الشباب بين الواقع والأحلام

الشباب بين الواقع والأحلام

لقمان عبد الرحيم الفيلي

استغرقت بالنوم ليلة امس وأنا قلق من الحوار الذي دار بيني وبين اخي الصغير، فعندما يكون شبابنا بهذا النفس السلبي تجاه الحياة ومسيرتها الوعرة، من يا ترى ممكن ان نعول عليه في تغيير واقعنا الحزين المؤسف.

التقيته في الظهيرة بعد ان كان سهراناً مع أصدقاءه في مشاهدة مباراة لكرة القدم بدل ان يستثمر رمضان بالدعاء في ليالي القدر المباركة، حسبنا الله ونعم الوكيل.

على كل حال بدأت الحديث معه عن سبب فقدانه الامل وبحثه عن مثل اعلى وسط الفوضى الموجودة في البلاد، وكيف انه مثالي اكثر من اللازم، وقلت له لماذا لا تكون واقعي فيما ترى وتتحمل المسؤولية في بناء نفسك ووطنك، فإذا لم يكن انت، فكيف ومن سيعمل ذلك؟ فنحن كجيل سابق قمنا بما نستطيع وسط محيط مليئ بالخوف والعسكرة والركض وراء خبز اليوم بعيدا عن الحرية مع قلة الفرص ومحدودية القدرة على اختيار نوعية العمل والتأثير على مجريات امورنا، وكان شعارنا في حينه هذا قضاء الله وقدره، أما انتم الان فلكم حرية الحركة والسفر والعمل والتعبير ولا يحددكم شيء، نعم هناك معوقات ليست بالقليلة ولكن هذه هي الحياة وسننها.

ابتدأ إجابته باعتذار ان كان قد اخطا بحقي في حديثنا ليلة امس، ولكنه قال بانه مصر باننا اخطانا بحقهم ولم نفكر بهم عندما تحملنا ما لم يجب ان نتحمله من ظلم وقهر، خوفنا عليهم كان كالذي يخنق طفلته نتيجة عصرها حبا بها.

قلت له لنترك التاريخ الان ولنركز على اليوم وغداً، فعقارب الساعة لن تعود وآهات الماضي تبقى اهات ليس الا ولا تغني او تسمن من جوع.

قال كيف تريدني ان أترك التاريخ واليوم هو امتداد الامس، كل ما نواجهه الان قائم على أسس اعمالكم يوم امس. تريد منا ان نبني من جديد ونبدأ من الصفر، حسناً، سأقبل بذلك شرط ان تترك لي حرية الحركة وإدارة أموري بيدي، ولا تفرض علي شيء، هل ستقبل بذلك ام أنكم لا تثقون بنا نحن الشباب. ثم سأل كم مسؤول موجود في الحكومة دون الخمسين او الأربعين من العمر؟. وكم قيادي حزبي وصل الى سدة الحكم بيده وكفاءته لا ان يكون قريب فلان او صديق علان؟ وكم غني اصبح غني بسواعده الشريفة، أين العدالة الاجتماعية او التكافل او تطبيقات القيم المجتمعية النبيلة؟

واستمر بالقول لنترك هذه الامر كلها، ونترك الحديث عن اثر السياسة علينا وان كنت متعجب من ذلك، وخصوصا كون السياسة هي في حقيقتها منهج ادارة امورنا، ممكن ان تعلمني ماذا علي ان أقوم به لكي اصل إلى بر الأمان في ضمان معيشتي واستقراري بكرامة وانا محترماً لنفسي؟ ام ان مفردة “العيشة الكريمة” مصطلح فيها مفارقة وتناقض هذه الايام يا اخي الكبير؟

قلت له ابحث عن فرص شريفة، وابتدأ بأحلام صغيرة وواقعية، فلا كل لاعب كرة ممكن ان يكون ميسي ولا كل مهندس حاسوب ممكن ان يكون بل غيتس ببضع سنين، الواقعية والقناعة راحة للبال يا اخي الشاب.

اجاب كلامك مختلف عن ما كنت تقوله للامس القريب، وخصوصا حول التمسك بالماضي قداسته، والظاهر انك وابناء جيلكم أدركتم ان الزمن يمر بأسرع من ما اعتقدتم، وان قطار التطور السريع لا يرغب او يستطيع ان يتوقف على محطاتكم البدائية. واستمر بحديثه بالقول بان البناء الجديد يحتاج الى وجود بنى تحتية مطلوب من الدولة والمجتمع توفيرها، وطلب مني بعض الصبر على شرحه لي، وخصوصاً وأننا لم نتصارح ونتصادق في حديثنا منذ زمن.

قلت له هذا من حقك وحرصي على مستقبلك سيعطيني من الصبر ما لم اكن أملكه، فاقل الواجب علينا الان ان نفتح لكم صدورنا وان نستمع لما تحملون من هموم وافكار عسى ان نستطيع ان نكون عونًا لكم في المرحلة القادمة، فأنتم الامل، نعم عليكم بناء محطات رصينة وجديدة تتحمل توقف قطار التطور عندها، والا فكلنا سنكون جزء من التاريخ فقط وليس جزء من الجغرافيا ايضاً.

أجابني على الفور، إذن اصلي الظهر ونتحدث بعدها بما هو موجود ومطلوب وممكن منكم يا جيل الكبار ومنا جيل الشباب، وان كنت اصر ان عليكم دعم طموحنا وليس كبحها تحت مسمى او ذريعة الواقعية.

قلت على بركة الله، على الأقل بعدها أخذ قيلولتي “نومة الظهر” وانا مرتاح البال.

للحديث تتمة..

بغداد- ٢٠٢٠/٥/١٩

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here