إثر غياب سليماني .. إرباك وفوضى في المعسكر الإيراني يسبق المفاوضات العراقية الأميركية

تسود حالة من الإرباك والتوتر لدى الكتل السياسية والفصائل المسلحة، مع قرب موعد المفاوضات العراقية الأميركية بشأن العلاقة المستقبلية بين البلدين، في ظل غياب الآمر الإيراني، الذي يوجه بوصلة المصالح ضمن بنود الاتفاق المزمع بحثه منتصف الشهر المقبل.

وعلى الرغم من ترحيب طهران الضمني بالدعوة التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى حوار إستراتيجي مع الحكومة العراقية لبحث مستقبل وجود القوات الأميركية في العراق، إلا أنها تتعامل مع هذا التطور بكثير من الحذر بشأن النتائج التي قد ينتهي إليها هذا الحوار.

وتتخوف طهران من مخرجات هذا الحوار، والوقائع التي سيكرسها، ومدى ملاءمتها لمصالحها في البلاد، خاصة وأن تبعات مثل تلك النتائج ستكون طويلة الأمد، وستحدد شكل العلاقة حتى بين بغداد وطهران.

اجتماع حاسم مرتقب

في هذا السياق ، ذكر نائب في البرلمان العراقي ، أن ” القوى السياسية العراقية، المقربة من طهران، مثل تحالف الفتح، بزعامة هادي العامري، وائتلاف دولة القانون، بزعامة نوري المالكي، وحلفائهما، يعيشون حالة من التوتر، والإرباك، ومن المقرر أن يعقدوا اجتماعاً الأسبوع المقبل، لبحث البنود الواجب حضورها في أجندة المفاوض العراقي، والاشتراطات التي تريدها تلك الكتل، والنتائج التي ستكون مقبولة في مقاييسها، بالإضافة إلى الإجراءات المتبعة في حال جاءت النتائج على خلاف ما ترغب هذه الكتل”.

وأضاف النائب الذي طلب عدم الكشف عن اسمه ، لـ(باسنيوز) أن ” تحالف الفتح بزعامة هادي العامري ، منشطر على نفسه في هذا الملف ، وبالتحديد مسألة إخراج القوات الأميركية، بشكل نهائي، أم الإبقاء على مدرّبين ومستشارين للقوات العراقية، فضلاً عن مسألة الحشد الشعبي، وطبيعة التعاطي معها، في حال طالبت واشنطن، إجراء ترتيبات على وضعه، وإبعاد بعض الفصائل”.

وبحسب النائب ، فإن ” المباحثات بين تلك الكتل ستنطلق بغياب الموجّه الإيراني ، وهو الفراغ الذي تركه غياب قائد فيلق القدس قاسم سليماني، الذي بالتأكيد سيكون حاضراً، لكن خليفته اسماعيل قآني لا يمكنه لعب هذا الدور في الوقت الراهن، فضلاً عن غياب المهندس”.

ويرى مراقبون، أن غياب سليماني والمهندس، سيعقّد الحوارات داخل الكتل الشيعية، بشأن طبيعة المفاوضات مع الجانب الأميركي، إذ أن الخلافات مستعرة بين الكتل، حيال هذا الملف، بحسب قربها وبعدها من النفوذ الإيراني، خاصة وأن مسألة اختيار الكاظمي، والاتفاق عليه، صعّدت وتيرة تلك الخلافات وأدت إلى تشنج المواقف بينها.

وقد زاد من منسوب هذا الحذر والقلق لدى طهران، المواقف والرهانات السياسية لبعض القوى السياسية العراقية على الحوار، وما يمكن أن يؤسس له من مسار جديد داخل السلطة العراقية في التعامل مع الحضور والنفوذ الإيراني في البلاد، في ظل صمت رسمي حول أبعاد هذا الحوار، الذي من المفترض أن تستغله بغداد لتكريس التعاون الإستراتيجي مع واشنطن في مجالات التنسيق العسكري والأمني وتدريب الجيش العراقي وتسليحه وحجم الاستثمارات التي ستقوم بها الولايات المتحدة لإخراج العراق من دائرة الانهيار الاقتصادي، وما يعنيه ذلك من شروط أميركية تتعلق بمستقبل العلاقة بين بغداد وطهران.

ولم تتضح لغاية الآن، بنود الاتفاق بين الجانبين، والأطر العامة للحوار، والملفات التي سيتناولها ، لكن توقعات وتحليلات أشارت إلى أن الحشد الشعبي، وطبيعة وجودة سيكون على رأس تلك الملفات، والتعاون العسكري، بالإضافة إلى الدعم الاقتصادي، والنفوذ الإيراني.

المليشيات تستبق المواقف وتحذر!

وحذر أبو آلاء الولائي ،  زعيم مليشيا كتائب سيد الشهداء الموالية لإيران الحكومة من تناسي “دماء وأيتام وأرامل الشهداء” خلال مفاوضات تنظيم العلاقة مع الولايات المتحدة، التي ستبدأ الشهر المقبل.

وقال الولائي، إن المفاوضات الرسمية بين العراق والولايات المتحدة ستبدأ قريبا، داعيا المفاوض العراقي “وهو يطالب بطرد الأميركان من العراق”، إلى تذكر “دماء وأيتام وأرامل الشهداء”، وإلا فإنه سيكون خائنا.

وأضاف الولائي متحدثا عن المفاوض العراقي ومن خلفه حكومة الكاظمي “إذا اعتقد أن من حق الأميركان البقاء في العراق ولو بجندي واحد، فهو خائن”.

وتابع “سنراقب ذلك عن كثب ، فإذا أنتجت المفاوضات رحيلهم ومعاقبتهم إكراما للشهداء فبها ، وإذا دون ذلك وسكتنا فنحن خائنون”.

حضور إيراني أم للوكلاء؟

ويقول مراقبون إن إيران تدرك حالة الضعف الكبيرة التي تحيط بالكاظمي حاليا، لكن السيء بالنسبة إلى طهران أنها تمر بظروف مماثلة، تُضاف إليها عقوبات أميركية عمقت لديها الأزمة الاقتصادية، لذلك قد تعتمد هذه  المرة على وكلائها في العراق، لضمان مصالحها، وعدم تعريضها للخطر، وهو في حال حصوله، سيكون أول مرة، تعتمد طهران بشكل كامل على هؤلاء الوكلاء، إذ كانت تعتمد على قائد فيلق القدس قاسم سليماني، في إدارة الملف العراقي ، بشكل كامل.

لكن المحلل السياسي ، عماد محمد ،  يرى أن “طهران ستراقب عن كثب طبيعة المفاوضات العراقية الأميركية، وستكون حاضرة وبقوة في هذا الملف، ولا يمكنها التفرج، على تهديد مكتسباتها أو فقدانها، وهي التي بذلت الكثير للحصول عليها، في الساحة العراقية، لذلك يبدو أن عدداً من القادة الإيرانيين سيكونون معتمدين في التدخل بهذا الملف، ومحاولة التأثير على المفاوضين العراقيين، وحتى التدخل في مسألة اختياراتهم”.

ويرجح محمد، خلال حديثه لـ(باسنيوز) أن “الأمين العام للمجلس القومي الإيراني، علي شمخاني، وقائد فيلق القدس الجديد، إسماعيل قآني، سيكونان المعنيان بهذا الملف، وربما نشهد زيارات متتالية إلى العراق، خلال الأيام المقبلة، للنظر في طبيعة هذا الحدث الأهم بالنسبة للعراق في الوقت الراهن”.

وتابع، أن “إيران لا تثق كثيراً بوكلائها في العراق، ليس من ناحية الولاء، ولكن لجهة القدرة على إثبات المواقف، واستحصال المكاسب، خاصة وأن تلك الجهات ورّطت طهران في جملة ملفات ، مثل مقتل المتظاهرين ، وتشويه صورتها في الداخل العراقي ، وغير ذلك”.

ويوم أمس، نقلت وكالة رويترز عن مسؤول إيراني رفيع المستوى طلب عدم الكشف عن اسمه قوله “أحيانا ينبغي لك أن تأخذ خطوة إلى الخلف، وتراقب وتخطط بناءً على الحقائق على الأرض”.

وأضاف “نحن نريد أن يرحل الأميركيون عن المنطقة. إذا كانت هناك فوضى في العراق… سيستغلها الأميركيون ذريعة لتمديد بقائهم”.

وذكر مسؤول غربي أن طهران ترغب على ما يبدو في الحد من التوتر العسكري مع الولايات المتحدة “في الوقت الحالي لكن نزعتها التوسعية في المنطقة، حيث يوجد حلفاء لها في لبنان وسوريا واليمن، لا تشير إلى تهدئة التوتر بشكل شامل”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here