أمنيات حول تخفيض مخصصات الموظفين

باسل عباس خضير

لم يكن غريبا على الكثير أن يتحول الموظفين في يوم ما إلى ( كبش فداء ) للإجراءات التقشفية التي تنوي تنفيذها الحكومات ، فبعد أن رقصنا ( ألجوبي ) على أغنية رواتب الموظفين والمتقاعدين خطوطا حمراء ولا يمكن المس بها في أسوا الأحوال لأنها تتعلق بمعيشة غالبية السكان وتعد المحرك لعجلة للاقتصاد منذ 2003 ، يجري التحرك لكي تخفض تلك الرواتب تحت غطاء إعلامي وترويجي عنوانه العريض تخفيض رواتب الدرجات الخاصة والعليا ، ولكن مضمونه يمس اغلب الدرجات على طريفة رئيس عرفاء الوحدة حين التحقنا بالعسكرية بعد إنهاء دراستنا الجامعية الأولية في حينها ( خريج مريج يشرب بالبريج ) ، فالورقة التي يتم تداولها حاليا تحت عنوان ( مناقلة الأمور المالية وإعادة ترتيب أولويات تمويل بنود الموازنة ) لم تترك مجرى تنفسي لمخصصات الموظفين إلا تناولته بالتخفيض ، فهي تلزم الموازنة الاتحادية بتمويل الرواتب الاسمية و50% من المخصصات بأنواعها المختلفة ولكل فئات الموظفين بلا استثناءات ولا أية اعتبارات ، والشيء ( المقدس ) في هذه الورقة الذي سوف لا تنخفض مدخولاتهم هم أبناء ( الخايبة ) الذين يبلغ إجمالي دخلهم الشهري اقل من 500 ألف دينار ، وهؤلاء سوف لا ترفع دخولهم لأكثر مما هم عليه لتصل إلى 500 ألف كما حصل مع المتقاعدين ولكنهم سيبقون بعيدا عن التخفيض الذي سيشمل غيرهم من الموظفين ، والقضية باختصار هي عملية الإبقاء على الراتب الاسمي ( حاليا ) وتخفيض المخصصات جميعا بنسبة 50% والتطبيق اعتبارا من تاريخ المصادقة على هذه ( المقترحات ) التي ربما تتحول إلى قرار ملزم للتنفيذ بأثر رجعي في أية جلسة يعقدها مجلس الوزراء ويصادق عليها حتى وان كانت العضوية بالمجلس بنقص 7 وزارات ، ثم مصادقة مجلس النواب إذ إن فيها توقيتات تتحدث عن 1/6 او 1/7 من هذا العام ،

وكما هو معروف للجميع فان مخصصات الموظف لها شان كبير في رفع قيمة ما يستلمه شهريا لان الراتب الاسمي محدود ، وهذه المخصصات لها تسميات عديدة منها العائلية أي الزوجية والأطفال والشهادة والنقل والخطورة والمهنية والمناوبة والتفرغ العلمي او الجامعي وسواها من التسميات التي تختلف باختلاف قطاعات الأعمال ، وسوف تكون جميعها مشمولة بالتخفيض بنسبة 50% بغض النظر عن معانيها ومدلولاتها الاجتماعية والعلمية والمهنية والإنسانية والهدف من التخفيض هو سد العجز لتوفير متطلبات الرعاية الاجتماعية والبطاقة التموينية والأدوية كما جاء في الفقرة ( خامسا – 15 ) من ورقة المقترحات ، وهي تعني ضمن ما تعنيه أن تتحول مخصصات الابن او البنت من 10000 دينار شهريا إلى 5000 دينار بما يلزم الموظف على شراء نصف الحفاظات ونصف حليب الأطفال لان الدولة عجزت عن توفير متطلبات الطفل في البطاقة التموينية منذ 2003 ولحد اليوم ، كما إن المعلم او المدرس الذي لا يتقاضى غير المخصصات المهنية البالغة 150 ألف دينار بالشهر سيتقاضى نصفها ونصف مخصصات الشهادة ليتحول للفئة دون ال500 إلف دينار وبذلك يكون سالما غانما من الاستقطاعات ، ولا نعلم لماذا حدد رقم 500 ألف دينار فهو يعني في بغداد ( مثلا ) قيمة اقل إيجار تحصل عليه برشوة الدلال في منطقة متواضعة ومساحة صغيرة ، وعلى مقولة المثل ( الباقي على الجرار ) من متطلبات المعيشة التي تشمل المأكل والمشرب والملابس والمولدة والطبيب وعشرات المتطلبات ، ففي العراق لم يبقى شيئا مجاني سواء الهواء الذي لم تستثمره الشركات بعد ، ويبدو إن من وضع المقترحات سوف لا يقف عند هذه الحدود من التخفيض لان الفقرة 16 منها تنص ( تتولى خلية الأزمة المالية تقديم دراسة لإعادة النظر بالرواتب والمخصصات لجميع موظفي الدولة بما يحقق العدالة وتحسين الأداء الوظيفي خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة شهور ) ، ولا نعلم كيف ستتمكن خلية الأزمة انجاز هكذا مهمة شبه المستحيلة ولجنة إعادة النظر في الدستور عاجزة عن تقديم مقترحات لتعديل بعض الفقرات والعبارات في الدستور لا تتعدى السطور منذ 2005 .

وتقليص المخصصات ليس هو التحدي الوحيد الذي سيواجه موظفي العراق ربما بعد أيام او أسابيع إذا كتب لهذه المقترحات إن تبصر النور ، فهذه الورقة التي خرجت للجمهور بعنوان ( مسودة قرار لمجلس الوزراء ) قد تضمنت بنود عديدة لجعل الموظف في حالة استعداد ووقوف ولا يتقدم او يزداد راتبه او مخصصاته بمقدار الدينار للقادم من الشهور او السنين ، لأنها أوقفت العلاوات والترفيعات وإضافة الخدمة العسكرية وتغيير اللقب او العنوان والاستفادة من حصوله على الشهادة كما إنها أوقفت التدريب لكي لا يتطور الموظف ويطالب بالمزيد ، ومن جهة ثانية فرضت على الأجهزة المعنية في الدولة جباية أجور الكهرباء والماء والضرائب والرسوم والرقابة الصارمة على المنافذ الحدودية وجباية الكمارك والعديد من الإجراءات ، والتي من المتوقع إن ترتفع بسببها او بحجتها أسعار السلع والخدمات بما ينذر بان القدرات الشرائية للموظف ستتأثر من تخفيض نصف المخصصات وسيزداد العبء بارتفاع جديد لأسعار السلع والخدمات ، ومن يعلم فقد تلجأ الدولة إلى رفع سعر صرف الدولار ليكون 1500 دينار وعندها سوف يكون الوضع اعقد من وصفه في هذه السطور ، ونعتقد إن اغلب العراقيين من الموظفين او غير الموظفين قد اطلعوا على هذه ( المسودة ) لأنها متداولة في وسائل التواصل الاجتماعي وتحظى بمختلف التعليقات والاعجابات ، ومما يترك تساؤلا عنها إنها لا تتطرق إلى معالجة ومكافحة الفساد وكيفية استرجاع المسروقات كسابقاتها من المقترحات التي كانت تلوح بها الحكومات السابقة ، كما إنها لا تشير بشكل مباشر او بإشارات إنها البديل عن الاقتراض الداخلي والخارجي الذي يناقش قانونه مجلس النواب هذه الأيام ، والمسودة أيضا لا تحتوي على منهج لمعالجات جذرية للاقتصاد ربما لأنها معنية بمعالجة نقص تمويل الموازنة رغم إن بلدنا يخلو من موازنة 2020 ، والموازنة لو صدرت إن شاء الله فإنها قد لا تصدر إلا في النصف الثاني من السنة المالية الحالية لان مجلس النواب اتخذ قرارا في جلسته المنعقدة في 3 حزيران الجاري بإلزام الحكومة بتقديم مشروع قانون موازنة 2020 في موعد أقصاه 30 حزيران و ( الحبل على الجرار ) ، ونتمنى شيئين ، الأول أن تكون هذه المسودة غير حقيقية وقد مررت بوسائل التواصل الاجتماعي من باب المزاح او غيرها من الأغراض ، والثاني إن كانت حقيقية بالفعل هو قيام مجلس النواب بنقضها لان الفقرة 17 منها نصت على ( تتولى الأمانة العامة لمجلس الوزراء اتخاذ ما يلزم لعرض الموضوع على مجلس النواب لاتخاذ القرارات اللازمة بشأنه ) فتطبيقها يحتاج لتعديل العديد من التشريعات ويسبب الحرج الكبير للعديد من الموظفين الشرعيين ، والأمنيتين ليس هدفهما معاكسة الحكومة في تبني مقترحات فعلية وجادة لإيقاف الهدر الحاصل في الموارد وإعادة استخدامها بالشكل السليم ، وإنما لتبني مقترحات أكثر شمولية تأخذ بعين الاعتبار كل الظروف والتداعيات ، وفي كل ما ورد تم تناول مفردة الموظفين لان المسودة فيها كثيرا من المقترحات و التفاصيل .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here