عزيز محمد والأخطاء القاتلة في تجارب بناء الاشتراكية

كاظم حبيب

[في الذكرى الرابعة لوفاته]

في 31/05/2017 توفي الرفيق عزيزي محمد، سكرتير الحزب الشيوعي العراقي الأسبق عن عمر ناهز الـ 93 عاماً قضى منها 76 سنة في النشاط السياسي منذ انتماءه لمنظمة هيوا (الأمل) عام 1941 عن عمر ناهز الـ 17 سنة، قضى منها 72 سنة في عضوية الحزب الشيوعي العراقي منذ أن انتمى إليه عام 1945، وخلال هذه الفترة المديدة من عمره قضى 48 سنة منها عضواً في اللجنة المركزية ومكتبها السياسي، أي منذ عام 1955، وبحدود 27 عاماً كان الرفيق عزيز سكرتيراً للجنة المركزية للحزب، أي منذ عام 1964 حتى عام 1993.

لم يكن سهلاً بالمرة الحصول على لقاء صحفي مع الرفيق عزيز محمد، السكرتير الأسبق للحزب الشيوعي العراقي. فهو مستودع أسرار الحزب الداخلية وعلاقاته الإقليمية والدولية، والأممية منها على وجه الخصوص، ولعقود عديدة خلت. وحافظ على ذلك المستودع حتى وفاته بعد أن بلغ الثالثة والتسعين من عمره. كان عزيز محمد يمتلك رأياً واضحاً وناضجاً في كل ما جرى ويجري بإقليم كردستان العراق والعراق عموماً، وفي منطقة الشرق الأوسط، وعلى الصعيد الدولي. فكان متابعاً سياسياً واجتماعياً وثقافياً نشطاً، وقارئاً هميما ونهما للكتب التي تقع بين يديه والتي يسعى للحصول علها، وله ذاكرة نشطة عن أحداث وشخصيات الماضي والحاضر، ولم تفته حتى قبل أيام من وفاته وقد زرته في بيته أحداث العراق الدامية ببغداد أو بنينوى أو بالأنبار أو غيرها، فهو قريب منها ويعاني مع الآخرين من عواقبها. لقد كان الرفيق فخري كريم والأستاذ بدران حبيب وكثير من الرفاق والأصدقاء يزودنه بكثير من الكتب الثقافة المتنوعة في السياسة والاقتصاد والمجتمع والتاريخ والدين. وكنت أتحاور معه حين أوصل له بعض الكتب، ومنها كتبي. إنها ليست بسمات جديدة لدى الرفيق عزيز محمد، بل هو معروف بها. مستمع ممتاز، قليل الكلام، يتحدث حين يُسأل، وحين يطرح وجهات نظره يدرك المقابل إنه أمام شخص يمتلك معرفة جيدة ومعلومات كثيرة وخبرة غنية. فهو لبق في أحاديثه، مالك لزمام اللغة العربية. جمله قصيرة غير معقدة، واضحة، ودقيقة، كمن ينقش في الحجر. إن ما قرأته له كان قليلاً، ولكنه كان واضحاً ودقيقاً فيما كتب. فهو مثقف عضوي ناضل منذ نعومة أظفاره، ولم يتخل عن ذلك حتى في شيخوخته، وهو مقتنع تمام القناعة بما ناضل من أجله، مشحوناً بإيمان إضافي بالقضية ذاتها، قضية الفكر الماركسي والنضال من أجل الاشتراكية، والتي تعني عنده العدالة الاجتماعية وسعادة الشعوب وازدهارها وسلامها الدائم، وغياب الاستغلال والاستعباد والحروب والدمار. وعلى هذا الطريق الطويل والصعب، طريق اليسار الاشتراكي، أو الشيوعي، لا يمكن للإنسان أن يصيب دوماً، فهنا يصيب وهناك يخطئ، وهي من سمات الأنسان الطبيعي. وكما قال السيد المسيح “من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر”. وكمناضل من أبناء شعب كردستان وشعب العراق، وضع نفسه في خدمة قضيتين متلازمتين، قضية الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والسعادة للعراق كله من جهة، والحقوق القومية للشعب الكردي وبقية القوميات بالعراق من جهة ثانية. وقد تجلى كل ذلك في النضال من أجل الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي، ومن ثم الفيدرالية وحق تقرير المصير للشعب الكردي. وكان واثقاً من أن النضال المشترك للعرب والكرد وبقية القوميات هو الطريق الوحيد لتحقيق الشعارات والأهداف الوطنية والقومية والديمقراطية. وقد التزم بثبات بشعار الحزب ” وطن حر وشعب سعيد”. وكان أبن بار للشعب العراقي وللشعب الكردي البار في آن واحد، وهو ما ميزه في نضاله المديد. وحين كان يناضل في العراق ومن أجل شعب العراق بكل قومياته، لم ينس قضيتين مهمتين في نضاله: حركة التحرر الوطني العربية ومنحها الكثير من وقته وجهده،

وبضمنها قضية الشعب الفلسطيني وعدالة هذه القضية ودعوته ضمن شعار الحزب إلى وجود دولتين متعايشتين بأمن وصداقة وسلام على الأرض الفلسطينية، الدولة الفلسطينية والدولة الإسرائيلية، وقضية الأرض والأمة الكردية الموزعة والمقسمة على أربع دول في منطقة الشرق الأوسط ووحدتهما، وحدة الأرض والأمة الكردية. لقد كان عزيز محمد من الملتزمين بشعار مرحلة النضال ما بعد الحرب العالمية الثانية، الشعار المركزي الذي رفعه الحزب بقيادة الرفيق فهد، وكتب عنه حسين محمد الشبيبي كراسه المعروف “الجبهة الوطنية الموحدة”، وأكده في فترة توليه قيادة الحزب الشيوعي العراقي، بغض النظر عن المصاعب والملابسات والأخطاء التي رافقت تطبيق هذا الشعار في نضال وتاريخ الحزب الطويل. إن عدم رغبته في اللقاءات الصحفية كان ينبع من تجنبه الخوض في، أو الانجرار إلى، قضايا لا تعتبر حتى الآن ماضياً منتيهاً، بل هي ما تزال حاضراً مستمراً، تستوجب الدقة في فهمها والتعبير عنها أو حتى إعطاء الحكم بشأنها من جهة، وخشيته من احتمال تشويه تصريحاته لغرض في نفس يعقوب، أو لسبق صحفي غير صحيح، أو لعدم فهم محاوره محتوى ما أراد قوله وصاغه بالطريقة التي فهمها من جهة ثانية، إضافة إلى ابتعاده عن احتمال حصول إساءة لمن اساءَ إليه، وتجنبه الإساءة لمن يستحق ذلك، كجزء من تربيته العائلية والحزبية. في فترة النضال المشترك والمستمر اتفقنا واختلفنا في الرأي، وهو أمر طبيعي، وربما ضروري، حين يكون الاختلاف غير مفتعل، ولكن لم يؤثر على العلاقات الإنسانية والاجتماعية، على العلاقة الرفاقية والصداقة التي جمعتنا، وعلى الود والاحترام المتبادلين.

اللقاء الحواري الأخير، الذي تم مع الكاتب والصحفي السيد حمدي العطار (جريدة الزمان)، الذي وجه له كثير من الأسئلة المهمة في مجالات كثيرة ومهمة، ابتداءً من أوضاع الحزب الشيوعي العراقي في السابق وعن الحزب الشيوعي الكردستاني وسبب قيامه، وعن الدول الاشتراكية وعوامل انهيارها، وانتهاءً بالأسئلة عن الشيوعية وآفاقها وعن الأوضاع بالعراق وكردستان العراق، كان مهماً وحيوياً، رغم أن جزءاً من هذا الحوار لم نطلع عليه ولم ينشر. ويبدو لي إن هذا اللقاء كان استكمالا للقاء الذي أجراه الصحفي المميز والصديق توفيق التميمي المغيب قسراً منذ شهرين في فترة حكم سفاح العراق عادل عبد المهدي حيث اختطف ولم يفرج عته حتى الآن، قبل عدة سنوات، مع ملاحظة مهمة هي أن الحوار الجديد كان أكثر قدرة في التعبير عن رأي الرفيق عزيز محمد بشأن واقع الأخطاء القاتلة التي ارتكبها الحزب الشيوعي وقيادته في الاتحاد السوفييتي وبقية الدول الاشتراكية، وهي مسألة مهمة جداً وضرورية. إذ كان لهذه الأخطاء الفادحة تأثيرها السلبي الكبير على مجمل الحركة الشيوعية العالمية وحركة اليسار العالمية وحركة التحرر الوطني بالبلدان النامية، ومنها العراق.

لا أنوي المرور على كل المحاور التي تطرق لها الرفيق عزيز محمد، رغم أهميتها والحاجة إلى مناقشتها، بل سأركز على نقطة واحدة مهمة حقاً طرح رأيه فيها ولأول مرة وعلى النحو التالي: “إن انهيار الاشتراكية أو دول المعسكر الاشتراكي لا يتعلق بفشل الاشتراكية، بل ترتبط بالممارسة والتطبيق والأخطاء المرتكبة من قبل الأحزاب الشيوعية الحاكمة…، إن الاشتراكية ستبقى هدفا تناضل البشرية من أجله، ما دام هناك الاضطهاد والتفاوت الطبقي والاجتماعي، لا بد أن تنتصر الاشتراكية في النهاية.” (جريدة الزمان، الأمين العام السابق للحزب الشيوعي العراقي عزيز محمد في حوار مع (الزمان): الأحزاب الشيوعية الحاكمة فقدت مصداقيتها وتحولت إلى نخب ذات امتيازات، حمدي العطار، عدد يوم الثلاثاء 10/5/2016). هذا التقدير الذي طرحه الرفيق عزيز محمد، وفيه تفاصيل مكثفة لرؤيته للأخطاء التي ارتكبها قادة الدول الاشتراكية من الناحيتين النظرية والعملية، وفقدان الحس الثوري، وفقدان العلاقة الحميمة مع المجتمع، وعدم فهم مقولة “الحرية إدراك أو وعي الضرورة”، وهي مقولة فلسفية تجسد الرؤية السليمة لضرورة الحرية في المجتمعات الاشتراكية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وهو الجزء الأول من الفكرة التي طرحها عزيز محمد، أما الجز الثاني منها فيكمن في حقيقة إن الاشتراكية قادمة في مستقبل الأيام لا ريب في ذلك، فهي مستقبل البشرية. إنه استنتاج سليم جداً، ويعبر عن فهم لطبيعة

وفعل القوانين الخاصة والعامة للنظام الرأسمالي العالمي أولاً، وعن فهم لطبيعة وحركة وفعل قوانين التطور الاجتماعي ثانياً. وما يجري بالدول الرأسمالية المتقدمة وفي العلاقات الداخلية بين الطبقات والفئات الاجتماعية من جهة، والعلاقة بين هذه الدول والدول النامية، أو حركات التحرر الوطني، ونضالها من أجل التقدم الاجتماعي من جهة ثانية، يدلل بما لا يقبل الشك بأن الصراعات الطبقية والتفاوت المتفاقم والفجوة المتسعة بين مالكي وسائل الإنتاج، ومالكي قوة العمل الجسدية والفكرية، بين الأغنياء والفقراء، آخذة بالتنامي المتباين في سرعته بين دولة وأخرى، والذي يعيد الصراع الذي تفاقم في أوائل القرن العشرين، متخذاً اليوم نهجاً مماثلاً، مع فارق أساسي، يبرز في كونه يتم في ظل النظام الرأسمالي الأكثر عولمة، والأكثر استغلالاً، والأكثر هيمنة على العالم، والأكثر فساداً وتدميراً لثروات وموارد الشعوب، والمقترن بمنجزات الثورة العلمية والتقنية، ثورة الاتصالات والمعلومات، ثورة الإنفوميديا Infomedia Revolution الجارية، التي تتضمن الجمع بين الحوسبة والاتصالات والإعلام أو المعلوماتية.

قبل أكثر من عشرين عاماً نشرت مقالاً في جريدة الزمان اللندنية، جرى تشويه عناوينه الداخلية، فقاطعت النشر في الجريدة منذ ذلك الوقت حتى الآن. إذ شوه محرر الجريدة ما كتبته، عندما وضع عنوان ثانوي كان كما يلي: ” يقول حبيب الاشتراكية سقطت وإلى الأبد”! قدمت احتجاجاً للجريدة، إذ لم يكن هذا العنوان ولا مضامين المقال يشيران إلى ذلك من قريب أو بعيد، بل كان من عنديات وأفكار محرر الجريدة، إذ إن المقال، ومقالات كثيرة أخرى ومحاضرات قدمتها في مختلف الدول الأوروبية وفي ندوات كانت وما تزال تؤكد ما أشار إليه الرفيق عزيز محمد، حيث اكدت ذلك وفي محاضرات ولقاءات ومقالات كثيرة يمكن أن يعثر عليها القارئ أو القارئة في موقع الحوار المتمدن:

** الرأسمالية لها بديل، إنها الاشتراكية، ولكن متى يمكن البدء ببناء الاشتراكية؟ إنه السؤال الأهم. إن مستلزمات تكوين البديل تنشأ في رحم النظام الرأسمالي، ولا شك في أنها ستتخذ وقتاً غير قصير، وإن الرأسمالية ما تزال تمتلك رصيداً لم يأت أجلها النهائي. ** إن انهيار أو سقوط الدول الاشتراكية القائمة في الواقع: ** لا يعني بأي حال من الأحوال انتصار الرأسمالية على الاشتراكية؛ ** ولا يعني بأي حال من الأحوال فشل الاشتراكية كفكر وكأسلوب إنتاج بديل عن أسلوب الإنتاج الرأسمالي. ** وإن سقوط النظم الاشتراكية القائمة في الواقع ارتبط بأخطاء فكرية وسياسية، نظرية وعملية، من جانب من قاد الدول الاشتراكية منذ البداية، وبشكل خاص قادة الدولة السوفييتية، فهم الذين كانوا يقودون الدول الاشتراكية بعد قيامها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، الذي كان يقود الحركة الشيوعي العالمية، ويؤثر بقوة على مجمل الحركة اليسارية العالمية إيجاباً أو سلباً. ** وأن الأحزاب الشيوعية وقادة الدول الاشتراكية لم يعوا بما فيه الكفاية، العلاقة الجدلية بين الاشتراكية والحرية، بين العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان الأخرى، بين الواقع والحلم، وتعجلوا كثيراً في حرق المراحل التي لا يمكن ولا يجوز القفز عليها، وأساءوا بذلك للمادية الديالكتيكية وللنظرية العلمية التي قال عنها إنجلز بـ “إن الماركسية ليست عقيدة جامدة، بل نظرية هادية”. لقد سقطوا في رؤية رغائبية ذاتية بحتة، بدلاً من اعتماد واستخدام أدوات التحليل العلمي للوصول إلى الاستنتاجات التي يقررها الواقع الفعلي القائم وتتناغم مع قوانين التطور الاقتصادي والاجتماعي الموضوعية. ** إن العراق والدول العربية وغالبية الدول النامية ما تزال تعيش في ظل العلاقات الإنتاجية ما قبل الرأسمالية أو الرأسمالية المتخلفة والتابعة واقتصاداتها مكشوفة على الخارج استيراداً وتصديراً، كما تعاني من ضعف شديد في مستوى تطور القوى المنتجة، والوعي الاجتماعي ما يزال متخلفاً بسبب تخلف بنية الاقتصاد وما يقترب به من تخلف في البنية الطبقية للمجتمع، مما يجعل من الاشتراكية مرحلة لاحقة لمهمات أخرى، أي إن هذه البلدان، ومنها العراق، هي ما تزال في مرحلة البناء الديمقراطي للتخلص من بقايا علاقات الإنتاج ما قبل الرأسمالية وبنيتها الاجتماعية والوعي الاجتماعي الناجم عنها، أي إنها ما تزال تواجه تنمية العلاقات الإنتاجية الرأسمالية الوطنية، وبمشاركة واعية من قطاع الدولة والقطاع الخاص، وبناء القاعدة المادية للتحولات اللاحقة.

إنها المرحلة التي تستلزم تعاون وتحالف الطبقات الاجتماعية الوطنية التي يهمها تحقيق التطور الاقتصادي والتقدم الاجتماعي وتغيير البنية الاقتصادية والاجتماعية والوعي الاجتماعي.

إن الشعوب التواقة إلى الحرية والاشتراكية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والأمن والسلام في العالم، ستبقى تناضل ضد الاستغلال والاستعباد، ضد الفساد ونهب الخيرات، وضد العدوان والحروب والإرهاب الفكري والسياسي. إن سقوط الدول الاشتراكية، وأسباب ذلك معروفة، وأشار إليها باختصار وصواب شديد الرفيق عزيز محمد، قد منح الدول الرأسمالية المتقدمة فرصة ثمينة للاستفراد بالشعوب واسترداد المكاسب التي حققتها الطبقة العاملة والشعوب المناضلة عبر مسيرتها الطويلة، وتكشف من جديد عن بشاعة وجه الرأسمالية المعولمة وممارساتها الفعلية، وعن استعدادها لتشديد الاستغلال، ونهب الخيرات، وشن الحروب الإقليمية وتأجيجها، وتشديد سباق التسلح في العالم، وتشكيل منظمات إرهابية للاستفادة منها ضد نضال شعوبها، كالقاعدة، وداعش، وجبهة النُصرة، وأحرار الشام، وبوكو حرام، وأنصار السنة، وميليشيات طائفية مسلحة شيعية، على سبيل المثال لا الحصر، وتحقيق أقصى الأرباح من خلال التأثير المباشر على حكومات الدول التي تأتمر بأوامرها، وتمارس سياسات مناهضة لمصالح شعوبها، كما هو حال جميع دول الشرق الأوسط ونظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون استثناء.

إن سقوط الدول الاشتراكية يفترض اعتباره تجربة غنية جديدة للمناضلين من أجل الاشتراكية في كل أرجاء العالم، تلك التجربة الثانية التي بدأت في ثورة أكتوبر/تشرين الأول 1917 الاشتراكية، وهي التجربة التي تلت كومونة باريس في أذار/مارس 1871. وأن من واجب كل المناضلين من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وفي سبيل الأمن والسلام في العالم دراسة هذه التجربة الغنية بكل ابعادها وأشكال ظهورها في الدول التي أقيمت فيها، الآسيوية منها أو الأوروبية، وأسباب انهيارها، لتكون زاداً غنياً للمناضلين في جبهة اليسار العالمي من شيوعيين واشتراكيين وماركسيين وديمقراطيين تقدميين.

كان مهماً ومفيداً، كما أرى، أن تناول الرفيق عزيز محمد قضايا الساعة بالعراق وإقليم كردستان قبل وفاته بقليل، بالتحليل والتدقيق واستخلاص ما كان يراه مناسباً حول الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتوترة حينذاك، وكذلك العلاقات فيما بين الأحزاب الكردستانية الحاكمة وغير الحاكمة، وما يمكن أن يقدمه من نصح على المستوى العراقي وإقليم كردستان العراق، إذ كانت لديَّ القناعة بأن هناك كثير ممن يستمعون له، وربما يتجاوبون معه بما يطرحه من أراء ومواقف، بمن فيهم قادة الأحزاب، لتجاوز المحنة التي كان يمر بها الإقليم على أقل تقدير، والتي يمر بها الآن أيضاً. إذ إن مخاطر كثيرة كانت وما تزال تحيط بالعراق وبالإقليم، والعواقب السلبية المحتملة لا يمكن استبعادها، ضمن حساب الاحتمالات التي تواجه مكونات الشعب العراقي القومية. إن المعرفة والخبرة والحكمة والمشورة الذكية مطلوبة للأصدقاء في الإقليم، وأكثر من أي وقت مضى، في مواجهة ما يجري على الساحة السياسية العراقية والكردستانية، وهي قليلة نادرة في هذا الزمن الرديء الذي يمر به العراق بتعدد قومياته. إن ما حصل قبل الحرب الأخيرة (2003) واحتلال العراق، في أعقاب إسقاط الدكتاتورية الغاشمة، وإقامة النظام السياسي الطائفي-الأثني والمحاصصة الطائفية والفساد المستشري. إن انتفاضة الشعب العراقي قد أكدت بما لا يقبل الشك بأنه قادر على أخذ زمام المبادرة بعد أن استطاع فرض الاستقالة على أحد رؤوس النظام المتعفن، على حاكم طائفي انتهازي متقلب الفكر والسياسية والتبعية وسفاح في آن واحد. والانتفاضة سوف لن تتوقف إلى أن يتحقق لها ما انطلقت من أجله، لتحقيق شعارها المكثف والعميق والوسع المعاني: نازل أخذ حقي وأريد وطن!

لقد نشرت مقالا أخيرا تمنيت فيه أن يعيد قادة الحكم في كردستان بسياساتهم ويعيدوا النظر بشعار النضال العربي الكردي وبقية القوميات المشترك لضمان تحقيق المهمات الأساسية، تحقيق الديمقراطية والحكم الاتحادي الديمقراطي العلماني في العراق والحكم الفيديرالي الديمقراطي في إقليم كردستان العراق لتندفع عجلة التنمية والتقدم والعدالة الاجتماعية والسلام إلى الأمام.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here