حكومة الكاظمي..ومواقف امريكا وايران..

حكمت مهدي جبار

تشير المعطيات الراهنة الى ان هناك فسحة ممكنة تسمح لرئيس الحكومة العراقية الجديدة السيد مصطفى الكاظمي لتنفيذ برنامجه الحكومي والتصدي للقضايا العالقة وبأريحية رغم ما تتسم به من مصاعب وخطورة.

لقد تهيأت عوامل معينة افرزتها تلك المعطيات تمثلت فيما يلي:

· الدعم الدولي المتمثل باكبر دولتين هما الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا ومن ثم دعم الامم المتحدة ودول اخرى.

· التأييد الشعبي والرسمي المحلي والاقليمي رغم تحفظ البعض.

· تحركاته وزياراته للمؤسسات الحكومية ومتابعة اعمالها.

· سعيه لاقترابه من الشعب.

· كسره للمألوف وخروجه عن النمط الرسمي الممل لرؤساء الحكومات السابقة.

· الجرأة والشجاعة في اتخاذ القرارات.

· اعادته للقيادات الشجاعة صاحبة السمعة الطيبة في المعارك والقتال ضد الارهاب.

· مرجعيته الامنية وعمله المخابراتي.

· امتلاكه لكارزمة قيادية افتقدها العراقيون منذ سنين.

انه اذا ما اعتبرنا ان تلك العوامل عوامل نجاح لحكومة الكاظمي وانه بفضلها سوف يعالج الكثير من القضايا العالقة الداخلية منها والخارجية فهل ان الفترة الزمنية المتبقية من عمر حكومته يكفي لانجاز اعماها ومهماتها.سيما وان اي مشروع اليوم وفي ظل هكذا ظروف مرهون بما تراكم من ازمات ومشاكل يقف في مقدمتها شبه التوقف لحركة الحياة والعمل بسبب تفشي وباء كورونا وخطورة بوادر عودة تنظيم داعش الارهابي وبقاء ملفات عديدة تتعلق بالفساد الاداري وما تركته المظاهرات الشعبية العارمة من اثار على المشهد السياسي العراقي برمته والبطالة المتعاظمة وزيادة نسبة الفقر والمشاكل الاجتماعية فضلا عن بقاء وزارات شاغرة حتى هذه اللحظة.

كيف تقييم الخطوات الجريئة التي اقدم عليها الكاظمي؟ وماهي الظروف المتوقعة المؤثرة عليها؟

انه من المبكر ان نقدر خطوات الكاظمي بهذه السرعة.لاننا لاندري مايخفي الزمن من خفايا وخبايا في عالم السياسة المخادع والمنافق. فقد سبق وان شهد تاريخ العراق السياسي رجال تركوا بصمة فيه لكنهم اطيح بهم وابعدوا واقصوا وربما غدروا واغتيلوا تحت عناوين عدة وحجج تحفها اسرارغامضة.فضلا عن وجود الوضع المحيط المؤثر على السياسة العراقية الاقليمي منه والدولي وصراع الارادات والمصالح في تباين مواقفها من هذه الحكومة.كل وفق سياسته وغاياته القائمة على منهجه وفلسفة الحكم فيه..

لايخفى ان امريكا وايران يبقيان هما اللاعبان ألاساسيان اللذان يتقاسمان او يتنافسان الأدوار في التأثير على المشهد السياسي و الأمني العراقي ،حيث كل منهم خاض حرباً مع العراق ، و كلاهما تكبدوا خسائر في الأرواح و الثروات بينما كان العراق هو الضحية.فبين ايران والعراق حدود طويلة وفي استراتيجيتها تعتبر العراق جزء من أمنها القومي ، وهذا ما يفسّرطبيعة دورها في العراق مساعدته في محاربة الإرهاب و داعش .

اما امريكا ، ورغم احتلالها العراق و قواعدها العسكرية وتدخلها و نفوذها فيه ،فهو ( ايّ العراق ) ليس جزءاً من أمنها القومي و الاستراتيجي . جغرافية الامن القومي الامريكي في المنطقة ( الشرق الاوسط ) تتمثل ،ليس في العراق ، وانما في اسرائيل و دول الخليج .فالعراق بالنسبة لأمريكا هو الساحة الخلفية لجغرافية الامن القومي الامريكي في المنطقة ، بعبارة أخرى ،امريكا تنظر للعراق و تتعامل مع العراق على ضوء المصلحة الاسرائيلية وعلى ضوء المصلحة الخليجية باعتبار هذه المصالح هي جزء من مصلحة الامن القومي الامريكي .حتى ان تصريح الرئيس ترامب الأخير ، والذي يصف فيه الاحتلال الامريكي للعراق بالخطأ الكبير والجسيم ، يعّبر بصراحة عن ثانويّة المصلحة الامريكية في العراق .

غير ان رؤساء امريكا السابقين، والرئيس الحالي ، بالتصريح بأنَّ سياستهم في العراق هو لاحتواء ايران و الحد من نفوذها ، ولضمان امن حلفاءها في المنطقة .

بينما ايران تعمل باستراتيجية ثابتة و واضحة و صريحة تجاه العراق و المنطقة استراتيجية ثابتة بمعنى غير قابلة للتغيير بتغيّر رئيس الجمهورية ،على خلاف ماهو سائد و معمول به في امريكا ، استراتيجية واضحة بمعنى لا يكتنفها الغموض وغير قابلة للتأويل ، و استراتيجية صريحة بمعنى خالية من الخداع والتضليل والسّرية في أهدافها .فالايرانييون يصرحون علناً بالدفاع عن نفوذهم في المنطقة وخاصة في العراق وسوريا ولبنان وغيرهم .

التفاوت الكبير بين استراتيجية ايران تجاه العراق وسياسة امريكا تجاه العراق يفرز تداعيات و نتائج غير ثابتة وغير واضحة على العراق .واهم تلك التداعيات ؟

· امريكا فشلت في العراق ولا تعرف كيف تكسب او كيف تربح العراق ، وفي كسب الرهان.فهي كما يبدو سوف تخرج من العراق و مستعدة الآن للخروج منه سياسياً و ليس فقط عسكرياً ، وقد تكون حكومة السيد الكاظمي آخر المحطة في مسارها في العراق .

· لن تدرك امريكا المُعادلة. فهي في دعمها للكاظمي انما تحمله ما لا في وسعهِ في حكم و إدارة العراق فلا يكفي الاعتماد على شخص رئيس الوزراء وانماّ ايضاً على واقع وما مُصاب به العراق من وباء الفساد و فوضوية مساره الديمقراطي ، ومناعة النظام السياسي تجاه البناء والتطور.

· انها تراهن على آمالها و وأحلامها على الاشخاص ولايهمها مصلحة الاوطان ومصيرها لذلك كان دعمها للسيد الكاظمي محاولة لما ترجوه وتأمله، وما لا تستطيع هي من تحقيقه ، الأ وهو تقليص نفوذ ايران و انخراط العراق في صفقة القرن و حّل الحشد الشعبي ؟

هكذا أذن يبدو وبالتأكيد ان كل موقف من اي دولة هو موقف مصالح.فالولايات المتحدة الامريكية رغم ادعاءاتها بدعمها الظاهري للكاظمي فانها تبقى تراقب وتترصد تحركات حكومة الكاظمي فيما يخص امكانيتها في اعادة التوازن مع الطرفين الندين امريكا وايران على الساحة العراقية كما كانت عليه الأوضاع من قبل ولو نسبياً، إذ لا يزال من الصعب تصور أن إيران ستقدم تنازلات ملموسة في مرحلة ما بعد مقتل سليماني. حيث لم تزل العلاقات بين ايران وامريكا متشنجة.

في الاخير فأن الصورة لم تتضح بعد فيما يخص هذا الموضوع بالرغم من أن العلاقات الأمريكية- العراقية لديها رصيد طويل من الخبرة، لكن ما يحدث حالياً يمثل نقطة تحول مفصلية ستلقي بتداعياتها على الأطراف الثلاثة: إيران وامريكا والعراق، فالامر انتهى وتشكلت حكومة الكاظمي الذي يتمتع بخبرة كبيرة لاسيما أن لديه رصيد ما يقرب من 4 سنوات تقريباً كرئيس لجهاز الاستخبارات العراقية وبالتالي يتوقع أنه يمتلك القدرة على التواصل مع الطرفين الأمريكي والإيراني، لكن المعطيات التي سيفرضها هذا التواصل هى ما ستشكل نتائج اختبار أستمرار الحكومة وما إذا كانت ستتمكن من استعادة الدور في إدارة توازنات العلاقات الأمريكية– الإيرانية في العراق أم لا وتأثيراتها على التطورات الاقليمية في سوريا واليمن.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here