ينبغي على العراقيين نفض غبار اشكاليات الماضي

ينبغي على العراقيين نفض غبار اشكاليات الماضي

العالم شرقه وغربه يتقدم رغم صعود النزعة الشعبوية والعنصرية في امريكا واوربا الغربية وبعض دول شرق اسيا. لا تزال قوة القانون في تلك الدول تحد وتحجم تلك النزعة. العنصريون مضطرون للقبول بما يقره الدستور رغم مناقضته لما يريدون ويطمحون في تحقيقه. علينا ان نقر بان المؤسسات الرسمية سواء الإقتصادية أو الاجتماعية أو الصحية أو التضامنية اشاعت السلم الاهلي في سير الحياة الاقتصادية والتجارية والعلمية والتعليمية والصناعية والثقافية. لا يمكن أن ننسى فضاء الحرية الفكرية التي وفرتها هذه الدول لمواطنيها ولعموم العرب والمسلمين المقيمين على اراضيها
هذا هو واقع الحال في هذه الدول رغم الأزمات والكوارث والصعوبات المالية احيانا. هذه الدول تركز على رفاهية وحرية المواطن قدر المستطاع. انها تتقدم وتسير باتجاه البناء وتبعث الامل لدى تلك الشعوب لمزيد من الازدهار رغم مفاجآت السياسة. من المؤكد بأن هناك سياسات استعمارية متاصلة لدى معظم تلك الادارات للاستحواذ على ثروات الشعوب العربية. لكنها من جانب اخر تعتني بشعوبها والمقيمين لديها دون تمييز كبير بينهم بسبب الدين او العرق.
اما نحن في دولنا العربية فنسير من فشل إلى فشل ومن سيء إلى اسوء فلا الجانب العقائدي السياسي قد حسمناه واخترنا طريقا نسير على نهجه ولا التطور العلمي الصناعي الزراعي التعليمي قد تقدمنا فيه واعطيناه حقه. لا نزال نعيش على الهامش وقابلين بذلك الذل والانحطاط. نعاني ايضا من ضياع وتيه لا مثيل له ولا نعلم متى المخرج والفرج. لا نزال نسير بطريق محفوف بالمخاطر المهلكة وبمنئى عن بقية دول العالم السائرة نحو مزيد من الرفاهية والتطور.
لعل العراق اصدق مثال لمجتمع يغرق في اختلاق الأزمات والصراعات وحب الغوص بتفاصيل الماضي المؤلمة والهروب من الحاضر والمستقبل. أنه تعبير دقيق لعجزهم واتكاليتهم التي اختاروها طائعين. لقد ضيع العراقيون منذ عام 1980 أوقات وفرص ثمينة للنهوض والتقدم إذ كان شغلهم الشاغل البحث في صفحات التاريخ على مثالب السنة او الشيعة والعرب والاكراد والتركمان. كان هم وشغل سياسييهم تصنيف مذهب وقومية وفكر هذا المواطن أو ذاك من اجل تهميشه أو استاصاله كناصبي أو رافضي أو عربي أو كردي أو يساري أو يميني. بعد 1400 عاما نعيش في أحلام اليقظة فنصنف المواطنين دون دليل قراني أو نبوي فهذه المجموعة الموالية مثلا هي الناجية من النار وهؤلاء هم جيش الحسين وتلك الطائفة تستحق التطهير الطائفي وهي ظالمة وتمثل جيش يزيد. هناك من ترك مصالح شعبه وانشغل في محاولة كتابة التاريخ حسب هواه ومبتغاه. فقد غيرت مناهج الدراسة منذ الاحتلال عام 2003 لتكون موائمة لسياسات للتهميش والعبودية والاستئصال وزع الحقد والكراهية والتطرف الطائفي ضد المواطن الاخر. بل يعتقد البعض ايضا بأن الخلف ينبغي أن يدفع أخطاء السلف حتى لو كانت الأحداث الماساوية في مسألة قتل الأمام الحسين كانت قبل قرون عديدة. انه منطق مناقض للقران الكريم الذي يقول تلك امة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون او قوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى.
لقد تمكنت اوربا وأمريكا من سلوك طريق النهضة والثورة الصناعية عندما تخلصت من خطورة الحروب الدينية والطائفية ابان العصور الوسطى. في حين يعمل بعض العراقيين الشعوبيين من زرع الظلم بين مواطنين البلد الواحد. فحولوا الوطن إلى ضيعة أو كانتونة يتناحر ويتقاتل اهلها فيما بينهم. علمنا ونعلم كل يوم بان عراق بعد الاحتلال يعود البلاد القهقرى الى الوراء. فممارسات التطهير الطائفي المقيت مستمرة على قدم وساق بل تطورت حتى اضحت تمارس بين المذهب الواحد والقومية الواحدة. لذا فالخسارة تشمل الجميع الشيعة والسنة والعرب والاكراد والمسلمين والمسيحيين والصابية والايزيديين. الرابح الوحيد هي القوى الكبرى المصدرة للسلاح لحصد ارواحنا ونهب اموالنا. لقد وقع العراقيون في فخ الارهاب الذي صنعته القوى الاستعمارية مما استنزف قوى الشعب ومزق وحدته الوطنية. لا بد في نهاية المطاف بعد انتفاضة تشرين من أن يسود السلم الاجتماعي العراق وذلك بالاعتماد على عموم الشعب كل حسب كفائته دون تمييز بين رجل وامراة او شيعي وسني أو عربي وكردي وتركماني أو مسلم ومسيحي. فالجميع سواسية كاسنان المشط أمام قانون وطني يخدم العراق والعراقيون فهل يستطيع الشعب العراقي من انجاب اشخاص مخلصين يحبون وطنهم.
الدكتور نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here