لأهلنا جميعا : كورونا المميت لم يموت

كتب / د. باسل عباس خضير…

لا نعلم من ادخل فكرة البعض منا بان أخطار وباء كورونا قد ولت وانتهت وان بالإمكان العودة للحياة الطبيعية بلا تحفظ او خوف ، فالبيانات التي تصدرها خلية الأزمة في البلاد لم تشير يوما إن الخطر الوبائي قد زال عن العراق ولا عن غيره من البلدان ، وقرارها المتعلق بتخفيف الحظر الكلي وتحويله إلى حظر جزئي غايته مكافأة جهود الملتزمين بالحظر لتسيير أمورهم الحياتية بالتزام الحذر الشديد ، من خلال لبس الكمامات الطبية ومراعاة التباعد الجغرافي وعدم الملامسة في العمل وحين التنقل والتعامل الاجتماعي ، ومنظمة الصحة العالمية التي تتابع الوباء في كل البلدان لا تزال تحذر من موجات وبائية ربما تكون اخطر واكبر مما كان ، فاللقاحات المؤكدة لم تنتج وتعمم بعد والعلاجات لا تزال في طور التجريب و ( أبو تفلة ) اثبت فشله وعدم جدواه حاله حال كل الدجالين في بقاع الأرض ، وكما تعرضه المواقف اليومية عالميا فان مؤشرات الإصابة والشفاء ومواصلة العلاج والموت لم تستقر أبدا وهي في حالة تباين تدهش أعتا العلماء ، وفي بلدنا الذي امتدحته المنظمة العالمية للصحة لأنه أبكر في اتخاذ التحوطات وانتهج أسلوبا يتناسب مع إمكانياته ونظامه الصحي الأقرب إلى الانهيار أصيب بنوع من الانكسار ، فبدلا من الاحتفاء بالسيطرة على الأزمة فقد انقلبت النتائج بخصوص الوباء إلى أسوا مما كان ، إذ اخذ عدد الإصابات يزداد يوما بعد يوم وعوضا عن انحصارها بعدد محدود من المناطق فقد راحت الإصابات تنتشر في بعض المدن والمحافظات مما يشير إلى أن الوباء ينتقل بأريحية من مكان لآخر دون وجود عذرية في تسجيل الإصابات في أي من المحافظات كما كان قبل تخيف الحظر، مما ينذر بتعاظم مصائبنا إننا لا نملك غطاءا سريريا كافيا وتتوفر فيه كل المستلزمات إن استمر وكبر هذا الحال ، كما إن موازنتنا المالية قد خوت تقريبا من الأموال بعد انخفاض أسعار النفط إلى الثلث الذي سببه الوباء وبعد إن غاب عن اقتصادنا المنتج المحلي ولم يتبقى سوى الحنطة والطماطة والخيار وبعض الخضروات ، وإن من يعول على إن العراق واحدا من بين الدول الأقل إصابة بعدد الحالات الموجبة وعدد الوفيات وغيرها من الأمور ويعدها مسوغا للخروج عن التعليمات الوقائية الخاصة بالوباء واهم تمام الوهم ، فمن خلال المتابعة التفصيلية للوضع الوبائي العالمي فقد ثبت بان كورونا كوباء لا يعترف بلغة الأرقام والإحصاء والسبب إنه لايزال في أطوار التحول والتغير يوما بيوم وساعة بساعة ولم تتم السيطرة عليه بحثيا او تطبيقيا لحد اليوم وسنقدم لكم أكثر من برهان ، فهناك بلدين لم يطالهما المرض بعد وهما كوريا الشمالية وتايوان بسبب الإجراءات الصارمة التي استخدمت في قدوم الأفراد إليها مما يثبت إن الوقاية حلا مؤقتا مضمون ، ودول العالم الأخرى وصلها الوباء ومؤشراتها متباينة وغير مترابطة ففي وقت كتابة هذه السطور ( 14 أيار 2020 ) فان عدد الإصابات عالميا هو 4347015 وعدد الذين اكتسبوا الشفاء 1548547 أي بنسبة 36% وعدد المتوفين 297197 أي بنسبة 7% وعدد الذين تحت العلاج 2501271 وبنسبة 57% ، وعند مقارنة النسب العالمية مع النسب في عينة من الدول نجد فيها اختلافات فنسب الشفاء بلغت ( أمريكا 17% ، ألمانيا 84% ، السعودية 39% ، سويسرا 89% ، قطر12% ، استراليا 90% ) ، أما نسبة المصابين تحت العلاج في هذه الدول فقد بلغت ( أمريكا 77% ، ألمانيا 11% ، السعودية 60% ، سويسرا 5% ، قطر 88% ، استراليا 8% ) ، ونسبة الوفيات ( أمريكا 6% ، ألمانيا 5% ، السعودية اقل من 1% ، سويسرا 6% ، قطر اقل من 1% ، استراليا 1% ) .

ويلاحظ من خلال هذه الأرقام والنسب بعدم وجود مؤشرا ثابتا لدى هذه الدول ( التي تعد متقدمة صحيا ) من حيث نسب ( الوفيات ، الشفاء ، المعالجة ) عند المقارنة مع المعدل العالمي او عند المقارنة بين هذه الدول ، والسبب هو تباين المناهج والطرق المستخدمة في التعامل مع الوباء وبشكل يمكن القول فيه إن الدول الأكثر تحريا وفحصا عن الوباء وإتباع الإجراءات الوقائية المتشددة هي التي تحتفظ بنسب وفيات منخفضة ونسبة شفاء عالية ونسب متوسطة او منخفضة بخصوص الحالات تحت العلاج ، والخلاصة من هذا العرض إن الأرقام العراقية الحالية التي تشير لوجود 3032 إصابة منها 65% اكتسبت الشفاء و31% قيد العلاج و4% للوفيات لا تعني شيئا سوى كونها نسب وأرقام ، لان هذه الأرقام تفقد الكثير من المزايا عند مقارنة وضع التحري الوبائي عن فيروس كورونا في بلدنا مع الدول الأخرى ، فقد بلغ معدل عدد الفحوصات المختبرية عندنا 2 في الألف من السكان ، بينما بلغ 2% من السكان في كندا و3% من السكان في اسبانيا ، بما قد يعني إن زيادة عدد الفحوصات في العراق سيظهر عددا آخرا من الإصابات لم يتم التحري عنها بعد بسبب ضعف الإمكانيات بخصوص أدوات وأجهزة الفحص ألمختبري التي يجري تطويرها من خلال الاستيراد والمساعدات ، ونشير بهذا الخصوص إن التقارير الدولية تبشر بقرب ولوج لقاح فعال في الربع الأخير من العام الحالي مع إمكانية الاتفاق على برتوكول موحد عالميا للعلاج ، أي إن ما يفصل البشرية عن الموعد المحتمل لأساليب الوقاية والعلاج الفعلية هي 4 – 6 أشهر وهي مدة محددة يتوجب عدم المجازفة فيها لان البنى التحتية المادية والتخصيصات المالية عندنا غير قادرة على مواجهة انتشار الوباء بشكل كبير (لاسمح الله ) ، مما يتطلب تظافر الجهود لإتباع سياسات وقائية حازمة من خلال وضع إلزام جزائي يتعدى الغرامة بخصوص لبس الكمامات والكفوف واستخدام التعقيم وإتباع أساليب التباعد الجغرافي وعدم الملامسة لتقليل احتمال الإصابة حتى وان اضطر الأمر لإعادة فرض الحظر الشامل او إتباع العزل ألمناطقي الفعلي وليس الصوري الذي لا التزام فيه وتفسد فحواه تعدد الاستثناءات ، وقد لا يتفق البعض مع هذا التوجه بحجة انه يضر بالفقراء ومحدودي ومعدومي الدخل وهذا شأن يتعلق بالحكومة ومن مسؤوليتها إضافة لمسؤوليتنا جميعا لأن التصدي للوباء أدرج في المنهاج الوزاري لحكومة السيد ألكاظمي ، مع الأخذ بنظر الاعتبار إن هناك قطاعات يعد تعطيلها أفضل من تشغيلها لما تسببه من زيادة الإنفاق ، كما إن أسعار النفط من المتوقع أن تتحسن خلال الأشهر القادمة لأسباب تتعلق بآليات الأسواق وبذلك تزداد الموارد لتمويل الفقراء ، ونعتقد بان بلدنا ( وغيره من البلدان ) من الممكن إن يحظى ببرنامج للمساعدات الطبية والصحية عند التصدي العالمي للوباء بعد اكتشاف اللقاح والعلاج ، لا حبا بالعراق والعراقيين وإنما من باب درأ الخطر عن الدول وشعوبها ، فبلدنا لايزال يتمتع ببعض مزايا برامج WHO من خلال تزويده بلقاحات الأطفال وبعض متطلبات التصدي للأمراض المتوطنة لكي لا تنتشر في دول المنطقة والعالم ، ومن واجبنا جميعا التذكير إن كورونا وباء مميت وان القضاء عليه ليس بالسهولة التي يتوقعها البعض فهو ينتقل من الملامسة والهواء من خلال الإنسان وليس من الحشرات والحيوان اجلكم الله ، وهو فيروس لا يموت ولكن بمقدور البشرية أن تقلل او تقضي على فعاليته بالعلم والعقل والتقنيات .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here