الرواتب مضمونة الرواتب غير مضمونة

الرواتب مضمونة الرواتب غير مضمونة

جاسم الحلفي

تم تأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين لشهر آيار وسلمت من الاستقطاع، حسب بيان المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء، الصادر يوم ١٩آيار. واذا كان هذا الخبر قد بعث الطمأنينة، ولو مؤقتا، في نفوس من ينتظرون استلام رواتبهم كاملة، خاصة من محدودي الدخل ومن لا مورد غيره عندهم لتدبير معيشة عوائلهم ومتطلباتها، فان القلق يبقى يقض مضاجعهم على رواتب الشهور القادمة.
وحين نتابع فقرات البيان الأخرى، التي تعرض لقرارات الجلسة الإعتيادية الثالثة لمجلس الوزراء، لا سيما المتعلقة بالجانب الاقتصادي، نجد ان رواتب الأشهر اللاحقة، أي حزيران وما بعده، لا تزال غير مؤمنة، الامر الذي يستلزم “إتخاذ الإجراءات الكفيلة بالسماح لوزارة المالية بالإقتراض لتغطية العجز المالي الناجم عن انخفاض أسعار النفط”، كما نص البيان.
والذهاب الى الاقتراض الداخلي ممكن طبعا في ظل هذه الازمة، لكن الخطورة تكمن في الاقتراض الخارجي، لأن القروض المستحصلة من الخارج سترافقها شروط. وإذْ لا مجال هنا لاستعراض شروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فتبقى الإشارة الى آثار وصفتيهما على الدول التي اضطرت الى طلب المعونة او الاقتراض منهما، وهما المؤسستان اللتان تعدان من أذرع المنهج النيوليبرالي، وسعيه الى الهمينة على مقدرات الشعوب وإجبار الأنظمة على اتباع نظام اقتصادي استهلاكي تابع. مثلما ان الدول التي تمنح القروض تنطلق أساسا من مصالحها، فهي في نهاية المطاف ليست منظمات خيرية!
اما بشأن الخطوات العاجلة التي تؤمن الاحتياجات الضرورية، كالرواتب والخدمات، فطريقها سهل جدا، لكنه يحتاج الى جرأة في القرار وشجاعة وحزم في التنفيذ، وهو يبدأ بحجز أموال طغمة الفساد واملاكها واطيانها وبنوكها وفضائياتها، والمباشرة باستجوابهم استنادا الى القانون الذي سبق ان صوت عليه البرلمان (قانون من أين لك هذا؟). وهناك قضايا ملموسة يمكن البدء بها فورا، ونعني تدقيق جميع العقود والعطاءات وكذلك الموازنات المالية السابقة وحساباتها الختامية!
اما الحل الجذري فيكمن في اعتماد رؤية اقتصادية جديدة تشجع وتحمي الصناعة الوطنية والزراعة، وفي وضع ضوابط واضحة لدعم المنتوج الوطني، وعدم السماح بتدفق السلع التي ينتج مثيل لها في العراق، واتباع نهج التنمية المستدامة، وبعكسه تبقى البلاد في لجة الازمات الاقتصادية والمالية المتفاقمة. هذا السبيل السليم لا يمكن ان يتنفس في ظل الفساد، الذي لا بد من التصدي له بخطوات ملموسة وحقيقية وحلول شاملة.
وما يؤسف له ان الاجراءات المتخذة في اطار هذه الوجهة، ما زالت تصطدم ببيروقراطية الدولة والفساد المتفشي فيها. فقرارات منع استيراد السلع التي تم تحديدها لم تطبق، والبضائع المحظور استيرادها لا تزال تتدفق على الأسواق. وهكذا لم يبق الفساد شيئا من الإجراءات المذكورة. فالرشوة هي سيدة الموقف، و”بقدرتها” تُرفع الموانع، ويُضاء اللون الأخضر للسماح بمرور أية سلعة، مهما جرى تأكيد عدم حاجة السوق العراقية اليها، وبمنتهى السهولة!
وما يزيد من خيبة الامل تغوّل قدرات طغمة الفساد، التي وصلت الى بعض المستشارين والاقتصاديين، الذين عادوا بنغمة توقع ارتفاع أسعار النفط، والغاية من ذلك هي اضعاف التوجه نحو بناء اقتصاد حقيقي يعتمد الصناعة والزراعة، والإبقاء بدلا من هذا على الاقتصاد الريعي، كي يبقى العراق ذا منهج اقتصادي تابع، تترسخ فيه نزعة الاستهلاك وليس الانتاج.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص2
الجمعة 29/ 5/ 2020

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here