بعد الإصابات المئوية .. هل تغامر الحكومة العراقية باعتماد استراتيجية «التعايش مع كورونا»؟‎

مع القفزات الهائلة في أعداد المصابين بفيروس «كورونا»، يدور في كواليس وزراة الصحة العراقية، نقاش حاد، حول اللجوء إلى استراتيجية «التعايش مع كورونا» ورفع حظر التجوال بشكل كامل، والإيذان ببدء الحياة من جديد، مع الالتزام بضوابط جديدة، وسط تحذيرات المختصين من خوض غمار تلك التجربة التي ستكون عواقبها وخيمة بحسبهم.

وسجلت مختلف المحافظات العراقية، 7387 إصابة بفيروس «كورونا»، حتى مساء الثلاثاء، وسط توقعات بارتفاع أعداد المصابين خلال الأيام المقبلة، خاصة مع عجز السلطات المحلية عن فرض حظر صارم على التجوال، وتعدد الاستثناءات الممنوحة لعدة شرائح.

ألف إصابة يومياً

ورجح مسؤول الصحة العامة في دائرة صحة الكرخ بالعاصمة بغداد، عبد الستار حمادي، الثلاثاء، أن يشهد الأسبوع الحالي تزايد حالات الاصابة  إلى 1000 حالة يومياً، عازياً ذلك إلى فقدان الوعي الصحي لدى أغلب المواطنين.

وقال حمادي في حوار صحفي، إن «بداية الموجة الثانية بخطورة الفيروس جاءت مع ارتفاع عدد الإصابات يوميا بمعدل لا يقل عن 300 حالة، حتى اصبح انتشار الفيروس لجميع المحافظات وصولاً إلى القرى والأرياف والمناطق في أطراف بغداد»، مضيفاً أنه «على الرغم من الإصابات المسجلة، إلا أننا لا نزال في بداية الذروة ولم نصل لأعلى معدل الاصابات،  ومن المحتمل أن يشهد الأسبوع الحالي تزايد حالات الإصابة  إلى 1000 حالة يومياً».

كورونا.. خلية الأزمة العراقية تحذر من "كارثة كبيرة" | الحرة

وتشهد العاصمة بغداد، منذ يومين، زحامات مروية خانقة، على الرغم من فرض الجهات المختصة منع التجوال، بسبب تعدد الاستثناءات، وتهاون القوات الأمنية بشأن السماح لفئات غير مشمولة بالاستثناء في التنقل بين المدن، وهو ما أثار تساؤلات عن جدوى إعلان فرض حظر التجوال، في ظل التجاهل الحاصل من قبل جهات أمنية وشعبية.

وأقبلت عدة دول أوروبية، على تخفيف الإغلاق، ورفع القيود على التجارة، وعلى الحركة، من دون الاستناد لانخفاض حقيقي في أرقام الإصابات، ومن أبرز تلك الدول التي أعلنت بدء تخفيف الإغلاقات، ألمانيا، التي نجحت باحتواء الوباء نسبياً، لتعلن عن فتح المحال التجارية، والحدائق العامة والملاعب، بشكل تدريجي.

«التعايش مع كورونا» ..

عراقياً، ألمح مسؤولون حكوميون، إلى إمكانية بدء ستراتيجية التعايش مع الوباء، وفتح الحياة العامة، وإعادة تشغيل المرافق الاقتصادية، بشكل كامل، مع تحديد ضوابط لهذا الفتح، وفرض إجراءات صارمة لتطبيقه.

وقال عبدالغني الساعدي مدير عام صحة الرصافة بالعاصمة بغداد، إن «هناك حلولاً أخرى في حال امتلأت المستشفيات، منها الحجر المنزلي في الحالات البسيطة التي لا تظهر عليها أعراض، بعد أخذ تعهد خطي، ومتابعة من قبل المراكز الصحية ضمن الرقعة الجغرافية».

وألمح الساعدي، إلى مسألة «التعايش مع كورونا» قائلاً: «التعايش الصحيح مع الوباء، يكون وفقاً للضوابط الصحية المتمثلة بارتداء الكمامات والقفازات والتباعد الاجتماعي والابتعاد عن الزحام في الأسواق، وأنه بعكس ذلك يكون التعايش عبارة عن انتحار».

بدوره، ذكر مصدر مطلع في وزارة الصحة، أن «خيار التعايش مع الوباء مطروح وبقوة على طاولة خلية الأزمة، وتم فيه نقاش محدود، لبحث إمكانية اعتماده خلال الأيام المقبلة، حيث طلب المعنيون دراسة جدوى بشأن هذا المسار، ومدى القدرة على مواجهة سلبيّاته، خاصة وأن العراق يتوفر على كثافة سكانية عالية، تدفع بالأوضاع نحو الانزلاق، في ظل عدم الالتزام التام بالوقاية الصحية، والتعاطي مع الوباء بنوع من الارتخاء».

بعد تعليق رويترز في العراق.. دعوة أممية لدعم التقارير المستقلة عن ...

وأضاف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لـ (باسنيوز)، أن «مسؤولين في وزارة الصحة، سيدرسون تجارب الدول الأخرى، والأساليب التي أقرتّها في هذا الباب، مع استحصال مشورات دقيقة من منظمة الصحة العالمية، وقد نشهد خلال الأيام المقبلة، قرارات جديدة في هذا الاتجاه، خاصة وأن ارتفاع نسب الإصابات عجّل بدراسة الخيارات الأخرى، وهذا الخيار من السيناريوهات القوية التي قد تلجأ إليها الحكومة».

وأشار إلى أن «تخفيف الإجراءات وفتح الإغلاق سيكون في حال إقراره وفق ضوابط صارمة، والحديث هنا عن غرامات مكلفة بالنسبة لارتداء الكمامة والكفوف، والتباعد الاجتماعي، وعدم حضور التجمعات وغيرها، وقد نشهد إجراءات لم يعتد عليها العراقيون نهائياً».

تحذيرات وضوابط

ويتوقع علماء مختصون في مجال الأوبئة، أن فيروس «كورونا» قد يبقى في حياتنا أطول مما قد نتوقع، وهذا يعود إلى طبيعة الفيروس وقدرته على التكيف مع الأوضاع المختلقة، وصعوبة الكشف عن المصابين فيه، وسرعة الانتقال إلى الأشخاص الآخرين.

وقالت مجموعة من الباحثين في مجال الفيروسات والأطباء الصينيين، الاثنين، إنه ليس من المرجح أن يختفي فيروس «كورونا» المستجد بالطريقة التي حدثت مع فيروس «سارس» قبل 17 عاما، وذلك لأن «كورونا» قادر على الدخول إلى جسم الإنسان وعدم التسبب بأي أعراض، على عكس «سارس».

ويعني هذا، أنه سيكون من الصعب حصر حالات الإصابة جميعها، وإدخالها في الحجر الصحي لمنع انتشار الفيروس، وفق ما ذكرت وكالة ‹بلومبيرغ› الأميركية.

العراق.. كورونا يشل الحياة داخليا ويعزل البلد خارجيا

بدوره، قال الطبيب المختص،  في العاصمة بغداد، رياض عزيز، إن «فتح الإغلاق العام، وتشغيل القطاعات الاقتصادية، له دور إيجابي على الحياة بشكل عام، لكنه لا يكون كذلك على فيروس كورونا، فهذا الفيروس سريع الانتقال، ومن الممكن أن ينزلق بالأوضاع العراقية برمتها إلى الهاوية، في ظل التهاون الحاصل من المواطنين، وعلى الحكومة العراقية دراسة هذا الخيار بشكل عميق، وعدم التسرع فيه تحت ضغط المطالبات بإعادة فتح الاقتصاد».

وأضاف في تصريح لـ (باسنيوز)، أن «المواطنين والرأي العام الحالي، قد يطالب بهذا الخيار، لكن في حال وفاة أعداد كبيرة من الناس، وخروج الأوضاع عن السيطرة، فإن تلك المطالبات ستخفت ويعود الحديث عن فرض الحظر الشامل، كما حصل قبل أيام، العيد، حيث طالب المواطنون وسياسيون بضرورة فرض الحظر، بسبب ارتفاع الاصابات، فضلاً عن أن العراق لا يمتلك بنية تحتية طبية متطورة تستوعب الإصابات المتوقعة من ذلك، ولهذا لجأت بعض الدول التي لها القدرة على استيعاب المصابين إلى فتح الحظر جزئياً، واعتماد التعايش مع الوباء ولو بشكل غير كلي».

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here