الوفاء الصادق

الوفاء الصادق

في بداية ثورة تموز ١٩٦٨ لم يكن لدي وظيفة محددة، وقد نُقلت حينها من وزارة التربية الى المكتب الاستشاري لمجلس قيادة الثورة. وكان ارتباطي المباشر هناك بالرئيس البكر، ولكن عملي كان خارج أسوار القصر، واقتصر فقط على ما يكلفني به الرئيس البكر رحمه الله.
وفي احد الأيام، ولا اتذكر تماماً ان كان ذلك في عام ١٩٦٨ ام بداية ١٩٦٩ او وربما ١٩٧٠، استدعاني الرئيس البكر وطلب مني ان اذهب الى سجن رقم واحد في معسكر الرشيد حيث يوجد هناك موقوف اسمه عبد الرحيم فيلي، وقال لي: بلغه سلامي، وقل له إن ليس لدينا قضية ضده، وان كل ما يهمنا هو ان نعرف ماهو سر علاقته بطاهر يحيى.
وعندما وصلت السجن، وجدت الموقوف في غرفة واسعة ومفروشة جيداً، وبعد السلام أبرزت له هويتي واعلمته ان الرئيس عمي “في ذلك الوقت لم اكن متزوجاً”.
رحب بي، وكانت معالم الاطمئنان والهيبة تظهر عليه. بادرته سائلاً: (هل تعلم لماذ انت هنا؟)
اجاب بالنفي، وأضاف “بروح إيمانية عالية”: اني رجل مؤمن بربي وبما كتبه الله لي.
قلت له: انا اعرف ذلك، واذا ساعدتني، ستنتهي قضيتك بسرعة وتعود الى عائلتك.
اجاب: ساعاونك بما يرضي الله.
قلت: ارسلني اليك الرئيس البكر، وانت تعرف انه يخاف الله، ولن نطلب منك الا ما يرضي الله والوطن. وتعهدت له ان هذا الحوار سيبقى سراً طي الكتمان، ولن يطلع عليه احد حتى لو كان من أعضاء القيادة، واني سابلغه للبكر فقط.
ثم سالته: ما هي العلاقة بينك وبين طاهر يحيى؟
اجاب: انه صديقي، بل مثل اخي.
وسألت ثم ماذا؟ اجاب هذا كل شئ، انا صديقه وليست لي اية علاقة lسياسية معه. تجمعنا الصداقة والأخوة فقط.
سالته: وعندما يوفدك طاهر الى ايران أليست هذه سياسة؟
اجاب: كلا ليست تلك سياسة، انا رجل ذي مكانة دينية، وتاجر ولي تأثير كبير في سوق البزار في ايران، وعندما كانت العلاقة تتأزم بين العراق وإيران، كنت اسافر الى هناك على نفقتي الخاصة للقاء معارفي في البزار ولقاء رجال الدين، وكنت اطلب منهم التأثير على شاه ايران، وهدفي في ذلك هو خدمة بلدي العراق.
حاولت التلميح بالتهديد، وقلت له: يا اخي الفاضل انا لست رجل أمن ولا مخابرات، انا رجل يريد لك الخير، واذا خرجتُ من هنا من دون معرفة تفاصيل العلاقة بينك وبين طاهر يحيى، فسيتولى الامر رجال الامن او الاستخبارات، وفي هذه الحالة سوف لن اكون مسؤولاً عن ما سيحصل لك. فأخبرني تفاصيل علاقتك مع طاهر، وهل تربط بينكما شراكة، وما هي العلاقات الاخرى التي تجمعكما غير الصداقة؟
اجاب انه لا يهتم لما سيحصل له، وان صداقته مع طاهر هي صداقة اخوية.
وقال: في كل موسم ابعث لطاهر (المونة)، من فاصوليا وحمص وغير ذلك مما يتعلق بتموين بيته. والآن، اذا أخرجني الله من هذا المكان، فإن اول ما سأقوم به هو إرسال حصة عائلة طاهر من المونة، وسأستمر بهذا العمل مهما كانت نتائجة.
قلت له: قم من مكانك واجمع أغراضك، انت من الان حر.
وأخذته بسيارتي الى بيته في منطقة العطيفية رغم اعتراض مدير السجن الذي طلب كتاباً او اي امر رسمي.
قلت له: سأرسل لك الكتاب فوراً، وارجوا ان تطمئن. لقد اطلق سراح هذا الموقوف بأمر الرئيس.
وعندما عدت للقصر سألني الرئيس ماذا فعلت.
قلت له: أخذت عبد الرحيم الى بيته.
فضحك من قلبه، وقال لي كيف تقوم بهذا العمل دون اذن؟
أجبته: والله تأثرت بموقف عبد الرحيم ووفائه. وهو يستحق.
لم ادخل بيت عبد الرحيم، ولم تستمر علاقتي معه، ولكن اذ كنّا في طريقنا الى بيته، طلب مني ان نلتقي لقاءً آخر، فدعوته على الغذاء في منزلي، وجلب لي معه هدية (مسبحة شذر ايراني)، وقبلتها منه. وعندما غادر المنزل أوصلته بسيارتي، ورجوته ان يقبل مني هدية، فوافق، واهديته مسبحته، ووعدني انه سيوصي بأن تكون لي حصة من تركته بعد رحيله الى جوار ربه، ولم التق به بعد ذلك.

سعادة السفير لقمان الفيلي،
كانت تلك رواية نقلها لي باختصار شديد جدا السيد منذر المطلك، صهر احمد حسن البكر وسكيرتيره الشخصي بخصوص والدكم رحمه الله، بعد ان سمع مني عن الاتصال الذي حصل بيننا ولم يكن يعلم انك ابنه.

مع تحياتي واحترامي
حميد عبد الله
٢٠/٢/٢٠٢٠

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here