أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّابِعَةُ (٢٧)

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ

السَّنةُ السَّابِعَةُ

(٢٧)

نـــــــــــــــزار حيدر

{وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ}.

التطرُّف هو أَحد أَلد أَعداء التَّمكينُ للنَّجاح، ولذلك امتدحَ القُرآن الكريم الوسطيَّة والإِعتدال في كلِّ الشُّؤُون.

ولو كانَ المُتطرِّف يمتلك الهواء لمنعهُ عن النَّاس حتَّى يموتونَ، ولو امتلكَ خزائنُ المال لمنعها عليهِم، فالإِحتكارُ والعُنف طبيعةٌ متلازِمةٌ مع التطرُّف.

يقولُ تعالى {قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا}.

لماذا؟! لأَنَّ المُتطرِّف بطبيعتهِ يستأثر بكلِّ شيءٍ ويُصادر ويحتكر كلَّ شيءٍ لنفسهِ، وهذهِ هي طبيعةُ الأَشياء، ولذلكَ لم يملِّك الله تعالى كلَّ شيءٍ لعبادهِ رحمةًبهم.

يقولُ تعالى {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ}.

حتَّى الدِّينُ يُمكنُ أَن يتطرَّف بهِ العبدُ فيُغالي به ويُصادرهُ وكأَنَّهُ الوكيل الحصري لهُ على الأَرضِِ، وسببُ ذلكَ هو الجهلُ كما هوَ واضحٌ! ولذلكَ حذَّر القُرآن الكريم من ذلكَ بقَولهِ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُاللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘلَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا}.

والتطرُّف يفشلُ دائماً في إِيجادِ الحلُول للمشاكلِ والأَزماتِ، بل أَنَّ التطرُّف بحدِّ ذاتهِ أَزمةٌ تولِّدُ وتُنتجُ أَزماتٍ، أَمَّا الحلول فإِنَّك عادةً ما تجدها في الوسطيَّةالتي هيَ عقلانيَّةٌ بامتيازٍ في جوهرِها، فهي التي يلتقي بها الجميع في وسطِ الطَّريق، ولذلك ترى المُتطرِّف مأزومٌ دائماً لا يخرجَ من ورطةٍ إِلَّا ويسقطَ في أُخرى،ولا يرمِّم علاقةً مُتدهوِرةً مع أَحدٍ إِلَّا ويُشنِّجها مع آخر.

مشغولٌ وقتهُ يبحثُ عن أَزمةٍ لأَنَّهُ لا يجِدُ نفسهُ إِلَّا في الأَزماتِ، كالذي لا يعرف أَن يصطادَ إِلَّا في الماءِ العَكِر!.

كما أَنَّ التطرُّف والإِنصاف على طرفَي نقيضٍ وفي الحديث الشَّريف {مَن لا إِنصافَ لهُ لا دينَ لهُ} أَي أَنَّ الدِّينَ والإِنصاف توأَمان، أَمَّا المُتطرِّف الذي يتشبَّثبكلمةِ [لا] فقط في كُلِّ الحالاتِ فلا يمكنُ أَن يستَوعِبَ معنى الإِنصاف وبالتَّالي هو ليسَ عندهُ دينٌ حتى إِذا صامَ وصلَّى، ونموذجُ ذلكَ الخوارج الذين تطرَّفوا فلمتنفعهُم جباههُم السُّود ولم تنفعهُم علاقتهُم السَّابقة بأَميرِ المُؤمنِينَ (ع) لأَنَّ التطرُّف أَعماهُم وأَعمى بصيرتهُم عن رُؤيةِ الحقيقةِ ولذلكَ انتُزِعت منهُم صفةُالإِنصاف وبالتَّالي الدِّين الذي لبسوهُ لِبس الفروِ مقلوباً كما يصفُ ذلكَ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) بقولهِ {وَلُبِسَ الاِْسْلاَمُ لُبْسَ الْفَرْوِ مَقْلُوباً} حتى باتَ حالُ الدَّهرِ كماوصفهُ (ع) بقولهِ {فَعِنْدَ ذلِكَ أَخَذَ الْبَاطِلُ مَآخِذَهُ، وَرَكِبَ الْجَهْلُ مَرَاكِبَهُ، وَعَظُمَتِ الطَّاغِيَةُ، وَقَلَّتِ الدَّاعِيَةُ، وَصَالَ الدَّهْرُ صِيَالَ السَّبُعِ الْعَقُورِ، وَهَدَرَ فَنِيقُ الْبَاطِلِ بَعْدَكُظُوم، وَتَوَاخَى النَّاسُ عَلَى الْفُجْورِ، وَتَهَاجَرُوا عَلَى الدِّينِ، وَتَحَابُّوا عَلَى الْكَذِبِ، وَتَبَاغَضُوا عَلَى الصِّدْقِ.

فَإِذَا كَانَ ذلِكَ كَانَ الْوَلَدُ غَيْظاً، وَالْمَطَرُ قَيْظاً، وَتَفِيضُ اللِّئَامُ فَيْضاً، وَتَغِيضُ الْكِرَامُ غَيْضاً، وَكَانَ أَهْلُ ذلِكَ الزَّمَانِ ذِئَاباً، وَسَلاَطَينُهُ سِبَاعاً، وَأَوْسَاطُهُ أُكَّالاً،وَفُقَرَاؤُهُ أَمْوَاتاً، وَغَارَ الصِّدْقُ، وَفَاضَ الْكَذِبُ، وَاسْتُعْمِلَتِ الْمَوَدَّةُ بِاللِّسَانِ، وَتَشَاجَرَ النَّاسُ بِالْقُلُوبِ، وَصَارَ الْفُسُوقُ نَسَباً، وَالْعَفَافُ عَجَباً}.

ولقد دعا المُشرِّع عبادهُ إِلى أَن يُحقِّقُوا التَّوازن في الأُمورِ بالوسطيَّةِ ونبذِ التطرُّفِ، فعلى صعيدِ العلاقةِ بين الدُّنيا والآخرةِ قال تعالى {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُالدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.

حتَّى على صعيدِ القراءةِ في الصَّلاةِ دعا عبادهُ إِلى الوسطيَّة كسبيلٍ مُفضَّلٍ بعيداً عن كلِّ أَنواعِ التطرُّفِ السَّلبي أَو الإِيجابي إِن صحَّ ذلكَ، يقولُ تعالى {قُلِادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا}.

إِنَّهُ يريدُ أَن تكونَ الوسطيَّةُ [ثقافةٌ] في المُجتمعِ فهي ضدَّ التطرُّف سلباً أَو إِيجاباً، فـ [ما زادَ عن حدِّهِ انقلبَ إِلى ضدِّهِ] كما في المثلِ المعروف.

٢٠ مايس [أَيَّار] ٢٠٢٠

لِلتَّواصُل؛

E_mail: [email protected]

‏Face Book: Nazar Haidar

Twitter: @NazarHaidar2

Skype: nazarhaidar1

‏WhatsApp, Telegram & Viber : + 1(804) 837-3920

*التلِغرام؛

https://t.me/NHIRAQ

*الواتس آب

https://chat.whatsapp.com/KtL7ZL3dfh

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here