هل سيستغل الكاظمي هذه الفرصة الفريدة لانقاذ العراق؟

من الصحيح أن حيتان الفساد والمفسدين لا تزال لهم الكلمة الفصل اضافة الى استمرارية قوة بأس المليشيات الطائفية وتواجد رموز الاحتلال الأمريكي واعوان ايران. لا تزال تسيطر على المشهد العراقي اثار اطلال الدولة الفاشلة التي تعود القهقرى إلى العصور الحجرية والتي هدمت اركانها أمريكا عام 2003.
بعد اكثر من 17 عاما من الغزو المسلح استجدت ظروف دولية واقليمية فرضت نفسها على الساحة العراقية. فبعد انتفاضة تشرين وجائحة كورونا تغيرت الكثير من موازين القوى في الشأن الداخلي السياسي العراقي. فالطبقة السياسية التي دخلت العراق وراء الدبابات الأمريكية اضحت يتامى أمريكا التي تخلت عنهم ويتامى ايران التي انشغلت بمشاكلها الداخلية المتعاظمة. لقد صادفت هذه المتغيرات وفي هذا الوقت بالذات ترشيح واختيار شخصية من ضمن جوقة الاحتلال اسمها مصطفى الكاظمي لرئاسة الوزراء. لقد جاء في وقت وصلت العملية السياسية إلى منتهاها وقرب انهيارها. مما جعله الحل الوحيد لانقاذ ما يمكن انقاذه قبل فوات الاوان. لكن الاجماع في اختياره بهذه الفترة الزمنية وفي ظل الظروف العصيبة التي يمر بها العراق اكسبته نقاط قوة كثيرة لم تتوفر لغيره. فاليوم يستطيع الكاظمي أن أراد تغيير اللعبة السياسية برمتها بعد انكفاء وافلاس سياسي الاحتلال.
الواقع المنظور يوضح بان سياسة أمريكا التي فرضت النظام السياسي عام 2003 قد تغيرت كثيرا. فالرئيس الأمريكي منذ البداية وقبل أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة كان من اشد المعارضين لغزو العراق. ليس لانه يحب العدالة ويؤمن بالقيم الانسانية ويحترم الديمقراطية. انما يعتقد بان العرب والمسلمين لا يمكن أن تستقيم دولهم دون ان يقودهم الدكتاتوريين الاستئصاليين. كما ان الادارة الأمريكية الجديدة وجدت بأن الادارات السابقة قدمت العراق على طبق من ذهب إلى ايران. لكن غضبها ازداد حدة من ممارسات الطبقة السياسية العراقية ممن سلمتهم السلطة السياسية من الطائفيين الشعوبيين. شعرت أمريكا بأن اذنابها الذين تسلموا الحكم بفضلها تنكروا لها بعد أن اضحى خيارهم الطائفي اقوى من كل شئ. اصبح خيار خدمة ايران اهم بكثير من خدمة العراق والمحافظة على استقلاله وعلى استمرارية قوة العلاقات مع امريكا.
لقد حصلت تغيرات كبرى ايضا تخص القضية العراقية فرضتها ظروف جائحة كورونا وقرب الانتخابات الامريكية وانخفاض أسعار النفط وتطورات الصراع مع الصين وروسيا. هذه التغيرات الجوهرية جعلت الملف العراقي عباءا ثقيلا على أمريكا وحملتها على تغير اولوياتها باتجاه التخلص من ثقل الوجود العسكري والسياسي في العراق. لقد بات النفط العراقي ليس ذو اهمية كما كان في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن وأصبح الشغل الشاغل لأمريكا اليوم تركيع ايران وفك الإرتباط بينها وبين العراق قبل حلول الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
اليوم بعد افتضاح اعوان ايران الشعوبيين في العراق وتسخيرهم ثروات العراق لخدمة غير العراقيين وتمكنهم من عزل بلدهم عن محيطه العربي. اضافة الى أن تداعيات الأزمة الإقتصادية على دول العالم اجمع اجبرت دوله الالتفات إلى معالجة شؤونها الوطنية منها العراق.
اليوم لن تستطيع الكتل السياسية الموالية لايران بعد ضعف وانكفاء حلفيتها لمعالجة مشاكلها الداخلية من معارضة مطالب انتفاضة تشرين كما ان السيف الأمريكي مسلط عليها. لذلك يمكن للكاظمي في هذه الظروف تغيير مسار العملية السياسية التي بأس منها من بناها (امريكا.
إنها فرصة ذهبية لرئيس الوزراء أن يبدأ بتنفيذ برنامج اقتصادي وطني مفصل ينقذ الوطن والمواطن. لعل اهم معالمه جعل العراق بلد مؤسسات متخصصة ويتحول الى ورشة كبيرة لاعادة البناء من الصفر من خلال المشروع في حمل مسؤولية العمل الجماعية للمواطنين وايجاد وضائف انتاجية. وضرورة تدريب الكوادر في معاهد فنية عملية كي تعتمد البلاد على نفسها في جميع المجالات وتوفير فرص عمل للجميع. ثم العمل على حل المليشيات ومنع تأسيس الأحزاب على خلفيات طائفية واعلان حالة التقشف القصوى التي تحتم إلى الغاء أو تقليص المصارف المالية للرئاسات الثلاث والسفارات وكبار الموطفين. ينبغي ايضا تقديم الفاسدين الكبار إلى المحاكم الدولية كي يعيدوا ما سرقوه.
عندها سيلقى رئيس الوزراء تعاون كبير من عموم الشعب العراقي. ان العراقيين اليوم يبحثون عن الحياة الكريمة ولا تهمهم اديولوجيته أن كان يميني أو يساري شيعي أو سني عربي أو كردي أو تركماني. المهم بالنسبة لهم أن يكون وطني بعيد اللحمة الاجتماعية للمواطنين ويبدإ بالبناء داخل العراق على جميع المستويات الزراعة والصناعية والتجارية والاعلامية والسياحية.
الدكتور نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here