ستراتيجيتان للكاظمي تغازلان واشنطن وطهران: لا يحضر الحوار الأميركي ويبتعد عن إيران

لندن / رميسة هناوي

بعد أن منح البرلمان، الثقة الى الحكومة الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، تعهد الاخير بالعمل على حفظ سيادة العراق وأمنه واستقراره وازدهاره؛ كما تعهد بأن تكون حكومته حكومة حلول لا حكومة أزمات.

وأمام الكاظمي منذ توليته المنصب الجديد تحديات كثيرة أبرزها الوضع الاقتصادي المرير والانهيار الكبير للنفط، ومحاولة التخلص من خلايا تنظيم داعش الذي عاد للضرب بقوة، وعلاقات دبلوماسية في أدنى مستوياتها، ومواجهة جائحة كورونا، وحصر السلاح بيد الدولة، فضلا عن ملف اتفاقية الاطار الستراتيجي. وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية النيابية، شيركو محمد، أمس، إن لجنته “أرسلت كتابا الى وزارة الخارجية، تستفسر فيه عن الوفد الذي سيشترك بـ الحوار الستراتيجي، مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يصلها منها الرد”.

ورجح أن “يصوت البرلمان على وزير الخارجية في غضون أيام وانه سيشكل الوفد ويدير المفاوضات المقرر اجراؤها منتصف حزيران”، فيما استبعد ان يدير الكاظمي ملف التفاوض بنفسه.

ووفقًا لتقرير نشرته مجلة فورين بوليسي الأميركية فإن جذور كل هذه الأزمات في الواقع، سياسية.

ويعتبر مسؤولون عراقيون، الكاظمي شخصية مقبولة لدى كل من الولايات المتحدة وإيران. ونقلت وكالات الأنباء عن سياسي مقرب من الكاظمي قوله إن رئيس الوزراء “شخصية لا تعادي أحدًا، وهو صاحب عقلية براغماتية، ولديه علاقات مع كل اللاعبين الأساسيين على الساحة العراقية: علاقة جيدة مع الأميركيين، وعلاقة عادت إلى مجاريها مؤخرا مع الإيرانيين”؛ وبعد فوز الكاظمي بثقة البرلمان، رحبت كل من الولايات المتحدة وإيران بتشكيل الحكومة الجديدة، واستقبل سفيري إيران وأمريكا كلا على حدة في اليوم ذاته وبحث معهما ضرورة التعاون والتنسيق وإقامة أفضل العلاقات بين العراق والبلدين المذكورين.

وقبل توليه منصبه، كان الكاظمي مديرًا لجهاز المخابرات، وهي مؤسسة لعبت تحت قيادته دورًا حاسمًا في الهزيمة الإقليمية لتنظيم داعش الإرهابي في العراق. وقال عباس كاظم الخبير في شؤون العراق لدى المجلس الأطلسي: “المخابرات، أصلحها بشكل جيد للغاية، وحوّل الجهاز إلى مؤسسة أكثر فاعلية، وسياسيا تعاونت مع الدول المنافسة مثل السعودية، وإيران والولايات المتحدة في مسائل مكافحة الإرهاب”.

وأضاف: “كان له الفضل في تقديم معلومات مهمة للولايات المتحدة أدت إلى مقتل زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي”. ومع تصويت البرلمان على حكومة الكاظمي سارعت الولايات المتحدة الى منح العراق استثناء لمدة 4 أشهر لاستيراد الغاز والكهرباء بالدولار من ايران التي تفرض عليها قيودًا. وأكد السفير الإيراني لدى بغداد إيرج مسجدي، قبل ايام، أن “الولايات المتحدة ضغطت بشكل كبير حتى يستغني العراق عن مصادر الطاقة التي تقدمها إيران لكن هذه الضغوطات لم يكن لها أي تأثير”، مؤكدا عدم وجود أي اتفاق مع واشنطن بشأن تعيين مصطفى الكاظمي رئيسا للوزراء.

ورجح مسجدي أن يشهد العراق استقرارا نظرا للدعم السياسي الكبير الذي تلقاه رئيس الوزراء الجديد من كل الكتل السياسية، لافتا إلى أن هناك توافقا بين البلدين على توطيد العلاقات الثنائية بمزيد من الاتفاقيات، خصوصا أن العراق حاليا بحاجة إلى الطاقة والكهرباء التي تقدمهما إيران بسعر تنافسي. وأشار السفير الإيراني إلى أنه يتوقع أن يكون تعامل الحكومة العراقية الجديدة مع إيران إيجابيا، واصفا إيران والعراق بأنهما بلدان صديقان وشقيقان. مقابل ذلك، فان اول زيارة لمسؤول في الحكومة الجديدة، كانت لوزير المالية علي عبد الأمير علاوي، الى السعودية مبعوثًا من رئيس الوزراء لمناقشة العلاقات الثنائية وتشجيع الاستثمار وحل الأزمات الاقتصادية في العراق.

وحدّد المستشار المالي للحكومة مظهر محمد صالح، الملفات التي طرحها مبعوث رئيس الوزراء وزير المالية خلال زيارته إلى السعودية والكويت.

وقال صالح إن “وزير المالية علي عبد الأمير علاوي، أطلع المسؤولين في الدولتين الشقيقتين، السعودية والكويت على المصاعب المالية التي يواجهها العراق حاليا بسبب جائحة كورونا وانغلاق الاقتصاد العالمي وتدهور أسواق النفط”.

وأضاف أن “زيارة مبعوث رئيس الوزراء تصب في تمتين أواصر حسن الجوار مع بلدان المحيط الإقليمي كافة، لاسيما تلك البلدان من شركاء العراق في منظمة أوبك لبيان أوجه التعاون الاقتصادي المشترك بما يخدم مصالح البلدان ذات العلاقة”.

وأشار إلى أن “الوفد العراقي طرح خلال زيارته إلى السعودية والكويت ملفات التعاون في مجالات الطاقة والتعاون المالي ومجالات التجارة والاستثمار”. وأوضح أن “الدبلوماسية الاقتصادية العراقية تسعى لبناء أواصر الثقة ومد جسور التعاون بما يحقق الازدهار المستدام بين العراق وبلدان المنطقة كافة”.

من المحتمل أن يرمي الكاظمي إلى تحقيق أحد الهدفين التاليين:

الأول: يمكن أن تدل هذه الزيارة على أن الكاظمي يحاول إقامة علاقات متوازنة بين العراق وجارتيه السعودية وإيران؛ وهذا أمر في غاية الصعوبة نظرا للعلاقات المتدهورة بين السعودية وإيران.

الثاني: من الممكن أن تدل هذه الزيارة على أن الكاظمي يسعى إلى الابتعاد عن إيران وإقامة علاقات طيبة مع السعودية التي تمتلك علاقات طيبة مع أمريكا وتعتبر أهم منافس إقليمي لإيران؛ وفي مثل هذه الظروف، لا شك أن طهران ستحاول عرقلة مسار الانفتاح على السعودية، إذ أنها تعتبر تصحيح مسار علاقات الحكومة الجديدة مع السعودية وشروعها في الانفتاح عليها، مصدر قلق كبير لها ووجهة مضادة لمصالحها. وستخشى طهران أن ينحاز العراق، مثل جارته السعودية، إلى أمريكا ويسعى لتكريس وجود القوات الأميركية على الأراضي العراقية بدل إخراجها من هناك وفق ما يأمله الإيرانيون. فهل نجد الكاظمي، طيلة أيام توليه منصب رئيس الوزراء، ذلك الرجل الذي وصفه البعض بأنه يعرف كيف يكون صديقا للعدوين، أو سيميل إلى أحد العدوين لحفظ سيادة العراق وأمنه واستقراره وازدهاره كما تعهد به؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here