النفاق وأثره على المجتمع

علاء كرم الله

يعد النفاق أحد أخطر الأبتلائات والأمراض الأجتماعية والنفسية التي أبتليت وعانت وتعاني منها المجتمعات العربية الأسلامية حصرا!. فلا أعتقد بأننا سمعنا يوما بأن المواطن في ( النرويج) يعرف ما هو النفاق ومن هم المنافقين وكيقية النفاق؟ كما لا أعتقد أننا سمعنا بأن أحد موظفي وزارة في (الدانمارك) عانى من نفاق أحد زملاء العمل معه وسبب له مشكلة كبيرة؟!، وهكذا في باقي دول أوربا. فقط النفاق والمنافقين تجدهم عند العرب المسلمين فأينما يحلوا وفي أي مكان من العالم يحل معهم النفاق؟! فهو ظلهم أينما حلوا وأرتحلوا! ويشكل النفاق جزء مهم وكبير من شخصية الكثير من المسلمين وحنى من تركيبتهم الجينية؟. ومن المفيد أن نذكر هنا بأن المنافقين قد ورد ذكرهم في القرآن الكريم بشكل واضح وصريح (36) مرة!، خلاف الآيات الأخرى التي ورد ذكرهم فيها ولكن ليس بشكل واضح وصريح!. كما أن الله عز وعلا قد توعد المنافقين بأقسى العقوبات، كما ورد في الآية 145 من سورة النساء (أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا). والملفت أن النفاق ولد منذ وجدت البشرية على هذا الكون!، فكم عانى الرسل والأنبياء من مكر المنافقين وخداعهم وكم تعرضوا من أذيتهم. ويكثر النفاق وتزداد قوة المنافقين وسطوتهم وتتسع رقعتهم كلما كانت البلاد تعاني من ظروف سياسية وأقتصادية مضطربة وتدخلات أجنبية وتحيط بها المخاطر من كل جانب وتكثر فيها الأزمات والمشاكل الأجتماعية من فقر وجهل وأمية وينهش بها الفساد، مما يفقد الدولة هيبتها وبالتالي تضعف سيطرتها على مفاصل الحكم، كما في المشهد العراقي الذي يعيشه العراقيين الآن!. والنفاق سلاح خطير، قاتل ، ساحق ، ماحق، يتحرك بصمت وبهدوء شيطاني مريب حتى يجهز على هدفه ويسبب ما يسبب له من مشاكل ولغط ويجعله لقمة في أفواه الجميع!. ونادر ما سلم أحدنا من لدغة وقرصة المنافق!، ومحظوظ من خرج سالما معافى ومقتنعا بأقل الخسائرمن تلك اللدغة والقرصة!، وخاصة في أجواء المشهد وصورة المجتمع العراقي المخيف والمرعب والمطوق بالنفاق والغيرة والحسد والحقد!. وكم من أناس غيبتهم السجون وكم فقدوا حتى حياتهم بسبب نفاق منافق، وكم من بنت ضاعت سمعتها بسبب نفاق منافق مريض مصاب بعقدة الشعور بالنقص!، وطبعا عندما نأتي على ذكر النفاق والمنافقين فنحن نقصد الرجال من المنافقين والنساء على السواء!. ولطالما أكتملت صورة النفاق والمنافقين مع وجود الغيرة والحسد والحقد!. فهذه الأمراض

الأجتماعية النفسية الرباعية عافاكم وأبعدكم الله منها أذا أصابت شخص ما فأنه لا محال سيتحول الى كتلة شر متحركة، ويكون بؤرة من بؤر الخراب ولا يأمن شره حتى وهو يطوف حول الكعبة!. المؤلم في صورة المشهد العراقي بأن مصيبته من هذه الأمراض كبلد عربي مسلم هو أكثر من باقي البلدان العربية الأسلامية!، لأن المجتمع العراقي أصيب بفتنة الطائفية التي لا تقل خطورة عن النفاق، التي جاء بها المحتل الأمريكي عام 2003 وزرعها ونشرها بين العراقيين ليزيد المجتمع العراقي تمزقا وتحطيما!. فلنتصور حجم الخطورة والتمزق الذي يعاني منه مجتمعنا وهو يجثم تحت وطأة وخطر النفاق والطائفية وتوابعهما ومكملاتها من أمراض الحسد والغيرة والحقد!!. وتتجلى صورة النفاق وكثرة المنافقين في أخطر وأعلى وأقوى صورها في دوائر الدولة ووزاراتها وكل مؤوسساتها الحكومية المدنية والعسكرية منها!. فهذا القطاع الحكومي بقدر ما يعاني من ترهل وتخمة في أعداد موظفيه ومنتسبيه فأنه يعاني من النفاق الذي يأكل وينهش بواقع هذه الدوائر كما ينهشها الفساد!. ومحظوظ من سلم وجنب نفسه لسان منافق ونظرة حاقد ونفس حاسد، وخاصة أؤلائك الموظفين الناجحين الذين يؤدون واجبهم بكل أخلاص وتفاني وأمانة والذين يحظون بأحترام ومحبة رؤسائهم وبقية الموظفين، فهؤلاء يكونوا أهدافا منتخبة للمنافقين ونفاقهم! . وحقيقة الأمر أن كل منافق تراه مصاب بأمراض الغيرة والحقد والحسد، لأن المنافق هو أصلا يعاني من عقدة الشعور بالنقص! وهذه الأمراض تكمل بعضها الأخرى. وكما أسلفنا أن صورة المنافق تكتمل وتصل الى أعلى درجات الخطورة عندما تكتمل كل هذه الأمراض والصفات الذميمة!. وقصص النفاق في دوائر الدولة المدنية منها والعسكرية كثيرة وكثيرة يشيب لها الولدان كما يقال!. وطالما سمعنا عبارة ( حركوا أو أحترك فلمه!)، والتي تعني أن مكر المنافقين وأذيتهم قد طالته!، وكم من موظفين خسروا وضائفهم ومناصبهم وأنتهوا حتى الى السجون بسبب نفاق منافق وكذبة حاقد وغيرة حاسد!. والنفاق يمكن أن يطيح ويضرب حتى بكبار الموظفين، كما حدث مع الدكتور (عامر عبد الجبار)! وزير النقل أبان فترة حكومة (المالكي) الأولى، فهذا الوزير المعروف بوطنيته ونزاهته وعلميته ومهنيته وحرصه على المال العام أعطي أجازة أجبارية!!، ولكن (المالكي) أستدعاه بعد شهر وأعتذر منه وأعاده الى منصبه كوزير للنقل بعد أن تأكد من نزاهته ووطنيته ومهنيته بالعمل وأن كل ما قيل عنه كان كذب ونفاق وتلفيق!، وهذا ما تحدث به الوزير نفسه في أحدى الفضائيات!. ولأن النفاق مرض أجتماعي عربي أسلامي بأمتياز!، فمن الطبيعي هو يصيب جميع قطاعات العمل، ولا أستثناء في ذلك، فالقطاع الخاص هو الآخر يعاني من نفاق المنافقين ولربما أكثر من القطاع الحكومي!. ومن المفارقات المؤلمة في موضوع النفاق والمنافقين في القطاع العام والخاص هو عندما يكون المدير العام أو

المدير المفوض أو الشخص الكبير المسؤول في العمل، أو رئيس مجلس الأدارة منافق ومن طراز خاص ونادر وتلك الطامة الكبرى!، فيقوم بأثارة المشاكل بين الموظفين ويزرع بينهم النفاق والفتنة والفرقة والعداوة بشتى الطرق والسبل لكي يسيطر عليهم!!، ومن الطبيعي أن لا أحد يجرأ أن يقول عن (أبن الشيخ بأنه معيوب وأيضا لا يمكن لأحد أن يقول عن بنت الشيخ معيوبة!). وطالما نقول أن المشكلة ليست بالمنافق بل بالمسؤول الذي يصدق ما ينقله المنافق له ويأخذ به دون تدقيق وتمحيص!. وهذا هو أحد الأسباب المهمة في أنتشار النفاق وتجذره في مفاصل الحياة الأجتماعية وفي عموم دوائر الدولة على وجه التحديد بشقيها الحكومي والخاص!. وأرى ومن وجهة نظري أن النفاق والمنافقين لعبوا دورا كبيرا وبشكل غير منظور بما وصل أليه العراق من حال لا يسر أحد. نعم أن النفاق سلاح قاتل صامت يفاجئك بلحظة وبموقف لم تحسب له حساب ولم يخطر لك على بال!. أخيرا نقول: أن تطور المجتمع وتقدمه وأزدهاره وحل أزماته العديدة وسيادة القانون وأعادة هيبة الدولة ونشر الثقافة والمعرفة وفهم الدين فهما حقيقيا كلها كفيلة لا نقول بالقضاء على هذه الآفة المدمرة بل بتحجيم النفاق والمنافقين على أقل تقدير. ولا بغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here