الإسلام يُؤخذُ كلُه جملةً واحدة.. وليس أجزاءً متفرقة

الإسلام يُؤخذُ كلُه جملةً واحدة.. وليس أجزاءً متفرقة

الإسلام هو دين الله الوحيد، الذي أنزله الله على كل الرسل بلا استثناء، وطالبهم، وطلب منهم دعوة الناس إليه، لأنه بكل بساطة؛ وبكل منطقية؛ وبكل عقلانية واعية؛ ومتفتحة، يدرك الإنسان الطبيعي، العاقل بسرعة، وبسهولة بالغة، أن الإسلام لغوياً، هو عبارة عن مصدر لفعل أسلم، الذي يعني خضع، واستسلم لله تعالى.

الهدف من خلق المخلوقات

ولذلك.. أراد الله تعالى من عباده، الاستسلام، والخضوع، والرضوخ، والانقياد التام له.

وهذا هو الهدف الرئيسي، والأساسي، لخلق المخلوقات كلها، وقد أعلن الرسل والأنبياء كلهم أجمعون، دينونتهم لله تعالى، وإسلامهم، واستسلامهم له، ودعوا قومهم لعبادته وحده. فكانوا كلهم يقولون لقومهم: جملةً واحدةً لا غير.

(ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُ).(1).

وصية إبراهيم عليه السلام لبنيه

ووصى إبراهيم، وإسرائيل بنيهما بأن يكونوا مسلمين.

(وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ ﴿١٣٢﴾ أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ ﴿١٣٣﴾.(2).

ونفى الله تعالى عن إبراهيم أن يكون يهوديا أو نصرانياً.. مؤكدا أنه مسلم فقط .

(مَا كَانَ إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّٗا وَلَا نَصۡرَانِيّٗا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفٗا مُّسۡلِمٗا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ).(3).

الملائكة والجمادات تخضع لله تعالى آلياً

وقد جعل الله تعالى الملائكة، والجمادات، والحيوانات خاضعة له آلياً، بدون اختيار.

(وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا).(4).

وأعطى الجن والإنس فقط – وهما الوحيدان من جميع المخلوقات – حرية الاختيار.

(فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ).(5).

الغايةُ من خلق الجن والإنس

وأعلن سبحانه وتعالى، أن الهدف الأساسي، والرئيسي من خلقهما: هو عبادة الله فقط .

(وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ).(6).

وهذا هو الشيء الطبيعي، والمنطقي. طالما أنه هو الخالق، والرازق، والمتكرم، والمتفضل على عباده، فمن حقه عليهم، أن يعبدوه وحده لا شريك له. وأن يشكروه، ويحمدوه في كل لحظة، بل وفي كل ثانية. إذ لولاه، لما كان لهم وجود، ولما أكلوا لقمة طعام؛ أو شربوا شربة ماء؛ أو تنفسوا نسمة هواء.

طبيعة العبادة المطلوبة

والعبادة العقلانية؛ والمنطقية الصحيحة التي يريدها الله من عباده، ليست هي مجرد طقوس، وحركات تُمارس في ساعات من الليل والنهار، وفي أماكن محددة؛ أو الطرب؛ والاستمتاع بالأغاني – التي تُسمى – مدائح نبوية! ثم يخرجون منها ليعبدوا آلهة أخرى، في التشريع، والتنظيم، والإدارة، زاعمين أنهم أعلم بشؤون دنياهم من الخالق الذي صورهم وصنعهم!

إن العبادة الحقيقية، والعقلانية، والمنطقية التي يريدها الله من عباده، والتي لأجلها أرسل الرسل؛ ولأجلها تحمل الرسل، العنت، والعذاب، والقتل من قومهم. هي طاعة الله في كل ما أمر به، والبعد عما نهى عنه وزجر.

(فَٱعۡبُدِ ٱللَّهَ مُخۡلِصٗا لَّهُ ٱلدِّينَ).(7).

(بَلِ ٱللَّهَ فَٱعۡبُدۡ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ).(8).

فالخادم، أو الموظف، أو العامل إذا أراد أن يكون مُعززاً، ومُكرماً عند سيده أو مديره. لا يتجرأ على معصيته، أو مخالفته في أمر من الأمور، أو أن يطيعه في بعض الأمور، ويعصيه في أمور أخرى!

إن فعل ذلك، وسار على هواه، ومزاجه، بأن يفعل الأمر الذي يعجبه، ويحبه، ويرضاه، ويترك الأمر الذي لا يحبه، ويشعر بأنه ثقيل عليه، أو يفسره بأنه غير ضروري! فإن مديره، سيوجه له إنذاراً بالطرد، إن لم يخضع لجميع التعليمات كلها. ثم يطرده، إن لم يخضع لسيده كلياً!

وكذلك العبد.. فإنه من الواجب عليه وجوبا مؤكداً، أن يطيع مولاه وخالقه، في كل شيء من أمور حياته الدنيوية، والسياسية، والإدارية، والتنظيمية، والاقتصادية، والاجتماعية، والفنية، والتعليمية، والعسكرية وسواها.

هدف الإسلام

فالإسلام جاء ليحكم، ويهيمن، ويسيطر على الحياة كلها، من صغيرها إلى كبيرها، من علاقات الفرد مع نفسه، ومع ربه، إلى علاقاته مع زوجته وأولاده، ثم علاقاته مع جيرانه، ثم مع المجتمع بأكمله، ومع الحاكم، والدولة، والدولة مع سواها من الدول الأخرى.

والإسلام الذي اختاره الله لنا.. هو إسلام واحد، ومجرد من أي صفة مضافة له. وليس إسلامين، أو ثلاثة، أو أكثر، أو له صفات، ونعوت متعددة! وهذا هو قول الله تعالى:

(إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ).(9).

ويعلق الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى على هذه الآية بقوله:

{ والإسلام: التحاكم إلى كتاب الله وطاعته واتباعه . . فمن لم يفعل فليس له دين، وليس مسلماً؛ وإن ادعى الإسلام وادعى أنه على دين الله . فدين الله يحدده ويقرره ويفسره الله، وليس خاضعا في تعريفه وتحديده لأهواء البشر. . كل يحدده أو يعرفه كما يشاء!} (10).

(وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ).(11).

ويعلق نفس الكاتب على هذه الآية بقوله:

{ ولن يكون الإسلام شعائر وعبادات، أو إشراقات وسبحات، أو تهذيباً خلقياً وإرشادا روحيا .. دون أن يتبع هذا كله آثاره العملية ممثلة في منهج للحياة موصول بالله الذي تتوجه إليه القلوب بالعبادات والشعائر، والإشراقات والسبحات، والذي تستشعر القلوب تقواه فتتهذب وترشد . . فإن هذا كله يبقى معطلا لا أثر له في حياة البشر ما لم تنصب آثاره في نظام اجتماعي يعيش الناس في إطاره النظيف الوضيء}.(12).

(ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ).(13).

ويقول سيد رحمه الله بخصوص هذه الآية:

(ولم يعد للمؤمن أن يتصور أن بهذا الدين – بمعناه هذا – نقصا يستدعي الإكمال. ولا قصورا يستدعي الإضافة. ولا محلية أو زمانية تستدعي التطوير أو التحوير. . وإلا فما هو بمؤمن؛ ما هو بمقر بصدق الله؛ وما هو بمرتض ما ارتضاه الله للمؤمنين!

(إن شريعة ذلك الزمان الذي نزل فيه القرآن، هي شريعة كل زمان، لأنها – بشهادة الله – شريعة الدين الذي جاء ” للإنسان” في كل زمان وفي كل مكان؛ لا لجماعة من بني الإنسان، في جيل من الأجيال، في مكان من الأمكنة، كما كانت تجيء الرسل والرسالات.

(فلا يقول: إن شريعة الأمس ليست شريعة اليوم، إلا رجل يزعم لنفسه أنه أعلم من الله بحاجات الإنسان؛ وبأطوار الإنسان!).(14).

إذن، هذه الآيات الثلاث تؤكد بشكل قطعي ويقيني، أن دين الله هو الإسلام.. وهو الوحيد المقبول عند الله، وهو كامل لا يحتاج أي إضافة، وقد ارتضاه الله عز وجل لنا ديناً. فما ينبغي لأي شخص أيا كان مركزه، أو علمه، أن يضيف أي وصف للإسلام من عقله الصغير، أو هواه.

مثلا أن يقول: الإسلام الوسطي؛ أو الإسلام المعتدل؛ أو الإسلام المتطرف؛ أو الإسلام السياسي؛ أو الإسلام الجهادي؛ أو الإسلام الحركي إلخ..

لا يجوز إضافة أي صفة للإسلام

إن من يضيف أي صفة للإسلام، إنما يفتري على الله الكذب، أولاً.

(إِنۡ هِيَ إِلَّآ أَسۡمَآءٞ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ).(15).

وثانياً: هو يتهم الله بالجهالة – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا – كأنه يقول: لم يكن الله يدري أنه سيأتي زمن فيه تطرف، وغلو، وسياسة، إلخ.. فنسي أن يضيف إلى الإسلام، وصفا يناسب هذا العصر، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً!

(وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّٗا).(16).

وثالثاً: إنه يستسخر من الله وآياته، ويستهزئ به! وهذا منكر من القول! بل هذا أشنع وأفظع من الشرك.

ورابعاً: فقد أحدث أمراً بدعياً، ما أنزل الله به من سلطان، وعصى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي ينهى عن ذلك أشد النهي.

حيث يقول في الحديث الشريف:

(عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ). حديث صحيح.

للإسلام اسم واحد فقط

الإسلام له اسم واحد فقط .. بدون أي إضافة، ولا نعت له، على الإطلاق. ولا يتجزأ، ولا يُقسَم إلى أنواع وأجزاء، وإنما هو كل كامل متكامل، وهو نظام عالمي للبشرية جميعاً، ومنهج للحياة بكافة فروعها وأقسامها.

فالسياسة تساوي الصلاة. والجهاد يساوي الحج.

وهكذا كل ما في الحياة، من فروع، وأقسام، فالإسلام له بصمة فيها، ولديه الحل الأمثل؛ والأفضل طراً، ولديه القانون، والتشريع، وكل التفاصيل اللازمة للحياة البشرية بكل تفرعاتها.

الأحد 8 شوال 1441
31 أيار 2020
د. موفق السباعي

المصادر:

الأعراف 59
البقرة 132-133
آل عمران 67
آل عمران 83
الكهف 29
الذاريات 56
الزمر 2
الزمر 66
آل عمران 19
ظلال القرآن آل عمران ص34.
آل عمران 85
ظلال القرآن آل عمران ص92.
المائدة 3
ظلال القرآن المائدة ص21-22.
النجم 23
مريم 64

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here