في بغداد أمام البرتو مورافيا …

بقلم : نوفل كريم جهاد

كنت العشرين من عمري و يدفعني الفضول و حب المعرفة لزيارة المتحف العراقي في بغداد ,
وهكذا كانت عادتي في ثمانينيات القرن الماضي بين الحين والأخر حيث أذهب للتجول في أورقة المتحف العراقي ..

و أقضي هناك ساعات طويله أقلب فيها صفحات التأريخ العريق لبلاد مابين النهرين ..
او أجلس للمطالعة في مكتبة المتحف الغنية بالكتب والمخطوطات الثمينة ,
كنت أعيش بالخيال تلك اللحظات بأبعادها السحيقة وانا جالس على عرش سرجون مثلا
أو أعزف قيثارة سومر تارة و حتى أرتدي بفخر درع الفارس العربي الحديدي ..
وفي احدى زيارتي للمتحف تلك وبينما كنت اتجول في قاعات المتحف وأذا برجل عجوز أمامي يمشي في المتحف ببطيء شديد و متكئ على عصاه منحني الظهر كثيف الحاجبين ..
يحيطه فريق تصوير بسيط من عدة أشخاص
وفي صحبتهم الإعلامية العراقية المبدعة فريال حسين .. تمعنت بالنظر حتى أعرف سر الأهتمام بهذا الزائر وهو شيخ في الثمانين من العمر.. ؟
ودهشت جدا حين رؤيتي للرجل وعرفت أنه البرتو مورافيا..
نعم أنه الكاتب العالمي الشهير البرتو مورافيا بشحمه ولحمه !!
البرتو مورافيا هاهو امامي وفي بغداد .. نعم في بغداد …!
ها هو السأم و النضال واليسار .. ها هو من قارع الفاشيه وشهد لها الأنهيار ..
و الان ماذا أفعل .. وكيف لي وأنا الذي كنت قد عرفت مورافيا عبر رواياته فقط واذا به يقف امامي بمحض الصدفه .. ما العمل ؟
وبالطبع لم أنبس بكلمه .. أنه الصمت لا غير .. حيث كانت الإعلامية فريال حسين تدير الحوار والرجل يتجول وينصت بأهتمام وانا أحاول بالطبع أن أسترق السمع وان أتبع خطاهم في أرجاء المتحف ,
ولمن لم يعلم فأن أول كتاب قرأه البرتو مورافيا هو كتاب الف ليلة وليلة وكان يتمنى رؤية بغداد بأجواء الف ليلة ليعيش عبق الماضي لبغداد حاضرة الدنيا وشاهدها , ولكنه في تصريح لاحق له قال :
” لم اتصور ان أجد بغداد بهذا الشكل، كنت اتصورها مدينة الف ليلة وليلة، مدينة شهرزاد وشهريار، لكن للأسف رأيتها تلبس ثوباً آخر”.
و حينها لم يكن هناك هواتف ذكيه لكنت التقطت صورة لتوثيق هذه المصادفة الجميلة ..
ولكنها بقيت عالقة في ذاكرتي طوال ثلاثين عاما ولأجد نفسي الأن أكتب عنها بأنها لحظه أعتزاز

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here