مقال “حيويَّة الأمة وبناء الوطن”

لقمان عبد الرحيم الفيلي

الخميس ٢٠٢٠/٥/٢١

غالباً ما تضع الأمم صوب أعينها مجموعة من الأهداف الاساسية لمسيرتها التكاملية. مثلاً تضع الرفاه والتقدم الاقتصادي في أولويات أهدافها، واكمال الصورة بالاكتفاء الذاتي من اهم تلك الأهداف وذلك لكي لا تعول على دول أخرى حفاظاً على مصلحة البلد وأمنها القومي/الوطني. وهناك ايضاً السلامة والأمن كمعيار أساسي لمعرفة مدى تقدمها وتطورها.

ولعل قدرة الأمم على الوصول الى تلك الأهداف الأساسية والجوهرية مرتبطة طردياً بتقارب الأمة او ابتعادها من معرفة وتوفير مستلزمات الأمة الحية. فبعد الأمة عن إيجاد المستلزمات الاساسية للأمة الحية سيبعدها عن الوصول لأهدافها. ومن المفيد أن نراجع التاريخ لنتعلم منه العبر والدروس وليوفر لنا قصر المسافة والمسيرة نحو الأهداف المرجوة.

وبشأن السؤال عن هذه المستلزمات، فالمعادلة ادناه تستطيع ان تساعد في تبسيط فهمنا لمفردات ومستلزمات معادلة الأمة الحية.

الأمة الحية = مراجعة + مشروع + نخبة + طاعة + كفاءة + ثقافة + الزمن .

لنبدأ بشرح هذه العناصر المهمة للمعادلة.

فالأمة الحية هي الأمة التي تستطيع ان تتعاطى إيجاباً مع تطور البشرية، من خلال:-

– مراجعة لتاريخها المعاصر مع تقييم دقيق وموضوعي لواقع الحال

– مشروع للمستقبل يعكس تطلعات الأمة ورؤاها

– نخبة مؤمنة بالمشروع ومستعدة أن تضحي وتؤثر على نفسها من اجل الأمة

– أمة تطيع النخبة والقيادة بقناعة بعد تفاعلها معها

– كفاءة كوادر ومنظومات عمل ذات جودة عالية

– ثقافة تكاملية وخلق عرف يساعد بالسير إيجاباً نحو مشروع المستقبل

– وأخيراً اعتبار عنصر الزمن عاملاً مساعداً نحو المسيرة التكاملية.

وقد يسأل سائل اين الفكر من هذه المعادلة ولماذا لم تشمل عنصر خيرية المشروع، هنا نقول ان السنن الإلهية تقول ان نتاج العمل سيكون دوماً موجوداً ومؤثراً ان ارادت تلك الأمة الخير من عدمه. فتجربة الحداثة في اليابان مثلا جعلتها تغزو الصين وكوريا ونفسها جعلتها تسير نحو السلم ١٠٠٪ بعد الحرب العالمية الثانية. اليابانيون تمسكوا بالسنن واستطاعوا ان يكونوا ضمن محور الحرب ومحور السلم.

اين نحن من هذه العناصر والمستلزمات ؟ وأين نحن من مدى حيوية جسم الأمة العراقية؟ وقد يقول قائل اننا لسنا بامة واحدة بل امّم؟ مثل الأمة الكردية والامة العربية والامة التركمانية. وقد يقول قائل آخر، لا بل نحن أمة شيعية وامة سنية؟ او الأمة المسيحية والامة الاسلامية، او نحن الأمة المدنية والامة القبلية. او اننا مجموعة من الأقوام المتقاطعة والتي تعكس طبيعة التحولات التاريخية للعراق مثل الأقليات المختلفة والقبائل ذات النسبة العالية منها السنية ومنها الشيعية وغيرها من تضاريس او فسيفساء الحالة العراقية الحالية.

لا اعتقد ان المشكلة تكمن في تعدد الأقوام او المكونات بل هي مرتبطة بمسيرة كل مكون او أمة تسير نحو التكامل ام التقاطع مع الاخرين؟ فالتعددية حالة ايجابية وحيوية اذا كانت ادارة التنوع موجودة، وهنا مربط الفرس وهنا ما يجب ان نركز عليه. فالقرآن الكريم لا ينكر التعددية ولكن يُبين الهدف من التعددية وهو التعارف والتكامل. {{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }}.

كل مكون او أمة او طائفة عراقية تحتاج ان تقارن بين واقع حالها مع واقع حال الآخرين من خلال مفردات معادلة الأمة الحية أعلاه.

وعليه هناك اسئلة مهمة لهذه المسيرة مثل:

هل لدينا مشروع متكامل او مشاريع متقاطعة؟

هل نقيم التاريخ وواقع الحال بالأطر والمناهج نفسها ام لدينا مقاسات مختلفة للتقييم؟

هل نملك نخبة تؤثر على نفسها ام نُخَب تبحث عن من يؤثر لها؟

هل ان امتنا تطيع وتتفاعل مع نخبها وقيادتها ؟ ام انها في واد ونخبها في واد وتشكك بها وقليلة الثقة بقيادتها؟

كم نبحث ونصر على معرفة وتطبيق مستلزمات الجودة والكفاءة؟ ام اننا نعتبرها كعنصر ترف وكمال وليست ضرورية؟

نمتلك الثقافة والعرف اللذين يبنيان الامم ويصنعان التاريخ؟ ام هما مخربان ومتلكئان وصدئان نتيجة تراكمات التاريخ ومنهجية تدمير نسيجهما الاجتماعي؟

واخيراً، ما أهمية الزمن كعنصر مراجعة وتكامل؟ ام ان تقدم الزمن كتأخره عندنا؟

نتيجة العولمة والتكنولوجيا وسهولة توفر المعلومات نستطيع ان نقول باطمئنان اننا لا نحتاج ان نخوض في عمق التاريخ لنعرف مدى تطابقنا مع سَنَن تطور الامم. اذ نظرة سريعة للمسيرة البشرية في القرن العشرين تكفي للمراقب ان يشخص الامم الحية من غيرها، ويستطيع ان يشخص مدى تكامل ام تقاطع مكونات الشعوب ومدى سرعة تطورها وحيويتها.

لنبني عراقاً حياً، ولنبحث عن عناصر الحيوية والتطور نحو التكامل وبعيداً عن التقاطع، ولعل شعور الأقليات بانها جزء حيوي من البناء سيعجل من البناء القويم، فالحضارة لا تأتي من فراغ او بالتمني بل هي مسيرة طويلة وشاقة ولكنها ممتعة وتستحق السير بطريقها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here