أصدر صحيفتين كرديتين ( روژا نو – اليوم الجديد) الأسبوعية بالكردية والفرنسية، ومجلة ( ستير – النجمة) الشهرية بالكردية فقط .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here