جدلية التأسيس القرأني للمجتمع … هنا كان موت الامة بالدين ؟

د.عبد الجبار العبيدي

——————————————————————

حينما كتبنا في الشرعية الدينية الأسلامية سابقاً وما رافقها من عقبات في طريق الفهم الحقيقي للنص الديني وطرق التطبيق العملي له ،واجهنا قبولا بالمزيد من التوضيح..اليوم نستجيب وسنحاول ان نتظرق الى موضوع اخر لمعالجة الاصلاح الديني في الوطن العربي والذي اصبح بمثابة العقبة الكأ داء في سبيل التحرر الوطني والفكري والتقدم الحضاري ونقل الدولة نحو الاصلاح الاجتماعي العام .. بعد نزع السلطة من مؤسسة الدين ..لذا لابد من ان نطرح قواعد وقوانين تتلائم مع التأويل العلمي للنص بعد ان حشره الفقهاء في متاهات التفسيرالترادفي الخاطىء، ان التوجه العلمي لتأويل النص لايمكن ان يعني مجرد اعادة مواصفات الحقبة الزمنية لنزول النص بكامل مواصفاتها..كما لا يمكن تجاوز تلك الحقبة بكليتها بحجة تغير المفهوم الاجتماعي من وجهة نظر جدلية …بعد ان تأخرنا كثيرا عن الشعوب المتحضرة الاخرى التي سايرت واقع التحريك التاريخي..فنقول :

ان التمسك بالتراث الديني النصي وتمجيده ليس منقصةً ، لكن تقديسه والايغال بالتشبث به دون تحليل منطقي لأبعاده المختلفة ولمراميه في التحقيق.. ادخلنا في ظلام الفكرحتى أصبحنا كالعميان الذين لا يبصرون طريقهم فكانت المنقصة. .فكيف لو كان رعاة الدين هم أعداؤه ؟ كل الشعوب لها تراث نصي، لكنها لم ترتمِ في أحضانهِ وأحضان سدنته من الفاسدين ..كما ارتمينا نحن دون حدود.فكانت النتيجة ان تقدمت تلك الشعوب ونحن تخلفنا ،لماذا؟ سؤال بحاجة الى جواب يستند على المنطق العلمي لا عاطفة الدين .

والسؤال المطروح هو: هل يمكن للتراث الاسلامي بمفهوم التفسير الفقهي الحالي المختلف والمتناقض للنص الديني بحسب رأي المذاهب الدينية المختلفة والمتناحرة ان يعالج مشكلات العصر الحديث والتطور العصري الدائم ؟ مع ان كلمة مذهب لم ترد في القرآن ،وما يسمونه بمذهب جعفر الصادق ومذهب ابو حنيفة النعمان ..هي ليست مذاهب وأنما نظريات أفكار (آيديولوجيا) ضيعها الفقهاء عليهم وفقَ ايديولوجية مغرضة واضحة المعالم في القرن الثالث الهجري دون الأخذ بنظر الأعتبار صيرورة الزمن في التغيير ،أنظر فقه الصادق وفقه ابو حنيفة ستجد غير ما كتبه فقهاء مذاهب الدين..؟ وهل في التراث من القوانين ما يُمكننا من الحل؟ ؟وهل له من توجه علمي يعطينا نتائج ايجابية لحل معضلات المجتمع العربي المتفاقمة اليوم؟ أم نبقى نتعكز على أفكار فقهاء الدين البائسة للقرون الثلاثة الاولى من عمر الدعوة التي أحكموا فيها المصير ؟ بعد ان ابعدونا عن القراءة المعاصرة للنص وتسليط الضوء على جوانبه المهمة والتعتيم على الاخرى ..كارثة جاء بها فقهاء الدين..

من اجل هذا يجب علينا ان نطرح النظام الفكري العملي الذي ندعوه للمناقشة والحوار اذا كنا نعتقد ان القرآن يصلح لكل زمان ومكان..؟ وان لا نتهم من يتحاور معه بالخروج على الدين ، لأن لا احد يملك الحقيقة الكاملة الا الله وخاصة ما جاء به الفقهاء والسلف الضائع الذين ابتعدوا عن المنهج اللغوي الرصين .. والذي دخل عليه التطور واصبح جملة قوانين .. ربطت لغتة بالتفكيرواستنتاج كل جديد يتماشى مع التطور في التحديث. لغرض ايصال الناس بعضهم الى بعض وليس لاختراع مذاهب دينية تعمل على تباعدهم،كما هو اليوم .. لغرض تحقيق المآرب السلطوية لتبقى هي المهيمنة دون أفكار المتنورين..والا ما قيمة مرجع جالس على الحصيرة يسرقهم حين يقول :”مال الدولة مجهول لذا يجوز سرقته ” وفقيه اخر مضاد له في المذهب يقول :” ماداموا هم يحكمون ويسرقون فالسرقة منهم حلال أنظر”اسلام وب..الفتاوى” رقم الفتوى 16747 .. ألم يكن هذا سلوك مجتمعي

خالي من العيب وشرعية الدين والقانون ..؟ ليُنشر بينهم التخريف ..وهم ينادون بأهل البيت والصحابة ..فهل هؤلاء كانوا سراق دولة دون قانون..؟؟ في الوقت الذي يقول فيه الامام علي (ع) : “ان الحق القديم لا يبطله شيء..والمطالبة به حق مُلزم..”. .نطالب المسئول ان يرد..؟

فهل بامكاننا تطبيق أفكارهم السوداء للوصول الى الحل.؟ ام نبقى ندور في النظريات الميتافيزيقية والماورائية والفقه الميت المتوارث(الاحاديث النبوية المفبركة) وأراء الفقهاء المختلفين على حرفية النص والتفسير ومسيرات الاحزان (كما في مسيرات كربلاء والمولد النبوي وذكرى الوفيات ليغتني الرادود لا الشعب وممثلوا المرجعية تجار الدين )، حتى كبلت عقولنا بما لا يقبل التغيير..فتلك نهاية الامة والمصير المحتوم كما نراه اليوم مع أعداء الامة ، وكما نقرأهُ في نظرية ما اجمع عليه العلماء،وما قاله السلف الصالح ،ولا ندري من هم العلماء ومن هو السلف..وبيننا وبينهم أكثر من عشرة قرون؟..من هنا تكمن أهمية التجديد على مستوى الرؤية التاريخية ليكون مقبولاً للفعل في ظروف العصر الحديث.

لكن السؤال الاكثر الحاحاًً هو : من منا بأمكانه التقدم بمشروع علمي فكري واضح ،والفكر الديني الجامد حاضرا بقوة ليتحاور مع النص ؟ اوقل مع تأويل النص الديني تأويلا بعيدا عن الترادف اللغوي والعاطفة الدينية وما يعتقدون فيه من تهويل ، وما اجمع عليه فقهاء القرن الثالث من تخريف..ويعمل على أنشاء موسوعة علمية بعيداً عن الميثولوجيا الدينية ، ويتمكن من ان يبقى ويستمر، والسلطة المنتفعة من المال والمنصب مستعدة لقتل كل فكر يعارضها في التثبيت (كما في الحاكمين اليوم في ايران والعراق ومن يتبعهم من احزاب التخلف التي وضعت الدولتين في أقصى حالات التعقيد)؟ . واذا كان هذا الطوق المضروب علينا من المؤسسة الدينية عمدا ،فهل تريد لنا هذه المؤسسة العبودية الدائمة ومنطق التخلف المفروض وهي من ساهمت وتساهم في التخريب.؟ ام انها عاجزة عن اعطاء الجواب المقنع بعيدا عن العاطفة بعد ان اخذت بنظرية التغليس طريقاً لها ؟ أكيد الثاني هو الصحيح .

لكن الاكثر خطورة انها استطاعت بالتدليس الديني تارة وبالاغراءات المادية التي اصبحت تملكها اليوم والشعب جائع ومعوز، تارة اخرى ، وبعد ان اصبح المال والقوة بيدها، ان تزرع فكرها الطوبائي في عقول العامة وعقول كتبة المنهج المدرسي وهم الاكثر ايغالا في التخريب ،بعد ان طرحت الاسلام عقيدة وسلوكاً دون ان تدخل في العمق الفلسفي للعقيدة الدينية،ودون اعادة النظر في اطروحة القضاء والقدر والحرية، ومشكلة المعرفة ،ونظرية الدولة ، والمجتمع والاقتصاد ،وتتفسير التاريخ..لذا ظل الفكر الاسلامي الى اليوم معطل دون تغيير..فأين الفقهاء الذين يدعون قوانين الدين..ونحن لا زلنا ندرس الفتوحات الاسلامية الباطلة كقوانين..؟

وتلك اصعب من المشكلة نفسها عن طريق المنهج المدرسي المتخلف الذي لا يتماشى وحضارة العصرالحديث، هنا فنحن بحاجة الى مجابهة حقيقية مع السلطة وهيئة التقديس . أسئلة كثيرة تطرح لابد من الاجابة عليها. فليجيبوا ان هم قادرون.. ولن يجيبوا لانهم مزيفون ..؟وليتدخل اصحاب الاقلام النظيفة للمناقشة والحوار معهم وليس من تدربوا على أيديهم في التزييف ،لعلنا نستطيع ان نحتل موضع قدم عند عامة الناس بعد ان سيطروا عليها بالمال الحرام والتدليس ، وبسيوف المتخلفين.وبعد ان فشلت القيادات الشيعية الفاشلة اليوم في تطبيق نظريات الحكم التي نادوا بها على مر السنين .؟؟؟؟

ابتداءً نقول: اذا كان التاريخ ينتقل بالانسان من حالة التخلف الى حالة التقدم والثبات ، فلمَ ِلم يشملنا التاريخ مثلما شمل امم اخرى كثيرة أقل منا حضارة وتاريخ ؟ فأذا كان الجواب بنعم.يبدو اننا لم نفهمه، واذا كان الجواب بلا فعلينا فهمه . ان الاعتزاز بالتراث واجب وطني وانساني ،لكن يجب ان لايكون على حساب التقدم الفكري والعلمي والاقتصادي للامة؟ ان كل مالدينا من تراث بحاجة الى مراجعة جدية لكتابته من جديد بما فيه السُنة النبوية المغلفة بالاحاديث المدسوسة لخدمة السلطة وقيادة الخلافة الفاشلة في التطبيق .. وان نلغي من قاموسنا ورؤوسنا ما قررته النظرية الدينية الجامدة،( ان كل ماجاء في صحيح البخاري ومسلم صحيح ،أما بحار الانوار للمجلسي فحدث ولا حرج).كلها كتب منتحلة ومدسوسة وليس فيها من أصل..وانا اتحدى كل المجامع الدينية العربية والاسلامية من ان ينشروا مخطوطة واحدة بقلم البخاري مثلاً.

ان اول ماعلينا عمله اليوم هو ان دراسة الفقه الموروث لم تتقيد بمنهج البحث العلمي الموضوعي بل اعتمد على العاطفة الذي من شأنها ان توقع الدارس في الوهم .. علينا ان نعترف بأن الفقه الموروث اصبح ميتأ فلا بد من دفنه والترحم عليه..فلا مقدس الا الله والقرآن ،ولا عصمة للرسول (ص) ولا لغيره من أهل بيته ،لأن العصمة محصورة بالرسالة وليس بشخصه الكريم ،يقول الحق في العصمة:( يا أيها الرسولُ بلغ ما أُنزل اليكَ من ربك وان لم تفعل فما بلغتَ رسالتهُ واللهُ يَعصُمك من الناس…،المائدة 67).فالعصمة هنا بالرسالة وليس بشخصه الكريم، أما ما يدعيه بعض الفقهاء بأن الآية محصورة بتثبيت ولاية الامام علي(ع) في حجة الوداع كما يدعون،ونحن نقول ان الله لا يختار القيادات بعد الأنبياء…وأنما خوفا عليه من الاعداء وما يدعون عليه باطلاً. فالدراسة بلا منهج هي كمن ينفخ في قربة مقطوعة.

أذن لا بد من اتباع المنهج التاريخي العلمي في الدراسات اللغوية لنتخلص من نظرية الترادف في القرآن اولا، ونجتاز المرحلة الاولى لبناء الفقه الجديد ،القائم على التـأويل الجمعي للعلماء من اصحاب الاختصاصات المتنوعة لا الفقهاء من اصحاب التفاسير الاحادية،في ذلك العصر المتقدم ،هذا الفقه الذي خلق التناحر والفِرق والمذاهب والاوقاف المختلفة التي ادت بنا الى ما نحن فيه من انقسامات باطلة أضعفت الاسلام والدين والأمة معاً وسرقت المال العام وهي اصلا غير موجودة في القرآن والدين..

اما المرحلة الثانية التي يجب ان نتبناها وتتبناها المجامع العلمية الصرفة لا مجامع الفقهاء الميتة، بعد ألغاء الترادف اللغوي المعمول به اليوم في التفسير الفقهي، هو التأويل الجمعي لعلماء الاختصاص ولا دخل للفقهاء فيه ابداً،بموجب الاية (7) من سورة آل عمران(وما يعلمُ تأويلهُ الا اللهُ والراسخون في العلمِ). فالعلم غير الفقه،والعالم غير الفقيه ، والأية الكريمة جاءت بصفة الجمع للعلماء لا بصفة المفرد(أنظركلمة عالم وفقيه في لسان العرب).

من هنا فأن كل التفاسير الفقهية الاحادية للقرآن الكريم يجب أعادة النظر فيها ولكل الفرق الدينية دون أستثناء. وسنصاب بالذهول والحيرة والندم حين نرى ان لا ترادف بين الكتاب والقرآن والفرقان والسبع المثاني واللوح المحفوظ والامام المبين والحديث وأحسن الحديث ومصطلحات اخرى كثيرة جاءت في القرآن عدوها بمعنى واحد وهذا غير جائز..تجاوزا على التأويل العلمي للقرآن الكريم،لعدم قدرة الفقهاء على التأويل ففسروها تفسيرا لغويا لا ينطبق والمعنى العلمي للنص الديني المقدس. ومن هنا نكون قد خطونا اول خطوة نحو هدم التصور السائد في فهم الاسلام القائم على الترادف اللغوي الخاطىء. لننطلق نحو منطق فلسفي جديد ينتج عنه بالضرورة فقه جديد.

اما المرحلة الثالثة التي يجب ان ننتقل اليها هي معرفة نظريات الجدل والمجادلة(نظرية جدل الانسان) يقول الحق: (كلُ شيءُ هالكُ الا وجهَهُ…..، القصص 88 ). فالجدلية هنا كما يطرحها القرآن الكريم جدلية ثنائية تلازمية تؤدي الى هلاك الشيء ياستمرار،فلا بقاء الا لوجهه الكريم في الحياة الدنيا سواءًكانت مادة اومخلوقات،وفي هذا الصراع يكمن السر الالهي في التطوروالتغير المستمرين في الكون ما دام قائماً،فالقرأن الكريم يُقر بأن كل شيء خاضع للتطور والتغيربعكس ما يدعون به بالثبات والتقليد ،فالنص الديني قابل للنقاش على طاولة المشرحة العلمية لأنه نص تاريخي مقدس،وليس نصا جامدا كما يقولون . .

فالنص ثابت في نزوله .. لكنه متحرك في محتواه ..يقول الحق:”قل سيروا في الأرض فأنظروا كيف بدأ الخلق ، العنكبوت 20″

وفي القرآن ثنائية تقابلية تؤدي الى تلائم الزوجين في الخلق يقول الحق :(وأنهُ خلقَ الزوجين الذكَرَ والانثى،النجم 45).،فلا فرق بين الانثى والذكر في الخلق والحقوق والواجبات ولو جاز التفريق بينهما لجاء النص في آية صريحة حين قال الحق :(ان المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات) وحرف الواو هنا جاء للتفريق بينهما لفظاً ومعناً ً.من هنا يتبين لنا ان العلاقة التقابلية بين الاثنين هي علاقة متبادلة بينهما وفق قانون التكيف في الطبيعة فلا فرق بين الاثنين ابداً.،والتي لا زالت المرأة المسلمة تعاني منه الى الان. لذا فقانون الاحوال الشخصية الجديد جريمة بحق المرأة من قبل عبدة الجنس ..لا الدين ..اما التفريق فقد جاء في آيات حدودية غير ملزمة التفيذ..,وتبقى مشكلة المرأة من اشكاليات الزمن عند المسلمين..بعد ان عدوها أمة لمتعة الحاكم والمتمكنين كما هي دكاكين المتعة الباطلة اليوم في العراق وايران..التي خربت حتى حرائر الناس المعوزين..

وثنائية تعاقبية تؤدي الى تعاقب الضدين الليل والنهار وحسب نظرية البقاء الدائم بعد الانفجار الهائل الذي ادى الى انفصاال الارض عن المجموعة الشمسية الاخرى وظهور الكون المادي الحالي بتعاقبية الليل والنهار انظر سورة الزمرآية 5 التي تقول :”خلق السموات والارض يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل…وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى”. هذا المفهوم العلمي الذي يطرحه القرآن الكريم لازلنا نحن بعيدون عن معرفته ومقاصده لان الفقهاء والمفسرين ادخلوه ضمن الايات القرآنية التي لا تفسير لها فأوقعونا في الوهم.

ثم ندخل في نظرية جدل الانسان( ..وكانَ الانسانُ اكثَر شيءٍ جدَلا،الكهف 54) .هنا يطرح القرآن نظرية الجدل المادي الصرف كفلسفة ،والفلسفة أم الجدل كما يقول العلماء،فأذا كان الامر ينطبق على الانسان باعتباره مادة فلابد ان يكون الجدل فكريا،لان لا احد يملك الفكر غير الانسان ،وما أخطر العيش بدون تفكير. فهنا لابد من معرفة الفرق بين كلمتي(الحق والباطل ) في الفكر الانساني وعليهما نبني نظرية العقل في قبول المدرك من عدمه(العقل مضطر لقبول الحق على حد قول الشافعي قولاً وصدقاً) لذا فعملية التطور في القرآن دائمة ومستديمة وتخضع لقوانين الطبيعة في الوجود وليس لتفسير الفقهاء المتناحرين الذين يفسرون النص على هواهم دون تثبيت..

انظر الكتاب والقرآن للدكتور العلامة محمد شحرور ص219 ومابعدها مع التصرف.

لذا علينا ان ندخل في الجدل والمجادلة لنعي المقصد القرآني ونلغي التصور والوهم لنصل الى منطق جديد بعيدا عن رأي الفقهاء كما نحن عليه اليوم. يقول الحق:.. “كذلك يضربُ اللهُ الحقَ والباطل فأما الزبَدُ فيذهبُ جُفاءً وأما ما ينفعُ الناس،فيمكثُ في الارضَِ….. سورة الرعد (17 ) .

وهذا هو المفتاح لفتح الباب على مصراعية لدخول نظرية العقل والغاء نظرية الترادف اللغوي والعاطفة الدينية وما يتقوله الفقهاء في تفسير النص من أقاويل..؟.

اذا استطعنا ان نفك الالتباس بين الحقيقة الموضوعية والوهم(الحق والباطل) تمكنا من تسخير ما يطرحه النص الديني لمصلحتنا ويصبح الانتقال من الغيبيات الى الملموسات بداية لنظرية المعرفة العلمية التي يطرحها القرآن واخفوها عنا الفقهاء لجهلهم بها. حينئذ تتحقق نظرية تطابق الصورة الموجودة في الاذهان مع الصورة الموجودة في الاعيان اي ان التصورات والتصديقات يجب ان تكون متطابقة عند الانسان، فلا أية قرآنية لا تفسير لها،ولا غيبية جدلية لا معنى لها،فتبقى الآية الشريفة( ….تلك حدودُ اللهِ فلاتقربوُها … البقرة 187 ) ملزمة علينا بأتباعها ومعرفتها للوصول الى الاشكالية العلمية الكبرى التي يطرحها القرأن ونحن عنها غافلون،وليس الامتناع عن معالجتها كما يصور الفقهاء الذين اعتقدوا بأمتلاك الحقيقة فبدأ التناحر.. فاذا ما كنا على حالنا موافقون ..فليصبح القرآن كتابا على الرف لا لوضع الاستقامة والقوانين..

وهنا يصبح للغيب تفسير،لا كما أوهمونا بأن هناك ايات لا تفسير لها ، وحروف وردت في اول السور لامعنى لها،أنها جزء من آيات نحن ملزمون بمعرفتها وتفسيرها ،وحاشى ان يكون في القرآن من حشوٍكما صوروه لنا.،كما في سورة الكهف وسور اخرى ،فأدخلوا القرآن في حشو هو بعيدُ عنه تماماً ومنعونا من الدخول في محاورته. وهنا يصبح القرآن يقر بنظرية التطور والارتقاء المادي التي لازلنا لانعرف عنها شيئا ومن يتطرق اليها عدوه داروينياً ملحداً..فالقرآن لم ينزل ليجود وللعبادة ، بل لمعرفة الاستقامة وحقائق الامور.

ستة نصوص قرآنية يجب اعادةالنظر فيها فقد اخلت بالموازنة القرآنية على يد التفسير الناقص للآيات القرآنية..وهي الفتوحات الاسلامية المتناقضة مع نظرية لكم دينكم ولي دين.. وسبي النساء في الحروب.. والزواج المتعد د لغرض ا لجنس…واهمال حقوق المرأة…والأتجار بالبشر في الاسرى..وقطع يد السارق قبل الاصلاح… والرجم وتحديد معنى الزنى.. وأهل الذمة والجزية ..وزواج القاصرات.. وتحديد معنى الارتداد في الدين وقتل المرتد..بالاضافة الى جعل السلطة ملكا للحاكم..كما فسروا خطئاً..أطيعوا الله ورسوله وآولي الامر منكم..

فحري بنا اليوم ان ندخل في حرب المعرفة والتثبيت مع الذين اعتقدوا باطلا بأنهم ملكوا الحقيقة..وهم واهمون . وبين من اعتقدوا ان الحقيقة هي ملك الدليل ولا زالوا يجاهدون .

بعد هذا الجهد الجهيد نستطيع ان نخلق نظرية اسلامية في المعرقة الانسانية ،مصاغة صياغة معاصرة،ومستنبطة حصرأ من القرآن الكريم،لتعطينا ما يسمى بأسلامية المعرفة.وبذلك نستطيع ان نعطي منهجا في التفكير العلمي لكل مُسلم ،قائم على التجربة الواقعية للحدث التاريخي للتعامل مع الفكر الانساني برمته دون تحريم ،لان ليس كل فكر انتجه الانسان هوعدو للاسلام بالضرورة،لكن غياب المنهج المعرفي لدينا اليوم هو الذي جعلنا اسرى الوهم والتخلف.

اننا نعيش اليوم آزمة فقهية ومعرفية قاتلة تدعونا ان نتحول الى استنباط فقه جديد معاصر بعيداً عن التفسير الفقهي الجامد للنص الديني والسُنة النبوية والذي انتهى زمنيا و بعد ان شخصنا المشكلة فلا بد من الحل.فهل من فتح جديد يخرجنا من الظلمات الى النور،ومن الفقه الميت المفرق للامة الى المنهج الحي بالدليل.والا ما معنى سني وشيعي ومالكي وشافعي وغيرها ..كلها مفتريات على النص الديني اسبغوا عليها اليقين.

ونبدأ بتفسير المفردات وفق المنهج التاريخي العلمي ،والانتقال الى حرب المعرفة والتثبت لا لحرب النصوص…تمهيدا لفصل الدين عن السياسة وننزع السلطة والتقديس من مؤسسة الدين التي آماتت الفكر في التحريك ،لننتقل لمرحلة الفكر الحر لبناء الدولة المدنية التي ارادها الاسلام للعالمين بموجب وثيقة المدينة “الفقرة 6 منها”،انظر دائرةالمعارف الاسلامية”؟ والا ما فائدة الشعائر المبالغ بها ومسيرات الاحزان السنوية التي لم تنتج لنا الا الذكريات والنياحة والبكاء والتعقيد بلا نفع ولا تحديث..فالقادة العظام كُثار ..لكن الشعوب وضعتهم في قلوبها لا في مسيراتها الوهمية الا نحن..فهم يتقدمون ونحن في التخلف راسخون…

نخلص من هذا الى:

ان اسلامنا اليوم غير اسلام محمد..لتناقض التشريع في التطبيق”لكم دينكم ولي دين”..أنكار وثيقة المدينة.. خلخلة معايير الدعوة…والغاء البعد الزمني لها..اذن..

التقدم الفكري والسياسي والأجتماعي والأقتصادي والقانوني لا يتحقق الا عندما نأخذ بتفسير مفردات التقدم قانونياً.. ونقرره في الأذهان بعد ان ندخله في المنهج المدرسي… لنبتعد عن التخمين والتدليس والتخريف وهالة المرجعيات الدينية الفارغة .. لأثبات الحقيقة ..وليس كما تصوره لنا مؤسسات الدين في الوهم وغطرسة التدليس..وكأن الجالس على الحصيرة ولم يقرأ في زمانه الا الكتب الصفراء هو اخر الحل في التغيير..ولا حل لكل الشعوب الاسلامية .. الا بفصل الدين عن السياسة …. والا سنبقى اسرى التخلف المقيت….والى لقاءٍ أخر..

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here