مسلسل “واحد زائد واحد” … في الميزان

مسلسل “واحد زائد واحد” … في الميزان

د. رمضان مهلهل سدخان

يطلّ علينا الفنان قاسم الملاك هذا العام بشخصيتين مختلفتين تماماً عن أدواره السابقة طيلة مسيرته الفنية الطويلة، ألا وهما شخصية الفيتر أو الأسطة وشخصية الطيار في مسلسل “واحد زائد واحد” الذي كتب أحداثه باسل الشبيب وأخرجه جمال عبد جاسم ويقع في 30 حلقة وعُرِض من على قناة أم بي سي عراق. إشترك في تمثيل العمل نخبة من نجوم الفن العراقي قاسم الملاك، محمد حسين عبدالرحيم، مازن محمد مصطفى، بتول عزيز، آسيا كمال، جمانة كريم، وغيرهم.
جرت أحداث هذا المسلسل بطريقة الإرتجاع الفني والبدء من النهاية، فمنذ بداية الحلقات الأولى تظهر ثلاث عائلات محملات بإرث الماضي: عائلة عبدالرحمن (أولاده عامر وسامر وسحر) وعائلة فرات (بمفرده فقط!!!) وعائلة ابو وائل (زوجته همسة وابنهما وائل). عرف المشاهد جانباً من مآل شخوص هذه العائلات منذ البداية: عبد الرحمن متوفى وترك وراءه وصيّة لا يعرف بتفاصيلها سوى عامر الذي يكبر أخاه التوأم سامر بثماني دقائق فقط؛ فايق (أخو عبدالرحمن) كان قد قَتَلَ كواكب زوجة سامر بطلق ناري بالخطأ؛ فرات يحب إبنة خاله سحر؛ وهناك علاقات عاطفية أيضاً بين ياسمين إبنة الكابتن سامر ووائل إبن الكابتن همسة التي تربطها أيضاً علاقة عاطفية مع كابتن سامر؛ ابو وائل متوفى لغاية الحلقة 19 حتى عرف المُشاهد بأنه انتحر لأسباب تطرّقَ الى تفاصيلها المسلسل. وبسبب هذه الإرتجاعات الفنية الكثيرة دارت في خلد المُشاهد العديد من التساؤلات لاسيما قصة هذه العائلات.
مصير هذه العائلات بالإضافة الى مصائر أخرى عالجها الكاتب بتأنٍ كبير فزادَ عنصر التشويق والترقّب لدى المُشاهد الذي أصبح في كل حلقة يكتشف سرّاً جديداً واستمرّت حالة الإكتشاف حتى الحلقة الأخيرة. وهذه مسألة طبيعة كون المسلسل بدأ من النهاية مما تطلّبَ الكثير من المعالجات الفنية لإطلاع المُشاهد بالإتجاه الذي دارت فيه أقدار الشخوص بالماضي وما سبّبَ مآلها الآن. هذا الأمر زرع الملل في البداية بسبب طول الإنتظار والترقّب طيلة التسع حلقات الأولى التي خُصّصت كلّها لموضوعة واحدة وهي رفض عامر زواج اخته من فرات واعتراض وائل من جهة على علاقة والدته بسامر واعتراض ياسمين من جهة أخرى على علاقة والدها بهمسة التي تعمل مع الطاقم نفسه الذي يعمل فيه والدها. لكن بعد هذه المراوحة في المكان لعدة حلقات تأخذ الحبكة تتسارع بعد الحلقة 10 من خلال الكشف عن المزيد من الأسرار تباعاً: إكتشاف حبّ عامر إلى إيمان؛ إكتشاف وائل لبصمة صوتية كانت أرسلتْها أمّه إلى سامر تنهار على اثرها وتُنقل إلى المستشفى؛ همسة تخبر سامر بعلاقة ابنها ببنته؛ إنكشاف مرض عامر؛ همسة تُخبر ابنها بقصة انتحار والده؛ صلاح أخو فاروق يكشف المزيد من الحقائق بالتدريج حول مقتل أخيه، وبعدها تجد معظم العُقَد طريقها نحو الحل.
ما يُحسب لصالح المسلسل هو تصوير أحداثه في مواقعها الحقيقية، إذ دارت الكاميرا في صالات ومدارج مطارَي بغداد وأربيل فضلاً عن اللقطات الكثيرة لجادات بغداد وحدائقها ومستشفياتها ومحالها وكذلك إظهار المناطق الساحرة لشمالنا الحبيب في أربيل وقلعتها وجبال شقلاوة حيث بيت العم فايق. ولا ننسى نهر دجلة الذي برز شخصية كبيرة بهيبته الطاغية في معظم حلقات المسلسل وفي أوقات مختلفة من النهار والليل. وأهم ما يميّر هذا العمل هو إنتاجه الباذخ الذي انعكس على دقّة أماكن التصوير واختيار الملابس والإكسسوارات والبيوتات الفاخرة والسيارات الحديثة وما الى ذلك. لكن مع كلّ هذا، كان العمل سيبدو أكثر كمالاً مما هو عليه لو تجاوزَ بعض الجزئيات التي سأعرضها بشكل إجمالي ومختصر في أدناه.
أمور أغفَلَها المسلسل
بالرغم من البناء الدرامي الناجح لهذا العمل والجهد المبذول فيه وإمكانيات الإنتاج الكبيرة، إلاّ أن هناك بعض المآخذ هنا وهناك أستعرضُها في نقاطٍ سريعة:
ثيمة العمل ككل: إقتصرَ المسلسل على ثيمة رئيسية فقط وهي مسألة العيش في الماضي وعدم التخلص من مخالبه، تفرّعتْ منها عدة ثيمات ثانوية شكّلت اللبنة الأساسية لبنية هذا العمل مثل: ثنائيات الحبّ (سامر وهمسة، فرات وسحر، وائل وياسمين) أو مثلثات الحبّ (هاني وفرات كلاهما يحبّان سحر، عامر المتزوج بأمل كان يحب إبنة خاله إيمان)؛ والإيثار والتضحية ونقاء السريرة رغم الخلافات العاصفة. كان يُفترض بكاتب العمل زجّ المزيد من الثيمات في عمل طويل استغرق 30 حلقة سيما وأن الأوضاع في العراق تعجّ بالكثير من الموضوعات التي يمكن استثمارها في عمل كهذا.
مستوى لغة الحوار: لغة الحوار أخذت ثلاثة مسارات. الأول، في معظم مفاصل المسلسل كانت لغة الحوار متكلفة للغاية ورسمية وكأن الشخوص في دائرة حكومية وليسوا أقارب وأهل يعيشون تحت سقف واحد، كما في حوارات ياسمين مع أبيها أو سامر مع همسة، لهذا بدت معظم الحوارات ثقيلة ومملة وتنقصها التلقائية. الثاني، على النقيض من الأول، كانت اللغة فيه متجاوزة كل حدود الأدب واللياقة كما في حوارات سحر مع عامر أو وائل مع والدته بحيث كان صوت سحر أحدّ وأعلى من صوت عامر في كثير من الحوارات. المسار الثالث، كانت لغة الحوار فيه تلقائية وعفوية كما في حوارات عامر مع العمال في الورشة أو مع بقية الناس أو حتى في عِراكه مع الآخرين وكذلك في مشاهد “الترويح الكوميدي” (وهي مواقف كانت تأتي مباشرة بعد مشاهد الشدّ الكبيرة من أجل التخفيف على المتلقّي)، هذه المَشاهد التي تجمع وحيد مثلاً مع غيره من الشخصيات أو نعومي مع أصدقائة في الورشة. المسار الثالث في الحوار هو المسار الطبيعي، اما المساران الأول والثاني فيبدوان متصنّعَين للغاية.
الشخوص: بدلاً من إسناد دورين الى الفنان قاسم الملاك وما يتطلبه منه من جهد عصبي وعاطفي وبدني وحفظ للأدوار، كان الأولى بالمخرج إعطاء أحد الدورَين إلى فنان آخر يحمل شبهاً ما مع الفنان قاسم الملاك وهذا أمر ليس بالصعب خاصة وسط الثورة التقنية التي نعيشها في عالم المكياج. كذلك، هناك شخوص جرى رسمهم بلا تاريخ، كانوا يعيشون لحظتهم الآنية فقط مثل أبو تحسين (صاحب السنتر) ووحيد (سائق الستوتة الذي اصبح فيما بعد يعمل مع أبي تحسين)، وحتى فرات!
عنوان العمل: “واحد زائد واحد” يحيل المتلقّي الى شخصتَي عامر وسامر مباشرة وبذا يقيّد العمل بثيمة واحدة ألا وهي العيش في عقدة الماضي من جانب هاتين الشخصيتين. وتوسّعاً يمكن أن ينطبق العنوان على علاقات الحبّ التي جمعت بعض الشخوص وتجلّت هذه في المشهد الأخير من الحلقة الأخيرة في طريقة جلوسهم في مقاعدهم “واحد زائد واحد” (أي أحدهم بجانب الآخر): فرات مع سحر، وائل مع ياسمين، وفي المقدمة كابتن سامر مع كابتن همسة (قائدا الطائرة) ولا ننسى أيضاً عامر مع أمل. لذلك كان الأفضل استخدام عنوانات أخرى من قبيل: “الوصية”، أو “بيت عبدالرحمن”، أو “الأسطة فايق” أو حتى “وهم الماضي” فهي تنفتح الى مداليل أوسع.
إفشاء الثيمة الرئيسية: إن التصريح على لسان الشخوص بالثيمة الرئيسية للعمل ألا وهي “العيش في عقدة الماضي”، و”عقدة الكبير” حيث تكررت هاتان العبارتان كثيراً على لسان أكثر من شخصية وبذلك تحوّل العمل من التلميح الى الدخول في ممارسة الدور التعليمي والتوجيهي المباشر.
مواقع خمس نجوم: اذا استثنينا البيوتات الفارهة والملابس، هناك ترف لا داعي له في بعض مواقع التصوير. خذ مثلاً العمال في ورشة تصليح السيارات ظهروا وكأنهم موظفون بملابسهم النظيفة غاية النظافة وهذا ينطبق حتى على أسطة عامر الذي لا توجد ولو نقطة دهن واحدة على ملابسه رغم أنه الأسطة رقم واحد في بغداد وأكيد يقوم بالكثير من عمليات الصيانة والتصليح. بل حتى عملية اختطاف عامر كانت عملية اختطاف “خمس نجوم” حيث اقتيد الى مكان ذي ماء وخضراء ويوحي بالأمان والطمأنينة.
النصف المفقود: العمل عالجَ عبر حلقاته الثلاثين مشاكل العائلات الثرية فقط دون الإلتفات إلى معاناة أناس من الطبقات الأخرى المتمثلة بالچايچي صادق وصاحب المقهى أبي نعمان ووحيد سائق الستوتة بل وحتى أبو تحسين من خلال الدخول الى بيوتاتهم وعرض معاناتهم التي ستختلف حتماً عن معاناة نظيراتها البيوتات الغنية. وبهذه العملية ستزداد ثيمات هذا العمل الدرامي.
مشهد التدخين في المطار: في الحلقة 16 يظهر سامر جالساً الى طاوله ويتأمل من خلال زجاج المطار وهو يدخّن!!! لا أدري تحت أيّ مسوّغ جرى إقحام هذا المشهد! ففي كل مطار هناك غرفة خاصة للتدخين.
مشهد الختام: لو كان هذا المشهد من دون إظهار صوت الحوار، والإكتفاء بعرض الطائرة من الداخل وإظهار الشخصيات وهم يجلسون معاً ويتهامسون ويضحكون ويتبادلون الأحاديث، لكان أبلغ وأشدّ وقعاً على المشاهدين من إظهار حوارهم مع بعضهم البعض والإعتماد هنا يكون فقط على لغة الجسد والحركة البطيئة وردود افعالهم.
المسلسل سياسي بامتياز
وأخيراً، لابد من الإشارة الى أن العمل، رغم مضامينه الإجتماعية والنفسية والأخلاقية، ينطوي على مضامين سياسية تجلّت منذ انطلاق كلمات التايتل “البيت مثل الوطن يجمعنه باحضانه / لازم نسامح بعض ونعيش دنيانه”؛ ومروراً بوصية الوالد بضرورة العيش تحت سقف واحد، وعدم إمكانية بيع حصة أيّ شخص في البيت الى الآخرين؛ ومبدأ الجاسوسية الذي درج عليه أفراد البيت؛ وقول سحر “إحنا عايشين بسجن چبير كل واحد بغرفة”؛ وسيادة نظام المصالح في البيت؛ وعقدة العيش في الماضي وعقدة الكبير؛ ووصولاً الى آخر مشهد في المسلسل حيث الجميع في مقصورة واحدة لكن القيادة بيد كابتن سامر الذي سيقودهم هذه المرة الى برّ الأمان بوجود عمّهم أسطة فايق بينهم والكل مجتمعون بقلب واحد ليس بينهم سوى المحبة.
لكن المؤلم هو أن اللوم دائماً يقع على أحد المكونات (ألا وهو عامر) برغم أن كلّ شخص في هذا البيت ارتكب أخطاء بشكل أو بآخر. هذا الطرف الملام دائماً أظهره العمل بأنه غير متعلّم وعصبي ومتشنّج في علاقاته مع أفراد أسرته والجيران والمنطقة برغم أنه كائن حسّاس وصاحب ضمير حيّ بحيث اعترف بعظمة لسانه مرات كثيرة بعد خمود سَورة غضبه: “وروح أبوية آنه مو خوش آدمي”، “آنه بس همبلة، كلكم أحبكم”، “آنه واحد قشمر لأن ما عندي غير ذوله الاثنين [يقصد سحر وسامر] وازعّلهم”، “إنشلّت إيدي اللي انمدّت عليكم”، الخ. ورغم كل هذا اتهمه الصغير والكبير بالجنون واضطراب الشخصية وعليه مراجعة الطبيب.
مكونات هذا البيت تحاكي واقعاً عاشه العراقيون وتنطبق أحداثه بشكل أو بآخر على ما تشهده الساحة العراقية من تناحر وخلاف وهي تنتظر “أسطة فايق جديد” ينبري لإرجاع الأمور الى نصابها الصحيح من خلال تطبيق “قانون أسطة فايق و بس”.
===============
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here