رواتب الموظفين والمتقاعدين لا تزال خطوطا حمراء

باسل عباس خضير

على طريقة المثل الدارج ( أشوفه الموت حتى يرضى بالسخونة ) ، أخذت وسائل الإعلام تتداول تصريحات ( غير مسؤولة وغير منضبطة ) بخصوص نوايا الحكومة لإجراء التدبيرات لمعالجة النقص في إيرادات الموازنة بما يكفي لتغطية النفقات الحاكمة وبضمنها رواتب الموظفين والمتقاعدين ، ونحن نقول إنها غير مسؤولة لأنها لم تصدر من جهات تنفيذية او تشريعية محددة ، ولأنها مجرد تكهنات وتوقعات ومقترحات لم تناقش بعد ولم يتخذ بشأنها أي قرار ، ومن الناحية البروتوكولية والرسمية فإنها تعد تسريبات او إشاعات حتى وان كان مطلقيها من أصحاب المناصب او ممن يشغلون مواقع معينة ، كما إنها غير منضبطة لان ترويجها يشيع حالة من القلق وعدم الاستقرار في وقت يمر فيه العالم بحالة حرجة بسبب جائحة كورونا التي تتصاعد إصاباتها في العراق يوما بعد يوما ، كما إن بلدنا يمر بظروف خاصة نظرا لتشكيل حكومة جديدة لم يكتمل نصابها من الوزراء وتعاني من نقص الموارد والعديد من المشكلات المتراكمة التي يصعب إيجاد حولا لها خلال عددا من الأسابيع ، ولو طبق القانون بشكل صحيح على من يطلق تصريحات لا تستند لقرارات رسمية لوجد هؤلاء إنهم موضع اتهام لأنهم يشيعون إخبارا مقلقة والبلد يواجه داعش والوباء ونقص الإيرادات حتى وان تحولت تلك الأقاويل إلى قرارات فيما بعد ، علما إن بعض مروجي تلك الأخبار لديهم مواقع ومناصب وبإمكانهم استخدام مخوليهم الإعلاميين لنشر الإخبار الرسمية للجمهور أن كانت تصريحاتهم تستند لمعولية قانونية ورسمية ، علما إن السيد مصطفى ألكاظمي رئيس مجلس الوزراء أمر في وقت سابق بصرف رواتب الشهر الحالي دون استقطاعات وهو القرار الرسمي الذي يجب إن يعول عليه .

ومن المؤسف فعلا ، إن بعض تلك التصريحات أخذت تلمح وكأن الوظيفة العامة عبئا على الدولة والمجتمع وان الموظفين يستهلكون نسبة معينة من الموازنة التشغيلية ، دون الالتفات بان من يقوم بالتصريح هو موظف بدرجة معينة وراتبه من تلك النفقات ودون التمييز بان الجيش والشرطة والأمن والصحة والتعليم والتربية وغيرهم يعدون من الموظفين الذين يتم استهدافهم وتهديد معيشتهم بتلك التصريحات ، كما يتطرق البعض إلى المتقاعدين وكأنهم عالة على المجتمع وليسوا من بنوا كل ما في الوطن ، فالغالبية العظمى من المتقاعدين هم من كبار السن والمضحين ولم يحصلوا على الراتب التقاعدي كامتياز وإنما هو استحقاق بل هو رد للأموال التي دفعوها خلال سنين حياتهم الوظيفية التي كاستقطاعات يمتد اغلبها لأكثر من ربع قرن ، ومن الغريب إن المنظمات المعنية بحقوق الإنسان لم ترد على الدعوات التي تستهدف الإنسان سواء كان موظف او متقاعد ، رغم إن الجميع يقولون إن المتقاعدين هم خط احمر لا منة ولا صدقة وإنما ردا لأموالهم وليس لأفضالهم وجهودهم فحسب ، ومن المعلوم جدا إن من حق الدولة بسلطاتها المختلفة أن تتخذ إجراءات لمعالجة الازمات المالية وغيرها ولكن ليس بطريقة التشهير والتجريح من قبل البعض المحسوبين على الدولة ، ونشير بهذا الخصوص إن كل دينار يستلمه الموظف او المتقاعد ( من غير الفضائيين ) يستند إلى تشريع ومسوغ وقد خضع لإجراءات الشفافية والرقابة المالية ومنصوص عليه في قوانين وأنظمة وتشريعات ، وان تأجيل او تقليل تلك الاستحقاقات يجب أن يخضع لنفس الآليات في التشريع وليس لمزاجات هواة التصريحات وجذب الاعجابات والتعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي او غيرها ، ومن باب العدالة أن يقوم الادعاء العام بتوجيه اتهامات قانونية لمن يتسبب بقلق وعدم استقرار الرأي العام ، ونتمنى أن تقوم جهة رسمية مسؤولة بإصدار أعمام يتضمن التحذير من إطلاق وترويج هكذا تصريحات ، لان في داخلها تحريضا على الدولة وما يمكن أن تتخذه بهذا الخصوص مهما بلغت فيها درجة العدالة والابتعاد عن الإضرار بمصالح ومعيشة الناس ، فمصالحهم فيها الكثير من الآهات التي يتم تجرعها تماشيا مع الوضع السائد الذي ينتظر فيه الجميع الموعد الحقيقي للشروع بإصلاحات مفيدة أفعالا وليس أمنيات .

إن إطلاق التصريحات (غير المسؤولة ) في هذه الظروف بالذات ولشرائح تخص معظم المواطنين ، من الممكن إن تتسبب بالكثير من الأضرار التي يصعب حصرها وإحصائها لأنها تبث روح اليأس والشعور بالظلم وربما تؤدي إلى حالة من اللامبالاة في مواجهة الإخطار الحقيقية التي تمر على البلاد ، ففي ظل الحالة الوبائية وفرض حظر التجوال الجزئي او الكلي فان اغلب المواطنين يشعرون بالضيق من تقييد حرياتهم حتى وان كانت لسلامتهم ومصلحتهم ومعروفة الأغراض ، وان وجودهم في وضع نفسي مستقر وغير متوتر يعد من وسائل الوقاية الايجابية للتصدي للوباء من خلال الالتزام بالتعليمات الصحية وعكس ذلك قد يؤدي إلى نتائج كارثية ، وان إطلاق تصريحات اقرب إلى الإشاعات تطمأن أصحاب الدخول التي تقل عن 500 ألف دينار بعدم المس بمدخولاتهم ، يجعل الشرائح الأخرى التي مدخولاتها أكثر من هذا الرقم بحالة قلق وترقب ، كما إن من يروج بأنه سيتم استقطاع 70% من المخصصات سيجعل العديد في حالة ذهول لان ذلك يعني مساواة الحاصل على الدكتوراه بخريج الابتدائية او إلغاء العديد من الاعتبارات او غيرها من المقارنات ، ومن الغريب إن هذه التصريحات تأتي بالتزامن مع الجهود المبذولة لإنهاء العام الدراسي الحالي بأقل قدر من الخسائر على التلاميذ ، كما إنها تتزامن مع جهود الحكومة في إيجاد بدائل لتعظيم الإيرادات وتقليل النفقات وتدبير العجز داخليا او خارجيا بما في ذلك التشاور مع الأشقاء والأصدقاء ، والمصيبة إن الحكومة ومن خلال مجلس الوزراء والسلطة التشريعية من خلال مجلس النواب لم يصدر عنهم أي قرار او تلميح من الممكن أن يمس أي مواطن بهذا الخصوص ، بل إنهم يلوحون بان الأزمة مؤقتة ويمكن تجاوزها وان هناك حلولا يمكن أن تلغي أي تعدي او مساس على الاستحقاقات وبما يجعل معظم التصريحات غير الرسمية موضع شبهات في ظل بقاء شعار او توجه رواتب الموظفين والمتقاعدين خطا احمرا لايزال ساريا لحد الآن .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here