الرحيل الى الماضي…

الرحيل الى الماضي…

بقلم : نوفل كريم جهاد

في يوم عادي في هذا العالم … قبل أكثر من عشرين سنة غادر ذاك الانسان الوطن متجه نحو الغربة ! غادر أسفا البيت والاهل والاحبة.

أنه اليوم الذي ترك فيه كل ما أحبته نفسه .. ليدخل في عالم مجهول جديد ، عالم مجبر هو فيه أن يروض نفسه على حبه ..!

لم تكن ليلة ذلك اليوم هادئةً كغيرها من الليالي السابقة بالنسبة له . بل كانت ليلةً مضطربةً جدا تزاحمت فيها الافكار وتصارعت فيها المشاعر ! لم يستطع النوم ليلتها أبدا .. كان يعيش الشد العصبي الشديد والتوتر ، حيث فكرة السفر والحرية تملئ عقل وكيان ذلك الأنسان !!!

و يحمل المعول لتحطيم الجدار.. ويشق قلب الحياة النابض بكل اقتدار, والنفس مثقلة بالرغبة والطموح.. تقودها روح الشباب المتوهجة والتي لا تعرف المستحيل ..! ويقول في نفسه..لا لن أكون ببساطه كأي أنسان أخر..ولد ثم عاش ..ثم مات هكذا وأنتهى .!

بل لا بد من خطوة يكسر بها رتابة هذه الحياة , لابد من قفزة و ارتقاء للتطلع نحو الأفاق وكأنه سوف يمسك الشمس باليمين والقمر باليسار ويضع النجوم في جيبة …!!!

لكن و بالحقيقة في هذه الحياة هناك أمور لا نفهمها بالنصح والكلام .. لا نشعر بها حين تقال وتوصف لنا في حينها من قبل الآخرين ، ولكن بالتأكيد تختلف الرؤيا بعد التجربة والنضج لنتذوق بالتأكيد طعم الحياة الحاد عندما نعيش الواقع .. عندما نحيا الحياة كما هي..!

بلا رتوش ولا كلمات الحالمين ..

حيث تتكسر الأحلام واحدا تلو الأخر على صخرة الواقع الذي لايزال يقهر الأنسان ..!!

ربما هو العناد والمكابرة .. أو حتى سذاجة القلب حد الغباء…!!

هكذا هي أذن لحظات الرحيل . موجعة و متناقضة, جزء في داخلك يدفعك للرحيل وجزء أخر يدعوك للبقاء .!

حين تطلع هو بوجوه الأهل من حوله , كان ينظر الى عيون الام والأب وباقي أفراد العائلة وأدرك معنى الكلام الذي تقوله تلك العيون بصمت وتتناقله السكينة بكل خشوع , كانت عيونهم تتوسله البقاء ، تتوسل بأن يلغي الرحيل اللعين هذا ولتفعل الأيام ما تشاء ..!!

كانت الحيرة تتلاعب بعواطفه والتنهدات عميقة ومؤلمة ، لكنه مع الأسف كان مدفوعا بقوة غريبة وطموحٍ شديد , فخذل الاهل وخذل نفسه وأعطى وجهه للرحيل ..!

وماذا بعد.. بعد الرحيل ..؟ وبعد كل تلك سنين الغربة والتي تتساقط وتتبعثر فيها كل لحظات الحياة ..!

الا تلك اللحظات التي تركها في البيت مع العائلة حيث تنغرس في النفس مثل الجذور في الأرض , أنها الجذور.. الجذور أيها الاحمق ..!!

تلك اللحظات البسيطة والتي لها قيمة وثمن غير مشتراة بالذهب أو الفضة .. لأن فيها نسمة من نسمات الروح ، وهذه الحقيقة نكتشفها مع الأسف دائما متأخرين… لأن عمق المحبة سر لا ينكشف سوى عند الفراق ..!! وهنا يكمن أكثر أسرار النفس البشرية ايلاما وغصة..!

قد لا يكن هو المخطئ الوحيد في هذا العالم ، بل وأرتكب الكثير من الخطايا ، ولكن ألعنَ خطاياه بالتأكيد هي لحظة الرحيل تلك … !

والأن .. بعد كل هذا المسير عبر محطات الحياة في الغربة يتسأل ذلك الانسان عن حصيلة حياته عبر كل تلك السنين ..؟

يتسأل عن النتيجة..؟ حيث أن السؤال عن نتيجة حياة الانسان ، سؤال مرعب ومخيف .. سؤال قد يقوده لليأس او الاندحار.. لأن الكارثة الحقيقية هي أن يشعر الانسان بأن حياته هذه كانت مثل السراب وعبثيه .. تناقصت فيها طموحاته وأحلامه بشكل مأساوي مما يؤدي الى احتقار النفس وجَلد الذات أو الرحيل من جديد .. نعم الرحيل مرة أخرى ..لكن هذه المرة هو الرحيل الى الماضي …!!!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here