العراق بين الخذلان والدمار بعد ماسموه وانقلبوا عليه تحرير وديمقراطية وألزموه ببنود قوانين مجحفة

العراق بين الخذلان والدمار بعد ماسموه وانقلبوا عليه تحرير وديمقراطية وألزموه ببنود قوانين مجحفة

أ.د.سلمان لطيف الياسري

لم تنه الاتفاقية الامنية بين العرا ق والولايات المتحدة الجدل حول التواجد الأميركي في العراق، مع اعتزام واشنطن استبدال الاحتلال العسكري المباشر بوصاية كاملة على العراق مدى الحياة، حيث يمكن لها التدخل في كل كبيرة وصغيرة تتعلق بحياة ومستقبل العراقيين.

ويعتبر الكثيرون الاتفاقية مجرد تغيير لشكل هذا الوجود وشرعنته من الناحية القانونية، فالتعذر بالبند السابع الذي فرضته اميركا ذاتها كسوط مسلط على سيادة الدولة العراقية منذ بداية حرب الخليج الثانية استخدم مجددا كوسيلة ابتزاز لتمرير اتفاقية وصايتها على العراق متناسين ان قرارات مجلس الامن ذاتها التي وصفت الحرب الاميركية ونتائجها على العراق بالاحتلال هي ذاتها من أبطل ونسخ كل القرارات التي سبقته. فلا بد من التطرق الى ما يسمى البند السابع من ميثاق الامم المتحدة، ومناقشة التداعيات الناجمة عن وجود العراق تحت طائلة هذا البند، ولا بد طرح تساؤلات اهمها ما افضل للعراق الخروج من طائلة هذا البند، ورفع الحصانة عن عن اموال مودعة في صناديق تنمية العراق الذي انشئ سنة 2003 بامر رئاسي من الرئيس الاميركي جورج بوش ام البقاء تحت طائلة هذا البند المجحف.

ماهي الضمانات التي ستقدم للعراق في لاخراجه من هذا البند بموجب الاتفاقية الامنيية، فالحجج االتي قدمت من قبل الساسة العراقيين والاميركيين للتعجيل بتمرير الاتفاقية قبل انتهاء التفويض الممنوح لها من الأمم المتحدة في 31 ديسمبر 2008ليست مؤسسة، المنطق والعقل يقول، انه يكفي ان تقدم الحكومة العراقية طلبا الى مجلس الامن وتبين فيه انتفاء الاسباب الموجبة لوضع العراق تحت وصاية البند السابع، ليقوم المجلس بما يجب لاحترام سيادة العراق.

كلنا يعلم ان دخول العراق في وصاية الفصل السابع كان عبر القرار 661 بعد دخول العراق الكويت عام 1990. وقد عادت الكويت الى ما كانت عليه، وبالتالي انتفت الحاجة ليبقى العراق تحت وصاية هذا الفصل، خاصة وان القوات الاميركية احتلت هذا البلد ، فماهي اذن مبررات إبقاء العراق تحت طائلة هذا الفصل وهو دولة تحت الاحتلال الأميركي وفاقد لأبسط أشكال القوة التي تخوله الحفاظ على أمنه الداخلي ، فضلاً عن تشكيله خطراً على الآخرين ؟

فالعراق بموجه احتلاله من قبل اميركا اصبح قانونيا وعمليا ومنطقيا خارج نطاق هذا البند، فلم يعد مهددا للأمن والسلم الدوليين بل ان سلمه وامنه مهددان بالاحتلال الاميركي. هذه هي الترجمة المنطقية لقرار مجلس الامن باعتبار القوات الاجنبية فيه هي قوات احتلال.

وعليه تم رفع كامل العقوبات الشاملة التي كانت قد فرضت على العراق، وعليه ايضا جرى اتفاق اعضاء مجلس الامن على جملة من القرارات والتوصيات تصب باتجاه ازالة الاحتلال الاجنبي ونقل السيادة الى الشعب العراقي.

ومن ضمن تلك القرارات اجراء انتخابات حرة ونزيهة ومستقلة لحكومة عراقية انتقالية يكون من حقها تقديم طلب رسمي الى مجلس الأمن لمطالبة القوات الأجنبية المحتلة بالخروج من العراق او التمديد لبقائها وجرى الاتفاق على ان تكون المراجعة نصف سنوية. معنى هذا ان مجلس الأمن لم يضع شروطا ليكون العراق سيدا على ارضه وثرواته وقراراته سوى طلبه بالتمديد او ابقاء القوات الاجنبية فيه.

وبهذا المعنى فان المجلس ونتيجة لمعارضته للتمادي الاميركي في موضوعة الحرب على العراق قد منح الحكومية العراقية امكانية مشروعة لاتخاذ قرار يساعدها على التمتع الفعلي بالسيادة إن ارادت.وان انتهاء التفويض الاممي ، وهو ما يعني حسب المحللين ان العراق ليس ملزم باي شكل من الاشكال العراق يتوقيع الاتفاقية الامنية.

فخطط اميركا والتي يراد من خلالها إخراج العراق من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة يأتي متماشيا مع سيناريوهات الاحتلالات السابقة ، وهي خطوة مماثلة لتلك التي سعى لها الاحتلال البريطاني في مطلع القرن الماضي ، فلقد عقد الاحتلال البريطاني عدة معاهدات مع الحكومة التي نصبها يومذاك ووافق المجلس التأسيسي والبرلمان اللذان أنشاهما البريطانيون ، فقد تم عقد معاهدات عام 1922 و 1930 و 1948.

وهي خطوة معتادة لدول الاحتلال لتكرس تحصيل مصالحها ضمن إطار يضفي عليها شرعية قانونية لكن الضغط الشعبياسقط معاهدة« بورت سموث» في عام 1948 والتي عرفت يومها بوثبة الشعب العراقي ، اشترك فيها العراقيون بجميع أطيافهم بغض النظر عن العرق والمذهب .

والان وبعدما شعرت اميركا ان الأمر لا يمكن ان يستمر على هذا النحو فوصاية المجلس على استمرار وجود القوات من عدمه لا يشكل ضمانة للتفرد الاميركي بالقرار العراقي، خاصة وان الشعب العراقي ضد هذا الوجود شكلا ومضمونا وقد يغري بعض المتعاونين لتأخذ مواقف ربما تسبب حرجا للسياسة الاميركية في العراق.

فالغموض يكتنف الأجندة الأميركية من وراء السعي لتأمين وجود طويل الأمد في العراق، وعلاقات ذلك بأطماع واشنطن وأهدافها غير المعلنة في المنطقة، فواشنطن تعتزم استبدال الاحتلال العسكري المباشر بوصاية كاملة على العراق مدى الحياة ، فيمكن لها التدخل في كل كبيرة وصغيرة تتعلق بحياة ومستقبل العراقيين.

أيضا فإن تحديد موعد لإنهاء الاحتلال العسكري لا يعني في حقيقة الأمر الالتزام به بالكامل أو سحب كل القوات الأميركية، أي أن الأمور تسير باتجاه إقامة قواعد عسكرية دائمة حتى وإن كانت الاتفاقية لم تتضمن هذا الأمر صراحة وهذا ما يظهر في تصريحات بعض المسئولين الأميركيين .

فقد اعلن بوش بأن الانسحاب من العراق سيخضع للتطورات الميدانية ، كما صرح جيف موريل الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية منتصف الشهرالماضي بأن القوات الأميركية لن تنسحب من العراق ما لم تتوفر الظروف المناسبة على الأرض لذلك، قائلا » هذه الوثيقة ( الاتفاقية الأمنية ) ستؤمن الإطار القانوني الذي يسمح لنا بمواصلة العمليات هناك«.

وبالإضافة إلى ما سبق ، فإن الاتفاقية رغم أنها لم تنص على الولاية القضائية الكاملة للجيش الأميركي على قواته في العراق ، إلا أنها منحت السلطات القضائية العراقية صلاحية محدودة لمقاضاة العسكريين الأمريكيين والعاملين في الشركات الأمنية الأمريكية الخاصة مثل بلاك ووتر .

وبالرغم من أن الاتفاقية في نصها الحالي تمنح الجانب العراقي للمرة الأولى حق معرفة خارطة التواجد العسكري الأميركي في العراق، بمعنى عدد القواعد وانتشارها، فإنها لا توفر إشرافاً عراقياً واضحاً على حركة القوات الأميركية، من وإلى العراق، ولا معرفة كافية بتسليح هذه القوات.

ما زال بإمكان القوات الأميركية تخزين أية أنواع من السلاح ترغب به في قواعدها العراقية، من السلاح التقليدي الثقيل، وسلاح الجو، إلى الأسلحة غير التقليدية. ولأن ما يسمى بالحرب على الإرهاب (والقاعدة) هو شأن قد أقر به الطرف العراقي، فإن أحداً لن يستطيع أن يفرض على القوات الأميركية حدود هذه الحرب.

صحيح أن الاتفاقية تقول بعدم استخدام العراق منطلقاً للاعتداء على دول أخرى؛ ولكن ذلك لن يمنع شن غارة جديدة على سوريا من الأراضي العراقية، أو على أية دولة مجاورة، بمسوغ متابعة عناصر مسلحة.

بعض العراقيين، ، ينظر إلى أن ضغوط إدارة بوش اضطرت الحكومة العراقية إلى القبول بهذه الاتفاقية؛ ولكن هذه الإدارة هي في طريقها إلى الأفول، على أية حال، وقد تعهد الرئيس المنتخب باراك أوباما علناً بالانسحاب من العراق ووضع نهاية لحرب لم يكن لها من مسوغ والتزامات أميركية عسكرية مكلفة.

أوباما، بالطبع، أعطى تصريحات من هذا القبيل؛ بل وجعل العراق، على الأقل في الانتخابات التمهيدية، مسألة جوهرية في تميز برنامجه الانتخابي. ولكن الرئيس المنتخب صرح أيضاً بأنه سيأمر بانسحاب «مسؤول» من العراق، وأنه سيترك قوة عسكرية أميركية في العراق ( لمباشرة مهمات، مثل مكافحة الإرهاب، تدريب القوات العراقية، وتوفير الحماية للبعثة الأمريكية الدبلوماسية، هائلة الحجم. وهذا بالتأكيد ما تستبطنه الاتفاقية الحالية، وما يمكن أن يطلق عليه القواعد العسكرية الدائمة.

حقائق

الفصل السابع وشروط تطبيقه

لقد وضع القرار 661 الصادر في 2 أغسطس العراق تحت البند السابع دون إعطاء أية أهمية لما ورد في الفصل السادس وحتى السابع وصدرت بحق العراق قرارات كثيرة تنص على الفصل السابع ووضعت هذه القرارات شروط وضع العراق تحت البند السابع للأسباب الآتية: وهي احتلال العراق للكويت وتهديده جيرانه بالاحتلال، وامتلاك العراق لأسلحة التدمير الشامل. عدم انصياع العراق لقرارات الأمم المتحدة.

هذه النقاط أعلاه دعت الأمم المتحدة وبقرارات من مجلس الأمن إلى إنهاء احتلال العراق للكويت ومن ثم إخلاء العراق من أسلحة التدمير الشامل والذي بموجبه تم تشكيل لجان التفتيش. وعليه فانّ تهديد العراق لجيرانه واحتلال الكويت قد انتهيا أصلاً في عام 1991م وبقيت الأمم المتحدة تحوم حول أسلحة التدمير الشامل ولجان التفتيش. الفصل السابع الذي تهدد به الولايات المتحدة الأميركية العراق اليوم والذي يمكن إجمال الالتزام بتطبيقه باستعمال القوة إذا توفرت الشروط الآتية:

ـ أن يكون نزاعا ما بين دولتين أو أكثر.

Volume 0%

ـ أن تفشل الأمم المتحدة في إحلال السلم والأمن الدوليين بصورة سلمية.

ـ أن تتبع الأمم المتحدة الأساليب العقابية الجزئية قبل اتخاذ القوة.

ـ أن تكون القوة تحت إشراف مجلس الأمن.

ـ أن تعقد الأمم المتحدة اتفاقيات مع الدول المشاركة لتنفيذ عمل محدود وبإشرافها.

ـ أن تعيد السلم والأمن الدوليين بإعادة الحال إلى نصابه وحل النزاع بين المتنازعين.

ـ يعتبر البند السابع مستوفي الشروط إذا انتهت الأسس المبني عليها دون الحاجة إلى قرار آخر ينص على رفعه.

توضيح

القرار 1762 أنهى لجان التفتيش

انّ القرار 1762 الصادر في 29 يونيو 2007م أنهى بصورة قطعية وجود لجان التفتيش وبذلك أنهى بصورة قطعية وضع العراق تحت مواد البند السابع وفق ما يلي:

1. انتهاء حالة النزاع بين دولتين بعد احتلال العراق في 2003م.

2. انتهاء مستلزمات وجود الفصل السابع على العراق بالقرارات 1483 و1500 و1511 و1546و 1762.

3. عدم وجود مادة تنص على ضرورة استصدار قرار لإلغاء قرار مجلس الأمن ذي العلاقة.

4. افتقاد العراق لسيادته وفق الفصل الأول والثاني من ميثاق الأمم المتحدة. وهكذا ووفق مواد البند السابع يكون العراق قد استوفى الشرطين الأوليين وانتهاء وجود النزاع بين دولتين نتيجة احتلال العراق من قبل أميركا في عام 2003م.

مما حدا بمجلس الأمن استصدار قراره المرقم 1483 والذي بموجبه أنهى التدابير التي أطلقها مجلس الأمن بقراراته السابقة والمتعلقة بالعقوبات المفروضة على العراق لانتفاء الشروط التي تستند إليها قراراته ولعدم وجود نزاع بين دولتين. إلا أنّ الولايات المتحدة وبصورة منفردة أصرت على بقاء لجان التفتيش.

على الرغم من اعتبار الدول الأعضاء الآخرين أن لا وجود لأسلحة الدمار الشامل وضرورة إنهاء وجود لجان التفتيش وهيئاتها المشكلة بقرار من مجلس الأمن. لذلك يكفي أن تقدم الحكومة العراقية طلبا إلى مجلس الأمن وتبين فيه انتفاء الأسباب الموجبة لوضع العراق تحت وصاية البند السابع، ليقوم المجلس بما يجب لاحترام سيادة العراق.

الاتفاقية الأمنية و«لغم» خطة الانسحاب

لن تذهب إدارة بوش، دون ترك ألغام وراءها أمام أي خطة لسحب القوات. كما يجب ألا نغامر في تفسير موقف «الانسحاب من العراق» المعلن من قبل الإدارة الجديدة على أنه بالضرورة انسحاب شامل ونهائي من دون ترك قواعد دائمة وراءها في أقل الأحوال في كردستان العراق وهو ما لا يتعارض بالأساس مع محتوى «الاتفاقية الأمنية». فالإدارة الجديدة لن تتخلى بالتأكيد عن مخالبها العسكرية وتريد الخروج من احتلال إلى وصاية تضمن لها مراقبة دول الجوار عن طريق بناء قواعد عسكرية دائمة واستغلال ثروات العراق.

الاتفاقية الأمنية التي صادق عليها البرلمان العراقي تمهد للاحتلال الدائم ولكن بشكل مستتر وليس علنيا كما هو حاصل الآن، فالمتابع لبنود تلك الاتفاقية وما صاحبها من ضغوط أميركية يلمس بوضوح أن واشنطن ضمنت الوصاية طويلة الأمد على العراق عبر مزاعم الانسحاب بحلول نهاية 2011.

وبالرغم من التطمينات الأميركية من أن الاتفاقية ستكون شفافة وليست فيها أي بنود سرية، إلا أن الكثيرين من أبناء الشعب العراقي متخوفون من أن يفرض الإطار الحالي لأميركا كقوة احتلال أساسا تستغله الإدارة الجديدة لتحقيق أهداف إستراتيجية تضرُّ بأمن وسيادة وثروات العراق على المدى البعيد. وهو ما دفع البعض إلى القول بان سيناريو جديدا سيظهر أمام العراقيين خلال الفترة القليلة القادمة غير ذلك الذي ظهر طوال «حقبة الوصاية الأممية على العراق».

فالغاية الكبرى من توقيع الاتفاقية الأمنية «العراقية الأميركية» تشريع وتقنين الوجود غير المشروع لقوات الاحتلال في العراق، وإطلاق يد قانونية لأميركا في العراق لسنين طويلة قادمة، مع وجود حكومة عراقية ضعيفة لا تستطيع الاعتراض على أي خرق، فالضغوط التي مورست على الحكومة العراقية لتوقيع تلك الاتفاقية تؤكد أيضا أن المخطط الأميركي للوصاية الدائمة على العراق لا يرتبط بشخص بوش أو أوباما وإنما هو سياسة رسمية مقننة تحمل أهدافا استعمارية طويلة الأمد.

ومن ضمن التهديدات وقف المساعدة الأميركية للقوات العراقية في حماية إنهاء مشاريع إعمار بقيمة 4 .9 مليارات دولار، إضافة إلى وقف استثمارات ومشاريع أميركية بقيمة 23 مليار دولار. وهو الأمر الذي جعل الاتفاقية تمر بالأغلبية المطلقة في البرلمان رغم اعتراضات الكتلة الصدرية.

وبموجب هذه المعطيات فلن يؤدي توقيع الاتفاقية، ولا الخضوع للأجندات الأجنبية دولية كانت أو إقليمية لاستعادة بلاد الرافدين لأمنها ولمكانتها، وسيكون من شأن ذلك شرعنة للاحتلال بدلا عن مقاومته. ولن يكون للعراق أمن حقيقي إلا حين يمسك أبناؤه بزمام مقاديره، ويمتلكون ناصية الحق في تقرير المصير.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here