آخر ايام المدارس الفيلية الأهلية في بغداد

عبد الستار نورعلي

في عام 1946 انبرى ثلة من رجالات الكرد الفيليين البارزين لتأسيس (جمعية المدارس الفيلية) وهم كل من السادة:

الحاج أحمد محمد

الحاج نوخاس مراد

محمد مهدي نيازي

محمد شيرة

ابراهيم بشقة

شكر رمضان أمو

الحاج جاسم نريمان

الحاج علي حيدر

المحامي عبد الهادي محمد باقر ملا نزر

مهدي سيخان (اول مدير لمدرسة الفيلية الابتدائية)

وقد أخذت الموافقات الأصولية من وزارة الداخلية، وكان وزيرها آنذاك صالح جبر، لتتأسس بعدها (مدرسة الفيلية الابتدائية الأهلية النهارية) في بغداد بباب الشيخ، فيكون أول مدير لها هو المرحوم مهدي سيخان، ثم تلاه المرحوم الدكتور شهاب أحمد، الذي هاجر عام 1953 الى ألمانيا حيث أكمل دراسة الطب وأقام هناك حتى وفاته قبل سنوات. ثم تلاه لفترة قصيرة المرحوم المحامي حسين محمد علي الصيواني، ثم المرحوم سلمان رستم حتى تأميمها وتغيير اسمها. وقد أفتتحت بعد ذلك الى جانب المدرسة النهارية مدرسة مسائية لاستيعاب الطلاب العاملين في النهار بسبب ظروف العيش والطامحين الى مواصلة تعليمهم ودراستهم مساءاً للحصول على أعلى مستوى تعليمي ممكن. كما تم تأسيس (ثانوية الفيلية الأهلية المسائية) في ستينات القرن العشرين وبإدارة المرحوم حسين الصيواني.

كانت الدراسة بأجر، لكنه في الوقت نفسه كان هناك إعفاء للطلاب الفقراء بنسبة أربعين بالمئة أسوة بالمدارس الرسمية. اضافة الى توزيع كسوة صيفية وأخرى شتوية عليهم. وكانت من تبرعات التجار والمقتدرين من عائلات الفيليين.

وللعلم كانت المناهج في هذه المدارس هي نفس مناهج الدراسة الرسمية للدولة العراقية وباللغة العربية كما هو معروف وسائد.

لقد كان دافع المؤسسين الرواد هو ادراكهم لأهمية التعليم والتحلي بالعلم والثقافة في تربية أجيال تنفتح أمامها آفاق مستقبل مشرق لتكون لها مشاركة فعالة في بناء مجتمع متقدم متطور في البيئة التي تعيش فيها، فتكون لها مكانة

قيمة ومرموقة ومهمة ودور مطلوب في خدمة أمتها ومن خلال أهمية شعار (العلم نور). وبما أن الكرد الفيليين كانوا طيفاً من اطياف الشعب العراقي، ولكنهم كانوا يتعرضون بشكل خاص للتمييز الظالم والتهميش ووضع العراقيل أمام أبنائهم في تحصيل العلم والدراسة والتسجيل في المدارس الرسمية. وأسوة بالطوائف الأخرى التي كانت لها جمعيات ومدارس أهلية خاصة اندفع أولئك الرواد المؤسسون الى تأسيس هذه الجمعية لفتح أبواب التعليم أمام أبناء الكرد الفيليين لكي يتحلوا بسلاح العلم ذي الأهمية البالغة في العصر الحديث، فيتحرروا بذلك من أسر التخلف والأمية التي كانت ضاربة أطنابها في المجتمع بشكل كبير وواسع.

ومن جمعيات ومدارس الطوائف الأخرى نذكر:

مدارس الجعفرية الأهلية

مدارس بيوت الأمة الأهلية

مدارس التفيض الأهلية

مدارس راهبات التقدم

مدارس الكلدان

المدارس اليهودية

الى جانب مدارس أهلية أجنبية مثل:

المدرسة الايرانية

(مدارس كلية بغداد) الأمريكية للآباء اليسوعيين (ابتدائية وثانوية، ثم جامعة الحكمة). وقد أكملت أنا شخصياً دراسة المتوسطة في هذه المدارس. والاعدادية في ثانوية الجعفرية النهارية. والابتدائية كانت في (مدرسة الفيلية الابتدائية النهارية).

الى جانب المعلمين الكرد الفيليين قام بالتعليم في مدارس الفيلية مجموعة من المعلمين والمدرسين من غير الفيليين، منهم عراقيون عرب لانزال نذكرهم حتى اليوم بخير ومحبة. ونحتفظ لهم بأجمل وأنقى صورة من صور الانسانية العراقية الوطنية من خلال ما لمسناه من معايشتنا لهم عن قرب، ولشخصياتهم وصفاتهم التي كانت تتحلى بالاخلاص في أداء واجبهم التعليمي، وحرصهم الشديد على بذل أقصى جهد لايصال المعرفة الى طلابهم، اضافة الى قدراتهم العلمية العالية والمتميزة في اختصاصاتهم. ومن المعلمين العرب الذين علمونا في أوائل خمسينات القرن العشرين معلم العربية (محمد علي البنا) وهو نجفي، ومعلم الرياضة المرحوم (عبد الأمير السعداوي) من الهندية.

كما تلقى التعليم في هذه المدارس الكثير من الطلاب غير الكرد، من العرب والتركمان والكلدان والآشوريين والصابئة وحتى الهنود. فكان الجميع صفاً واحداً أصدقاء وأخوة وزملاء، دون النظر الى الأصل والفصل والعرق والدين. جمعتنا صداقات عميقة وعلاقات متميزة لحمتها المحبة وسداها الوطنية العراقية، الى حد وصلت الى علاقات عائلية تجذرت في العمق ولم تؤثر فيها عوادي الزمن ولا عاتيات الاحداث السياسية الجارفة والعارمة التي اجتاحت العراق ولحد اليوم. لم ننفك نتواصل معاً وعلى بعد المسافات، فنتقصى اخبار بعضنا البعض. لقد ولد

الكثير منا في زمن واحد وفي محلة واحدة حتى أن أمهاتنا تناوبن رضاعتنا من حليبهن لنصبح أخوة في الرضاعة لا فرق عرباً وأكراداً وسنةً وشيعةً، ولدرجة أن اقراننا من العرب الذين عايشونا تعلموا الكلام باللغة الكردية وباللهجة الفيلية وبلسان نقي، بحيث لا يمكن التمييز بينهم وبيننا في النطق مثلما ننطق نحن اللهجة العربية البغدادية الى جانب العربية الفصيحة، وأذكر هنا باعتزاز وحب وفخر أخواتنا وإخواننا من عائلة المرحوم عطية شلال الجنابي العربية. وأذكر هنا أن الاستاذ محمد علي البنا ذكر لنا مرة في الصف أنه في البداية كان يتصور أن أخي في الرضاعة طارق عطية شلال الجنابي هو الكردي الفيلي وأني أنا العربي، فقد كنا نجلس على رحلة واحدة طوال دراستنا في مدرسة الفيلية ولا نفترق عن بعض، اضافة الى أخينا في الرضاعة أيضاً لاعب كرة السلة العراقي الدولي السابق داوود سلمان رمضان.

استمرت المدارس الفيلية تؤدي دورها التعليمي الحيوي والكبير في الوسط الفيلي وغير الفيلي والعراقي العام. وكان دوراً تعليمياً وطنياً وبكل تجرد واخلاص وجد واجتهاد ووطنية لا يزاود عليها أي كان ولا ينكرها كل منصف عاش عن قرب مسيرتها التاريخية التعليمية والثقافية وساهم في العمل أو تلقى التعليم فيها.

كانت سنوات الخمسينات والستينات هي فترة ازدهار وصعود وحيوية للمدارس الفيلية. لكن منذ اواخر الستينات بدأت هذه المدارس تعيش حالة انحسار وتراجع بسبب الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي مرت بالعراق وبالوسط الفيلي. منها التوسع الذي حصل في بغداد وانتقال الكثير من العائلات الفيلية الى مناطق أخرى بعيدة عن موقع المدارس، وقد كانت بناية ثانوية الفيلية المسائية لفترة من الزمن في حي جميلة وفي مدخل مدينة الثورة، ثم انتقلت الى الدوام مع الابتدائية في دار النقيب في باب الشيخ. وثانيها اقبال العائلات على تسجيل ابنائها في المدارس الرسمية المجانية. وثالثها الظروف السياسية المضطربة ومن اهمها تسلم حزب البعث للسلطة في انقلاب 17 تموز سنة 1968 ، ومعروف موقف هذا الحزب من الفيليين ونظرته القومية العنصرية تجاههم واعتبارهم أعداء. وما قام به خلال فترة حكمه من تمييز واضطهاد ومحاربة لهم، وآخرها حملة التهجير الكبرى التي بدأت سنة 1980 مع انفجار الحرب العراقية الايرانية واستمرت خلالها، وقد تم أثناءها حجز وقتل الآلاف من شبابهم وتغييبهم في المقابر الجماعية دون أثر لحد اليوم، وفي أوضح دليل على موقفه العدائي الشوفيني المستحكم ضد الفيليين.

كل هذه العوامل مجتمعة وغيرها ومن أهمها شحة الموارد المالية بسبب قلة أعداد الطلاب، وتضاؤل الدعم المادي الذي كان يأتي من تبرعات التجار ورجال الأعمال والميسورين من الفيليين، إذ كانت تلك التبرعات من أبرز الموارد المالية لهذه المدارس وديمومتها. وربما يعود ذلك الى خشية المتبرعين بسبب الظروف السياسية والمراقبة الأمنية وخوف الاتهام بالتبرع لجهات سياسية معادية للسلطة، وبالخصوص للحركات والاحزاب الكردستانية. كل هذه الأسباب كانت وراء أزمة المدارس الفيلية ومعاناتها في أواخر أيامها قبل قرار تأميم المدارس الأهلية في العراق في السنة الدراسية 1974/75 على ما أذكر.

كنتُ أنا آخر مدير لثانوية الفيلية المسائية قبل التأميم، وقد جئت بعد المرحوم المحامي حسين محمد علي الصيواني. علماً بأني كنت قبلها محاضراً فيها حين كانت تقع في حي جميلة وفي مدخل مدينة الثورة في بناية مستأجرة وهي منزل كبير واسع، وذلك قبل انتقالها الى الدوام في بناية المدرسة الابتدائية في باب الشيخ لتداوم معها سويةً.

في أوائل السبعينات من القرن العشرين اتصل بي بعض اعضاء الهيئة الادارية للمدارس الفيلية أذكر منهم: المرحوم حيدر توفيق، المرحوم اسماعيل كرم، المرحوم حسين الصيواني، المرحوم سلمان رستم، الحاج عبد علي سيد محمد تشمال، و حسن تشمال، والحاج عبد الرزاق فيلي (أبو آزاد)، وأعلموني أنهم قد رشحوني لتسلم ادارة الثانوية المسائية (لم تكن هناك ثانوية نهارية) بعد أن طلب المرحوم حسين محمد علي الصيواني اعفاءه بسبب صحته وضيق وقته. كنت حينها مدرساً في (متوسطة الناصر للبنين) في مدينة الحرية. فقبلت المهمة الى جانب عملي الرسمي مدرساً خدمة لأبنائنا وأجيالنا القادمة، ومن أجل رفع مستوى المدرسة وأدائها ، على قدر عزمي وقدرتي وامكانياتي والظروف الصعبة التي كانت تعيشها المدرسة.

كان المرحوم سلمان رستم (أبو داوود) لايزال مديراً للابتدائية النهارية والمسائية معاً. كان الرجل معلمنا في الخمسينات في مادة الانجليزية قبل أن يصبح مديراً. امتاز بكونه معلماً حاذقاً لامعاً مقتدراً ومن أبرز الاساتذة المتمكنين من مادتهم. فقد علمنا الانجليزية بكل اتقان ونجاح باذلاً جهوداً كبيرةً وبحماس شديد من أجل تعليمنا واتقاننا لهذه اللغة ، فلم تذهب جهوده سدىً بل كانت نتيجتها ثمرة يانعة ناضجة مزدهرة ومدعاة للفخر والاعتزاز، بحيث لم يتخرج من تحت يديه طالبٌ ضعيف في هذه المادة. كان هو معلمها في كل المراحل الدراسية منذ الصف الثالث الابتدائي وحتى السادس، إذ كانت مادة اللغة الانجليزية في المدرسة الفيلية الابتدائية تدرس من الصف الثالث الابتدائي عكس المدارس الرسمية التي كانت تبدأ بتعليمها مادة دراسية من الصف الخامس، كما أن منهج تعليمها كان يختلف عما في المدارس الرسمية وبمستوى أعلى وأوسع.

وبذا تخرج الطلاب من تحت يدي سلمان رستم وهم يتقنون اللغة الانجليزية والتكلم بها. فعلى حد ما أذكر كانت نسب النجاح عنده مئة بالمئة في الامتحان الوزاري للسادس الابتدائي، وأقل درجة حصل عليها طالب مشترك في الامتحان في سنتنا كانت 65% ، وهي من الذكريات النادرة التي لم يمحها الزمن من ذاكرتي فظلت منحوتة محفوظة في شريطها لم تمسحها يد الزمن العاتي حتى اليوم. كان ابو داوود مثالاً ناجحاً وحياً للاخلاص والتفاني وبذل الجهد والعمل الدؤوب والحرص على أداء واجبه معلماً ومديراً بأكمل وأخلص وأدق وجه.

كانت المدرستان الثانوية والابتدائية في تلك الفترة تقعان كما بينت في نفس البناية الكائنة في باب الشيخ، وهي دار النقيب (عبد الرحمن النقيب) التي اشتراها المرحوم الحاج نوخاس مراد وتبرع بها بناية تضم المدارس الفيلية. والدار

هذه أثر تاريخي من آثار العراق، فقد قيل أن الغرفة التي كانت تضم إدارة المدرسة في الطابق الثاني ويكون دخول الضيوف اليها من سلم في مواجهة باب الدار الرئيسة هي الغرفة التي قام المرحوم عبد الرحمن النقيب أول رئيس وزراء في العراق الحديث بعد تأسيس الدولة العراقية عام 1921 باستقبال الملك فيصل الأول فيها. كنت حين أجلس فيها أحس بعبق وأنفاس التاريخ تنفثها الجدران والأرضية والسقف والهواء والنوافذ والأبواب, وكأني بصوت الملك فيصل الأول وعبد الرحمن النقيب وغيرهم من ساسة وسادة ذاك الزمن يتردد في أرجائها، فأسمع منهم التخطيطات والمخططات ورسم السياسات، واصغي الى أصابع التاريخ وهي تسجل لتلك المرحلة من مسيرة العراق الحديث.

كان كاتب المدرسة الثانوية وأمين الصندوق هو الأخ عبدالخالق سهراب، الخبير بكل سجلاتها وطلابها وحساباتها بعقل يشبه كومبيوتراً وغوغلاً بكل شؤون المدرسة، إذا سألت عن معلومة إدارية أو عن أي طالب لأجابك سريعاً وبكل التفاصيل. أما المرحوم الاستاذ سلمان رستم فقد كان هو مدير المدرسة الابتدائية، وهو كاتبها وأمين صندوقها، ومتابع شؤونها في التربية والدوائر الرسمية بعزيمته واخلاصه المعهودين، وبتجرد وبلا كلل أو ملل أو تذمر، وبصمت وهدوء وروية وعقل واتقان ودقة.

حين تسلمتُ إدارة الثانوية اكتشفت الأزمة الخانقة والمستعصية الماسكة برقبتها ورقبة الابتدائية معها. قلة في عدد الطلاب، وهذا معناه قلة في المورد المالي من أجور الدراسة، وكذلك شحة في الدعم المادي من رجالات الفيليين من المقتدرين مادياً والتي كانت المدرسة تعتمد عليها أيضاً اعتماداً كبيراً في تمشية امورها الاقتصادية وبقائها على قيد الحياة والعمل والاستمرارية. وكما نعرف فأن الدعم المادي عنصر مهم جداً من عناصر عمل واستمرار وفاعلية الجمعيات والمنظمات المدنية الأهلية.

لقد كان الدعم المادي لمدارس الفيلية في هذه الفترة شبه منعدمة، والشحيح المقدم لايغني ولا يسمن من جوع، ولا يطفئ ظمأ، ولا يسد حاجة. ولذلك كان صرف أجور المحاضرين يتأخر دائماً عن أول الشهر، وأحياناً يصل الى منتصفه. كنا أنا والأخ عبد الخالق نقع في حرج كبير. فنلجأ الى أعضاء الهيئة الادارية الذين كانوا بدورهم يشكون ويتذمرون من قلة المتبرعين وجفاف الدعم، بل وضآلة المبالغ التي يتبرع بها البعض من وراء أنوفهم وبعد الحاح وضغوط وبلا قناعة ولا رضى. كنت والأخ عبد الخالق نضطر في كثير من الأشهر أن نضيف على المتوفر الشحيح من المبالغ في صندوق المدرسة من جيبنا الخاص ومن رواتبنا الوظيفية الرسمية لاكمال دفع الأجور حتى يصل الدعم، وأحياناً كنا لانسترجع حتى المبلغ الذي دفعناه من جيوبنا، والله شاهد على ما أقول. في أحد الأشهر أضطررت الى اللجوء الى المرحوم الحاج محمد عباس ( أبو عباس) للاقتراض منه مبلغ مئة وعشرين ديناراً لاكمال أجور المحاضرين بعد أن انسدت الأبواب في وجهي. وقد بادر يرحمه الله بلا تردد وعن طيب خاطر الى تقديم المبلغ.

كان يحز في نفوسنا ان تصل الحال بهذه المدارس التي خدمت الفيليين وأبناءهم والتعليم في العراق بمختلف أطياف شعبه. وتخرجت منها أجيال من الفيليين ومن العراقيين الآخرين محصنين بالعلم والمعرفة والثقافة وفي كل مجالات الحياة العلمية والثقافية والفنية والرياضية، فبرز منهم الكثير اشتهروا باختصاصاتهم ومجالات عملهم. اضافة الى ان العديد من المشاهير ساهموا في التعليم فيها نخص بالذكر منهم الروائي العراقي الكبير غائب طعمة فرمان، والقائد الشيوعي المرحوم الشهيد (سلام عادل) الذي أستشهد في انقلاب البعث سنة 1963. كما رفدت الحركة السياسية الوطنية التقدمية العراقية والثورة الكردستانية بكوكبة من الشباب المناضل من معلمين وطلاب. اضافة الى أنها احتضنت معلمين عراقيين وطنيين فصلوا من التعليم الرسمي بسبب نضالهم وانتماءاتهم السياسية بتعيينهم فيها.

لقد عملنا بكل ما لدينا من طاقة واندفاع وايمان لاستعادة دور مدارس الفيلية الفعال والكبير، لكن الظروف المادية المحيطة بها اضافة الى الوضع السياسي العام في العراق كانت تقف عائقاً كبيراً أمامنا يحول دون تحقيق تطلعاتنا وأمنياتنا وأهدافنا، حتى جاء قرار تأميم المدارس الأهلية في السنة الدراسية 1974/75 ليشملها.

في احدى الأماسي بعد التأميم مباشرة جاءنا موظف من مديرية تربية الرصافة حاملاً أمر التأميم وأمر تعيينه مديراً لثانوية الفيلية المسائية بدلاً عني، وأمراً بتسلمها مني. كان على ما أذكر مدير الادارة في التربية. وبدأت عملية التسليم والتسلم. كان أول قسم سأل عنه وطلب تسلمه هو المختبر وبأسرع وقت وفي نفس الليلة، حيث تم ختم بابه بعد اجراءات التسليم والتسلم بالشمع الأحمر. وهو ما أثار لدينا هواجس وتساؤلاً.

ولنفكر ملياً ونتساءل بعد كل ماجرى في العراق: لماذا المختبر وبهذه السرعة؟!

أما المسائل الأخرى فلم يظهر هذا الموظف والمدير المعين ذلك العزم والحرص على تسلمها وبنفس السرعة، وأقصد السجلات والأثاث وغيرها.

أما الابتدائية فقد بقي على ادارتها المرحوم سلمان رستم، وتم تغيير اسمها من المدرسة الفيلية الابتدائية المسائية الى (مدرسة الولاء الابتدائية المسائية) وأبقي على المرحوم سلمان رستم مديراً لها حتى احالته على التقاعد.

ثم بعد فترة وجيزة تم دمج (ثانوية الفيلية الأهلية المسائية) بثانوية الجعفرية الأهلية المؤمّمة أيضاً، التي غيروا اسمها الى (ثانوية الشهيد محمد سليمان) الذي كان عضواً في القيادة القومية لحزب البعث في العراق، وهو من السودان، وقد مات في حادث سقوط الطائرة العراقية في اجواء مدينة جدة السعودية في 22 تموز 1971، وهي الطائرة التي كانت تحمل على متنها وفداً من حزب البعث العربي الاشتراكي العراقي المتوجه للتهنئة بالانقلاب الذي وقع في السودان في التاسع عشر من تموز من نفس العام.

عبد الستار نورعلي

آخر مدير لثانوية الفيلية الأهلية المسائية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here