قناة الجزيرة… بين المهنية و”البروبوغاندا القطرية”

بقلم: عبدالرحمن جعفر عبدالمهدي

اندلعت ثورات الربيع العربي في عام 2011. كانت شرارة بدايتها في تونس، بعدما أقدم الشاب “محمد بو عزيزي” على حرق نفسه بعد صفع الشرطية “فادية حمدي” له, ما أعتبره الشاب وصمة عار على نفسه، جعلته يقدم على حرق نفسه. منها اشتعلت شرارة الثورة كالنار في الهشيم ولتنتقل من دولة الى أخرى حتى غطت معظم الدول العربية. في مثل هذا الحدث التاريخي, تم توجيه أصابع الاتهام لقناة الجزيرة مراراً وتكراراً لأسباب مختلفة. أحد اهم تلك الاتهامات وأخطرها هي زرع البروبوغاندا القطرية في عقل المشاهد العربي وتكوين صورة مغلوطة ومفبركة لزعزعة أمن المنطقة. في هذه المقالة سبنحأ ادق تفاصيل ما وراء قناة الجزيرة منذ تاسيسها في عام 1996، وهل تعتبر الاتهامات الموجهة للجزيرة دقيقة؟

تأسست قناة الجزيرة في عام 1996 وكانت من أوائل القنوات العربية الإخبارية في المنطقة تبث عبر الأقمار الصناعية, مما جعلها قناة العرب الإخبارية الأولى. كان هدف الجزيرة هو جعلها من محطة عربية الى محطة عالمية، ومصدر ربما للجدل ايضا، كونها تسير عكس التيار وتغطي أخبار قد تتجاهلها قنوات ومصادر اعلامية اخرى كما يذكر موقعهم الرسمي “تغطي الشبكة أحداثاً من كل مكان في العالم كما تركز على رواية القصص التي تتجاهلها وسائل الاعلام الأخرى بمنتهى المهنية والتقدير الذن أصبح من أهم ما يميز الشبكة”. هذا ما يميز الجزيرة بشكل خاص في الساحة الإعلامية العربية والعالمية. بالمقابل أدى منهاج الجزيرة باتهامها بالإرهاب ونشر التطرف وزعزعة أمن دول عديدة في المنطقة.

لاقت قناة الجزيرة انتقادات لاذعة منذ تأسيسها وتمت محاربتها مرات عديدة في عدة دول عربية وغربية. في عام 1999, قطعت الكهرباء في العديد من المدن الجزائرية بالتزامن مع برنامج يكشف تورط الجيش الجزائري بمجازر ضد الإنسانية. في عام 2009 أغلقت السلطة الفلسطينية مكاتب الجزيرة في الضفة الغربية بعد اتهامات بالتحريض ضد السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير.

تعتبر ازمة قناة الجزيرة مع الولايات المتحدة الأمريكية من أقوى الأزمات الي واجهت القناة منذ التأسيس. قام مراسل الجزيرة في افغانستان حينها تيسر علوني باول مقابلة بعد هجمات 11 من سبتمبر مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في اكتوبر 2001. بعد إرسال المقابلة الى قناة الجزيرة، وبعد مراجعة فحواها, لم تبث المقابلة بقرار إداري لعدم قيمتها الإخبارية وكونها ذات طابع تحريضي. رغم ذلك, تم تسريب المقابلة وبثها على قناة الـ سي ان ان CNN بعد التنصت عليها عبر الأقمار الصناعية، ( حسبما جاء في برنامج الجزيرة ما خفي أعظم، 5/11/2017 ) رغم إنكار الجزيرة, أصرت المحطة الأمريكية على أن البث تم بالتعاون مع قناة الجزيرة. أدت هذه الادعائات لقصف أمريكي لمكتب قناة الجزيرة في كابل، وملاحقة مراسل الجزيرة في أسبانيا والحكم عليه بسبع سنوات.

استمرت اأإزمة بشكل حرب باردة بين الولايات المتحدة الأمريكية وقناة الجزيرة لتعود الأزمة الى الواجهة بعد إعلان الولايات المتحدة الحرب على العراق. اتهمت الحكومة الأمريكية قناة الجزيرة بشكل صريح بالتحيز للجانب العراقي

وانعدام المهنية في نقل الأحداث بالعراق ووصفتها بشكل صريح بـ”قناة نظام صدام” خاصة بعد بث الجزيرة لمقاطع مع أسرى أمريكان لدى الجيش العراقي في بداية الغزو الأمريكي.

جاء إغلاق مكاتب الجزيرة مرات عديدة منذ تأسيسها في أغلبية الدول العربية, ويعتبر الوقت الحالي من الأصعب في تاريخ القناة. بعد اتهام دول الحصار لقطر بدعم الإرهاب والترويج له. أغلقت مكاتب قناة الجزيرة في البحرين, السعودية, الامارات, مصر, ليبيا (حكومة طبرق) واليمن. منذ حصار الدول المذكورة لقطر, بدأت قناة الجزيرة بتجاوز الخطوط الحمراء والقيود التي كانت مفروضة عليها بحكم العلاقة الأخوية مع اشقائها في الخليج, فخرج للمشاهد العربي ما لم يراه من قبل من تسريبات الى تحقيقات وبرامج عديدة كشفت عن ما اعتبره الكثيرون إجرام الدول المحاصرة لقطر, في ما اعتبره البعض محاولات قطرية ابتزازية لهذه الدول خاصة أن الجزيرة قد اخفت هذه الحقائق لسنوات عديدة لاستعمالها كورقة ضغط, في ما أعتبرها البعض الآخر شجاعة في نقل الصورة كاملة رغم الحصار الشديد على دولة قطر. لطالما اعتبرت الجزيرة البوق الإعلامي لجماعة الاخوان المسلمين خاصة بعد أحداث 30 يونيو في مصر. لا تزال الازمة والحصار مستمر الى يوم كتابتي لهذه المقالة.

نحن لسنا بصدد تناول حلول الأزمة او تقييم قناة عمرها اكثر من 24 عام, لكن برايي أرى أن على قطر تغيير سياساتها ولو بشكل جزئي بما يخص منبرها الإعلامي. رداً على تساؤلنا السابق، نعم قناة الجزيرة تبث بروبوغاندا قطرية في أخبارها، وهذا شيء طبيعي كون دعمها هو دعم أميري رسمي, وهذا لا يمنع من كونها ناقلاً للحقيقة. قناة الجزيرة وبرأيي تنقل الحقيقة, لكن حسب ما يحلو لها. يتم تنقيح الأخبار وفرزها واختيار ما تراه مناسب لسياساتها لتبثها, بينما الخبر الذي لا يناسب التوجه القطري وبالأخص الذي لا يصب بمصلحة سياسية للنظام القطري يتم تجاهله, حادثة الصحفي جمال خاشقجي مثالاً. الجزيرة منبر لنقل الحقيقة, لكنها للأسف مجتزئة. يفترض في الدول المحاربة للإرهاب أنها ليست بحاجة إلى أن تبني أي بروباغندا قد تفقد مصداقية أذرعها الإعلامية، إذ يكفي تسليط الضوء على أخطاء حقيقية يرتكبها الطرف الآخر لكي يقتنع المتابعون بالرسالة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here