متى يستيقظ العرب من نومهم العميق؟

متى يستيقظ العرب من نومهم العميق؟

لقد مر العرب شانهم شان الامم الأخرى في مراحل كثيرة منها مشرقة واخرى مظلمة. لا أريد الحديث عن خدمة العرب للبشرية عندما اشاعوا العدالة الاجتماعية والتسامح والعلم في فترة فجر الاسلام. ف تلك امة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسالون عما كانوا يعملون كما ذكر القران الكريم. او كما قال الشاعر العربي لا تقل أصلي وفصلي إنما…أصل الفتى ما قد عمل.
لقد تحكمت الدول الاستعمارية أمريكا وروسيا وبريطانيا والصين وفرنسا اقتصاديا وسياسيا بالعالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى الآن. فعاثت في مصيره تخريبا وتقتيلا وتقسيما وهيمنة ونشرت فيه الحروب والكوارث والتخلف. لكن هناك دول تمكنت الخروج من القبضة الحديدية كالهند واليابان واوربا واندونيسيا وتركيا وإيران. لكن الدول العربية ظلت تبكي على ماضيها فأصبحت واضحت وامست تسير بسرعة مستغربة نحو التخلف والفقر والرجعية.
لقد تحول سكان الدول العربية إلى ضحايا ابرياء لا حول لهم ولا قوة. هؤلاء العرب تفتك بهم دون رحمة الصراعات المذهبية والدينية والحزبية والمناطقية واصبحوا أكبر مستورد لاسلحة الدول الاجنبية. تحولت دولهم إلى اسواق لاستهلاك شتى أنواع البضائع التي تدفع بالعملة الصعبة من كد وتعب وثروات الشعب. لكن الامر المهلك المدمر هو فقدان الهوية والحضارة والهروب من الواقع المزري والركون إلى تقليد الاخرين في كل شئ.
تمر الدول العربية في مراحل تقهقر أخلاقي إذ تخلوا عن العدالة الاجتماعية والتسامح ونصرة المظلوم وتقليد الاجنبي في الغث دون السمين. هذا الانحدار والتخلف يشمل الحكام والشعوب. فنرى الاحتلالات المتعددة لدول المنطقة منها العسكرية في العراق وليبيا وسوريا ومنها الإقتصادية في مصر ودول المغرب. لكن اخطرها العقائدية فدول عربية كثيرة أصبحت مرجعيتها اسرائيل وأمريكا وتستحي من الحديث عن تاريخها ودينها ولغتها وحضارتها. لقد نهضت شعوب كنا نعتبرها متخلفة كالافارقة الذين نهضوا في أمريكا وبعض الدول الافريقية. كما نهضت شعوب شرق أوربا حيث انتفضوا لانتزاع حريتهم. اما العرب فينتظرون معجزة لن تتحقق لان الله قال في كتابه أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
الأمر المحير والخطير بأن الردة الجديدة قد تكون مفهومة لو حصلت اثر الثورة الصناعية الأوروبية أو عندما هيمن الاستعمارين البريطاني والفرنسي على المنطقة أو عندما استحوذت أمريكا على قيادة العالم بعد فترة تسعينات القرن الماضي. انها لم تحصل ايضا عندما تأسست دولة الكيان الصهيوني عام 1948 او عندما انتصرت الاخيرة على دول عربية في حزيران 1967. كان يمكن في تلك الاحوال إيجاد بعض التفسيرات والمخارج التبريرية لاستسلام وصغور الحكام العرب للأمر الواقع. الغريب والعجيب أن هذه الردة جاءت بعد أن افل نجم أمريكا وإسرائيل وتاكلت قواهما الداخلية. كالذي يذهب إلى الحج عندما يعود الحجيج إلى اوطانهم بعد انتهاء موسمه. فاليوم الجميع يرى أن امريكا تترنح نتيجة وباء كورنا كما ان جريمة قتل جورج فلويد فضحت نظامها العنصري. لذا فالانتفاضة الآن يشارك فيها اغلب اطياف الشعب الأمريكي وتطالب بالعدالة ومحاربة العنصرية ونظامها الاستعماري في اضمحلال وضعف.
التاريخ لا يرحم وليس أمام العرب في ظل الاوضاع العالمية سوى تصحيح ما فرطوا به نتيجة اللاابالية العمياء والاعتماد على الغير. من المؤكد أن معاناة العراق وسوريا ومصر والجزيرة العربية ودول المغرب العربي واحدة تتمثل في معالجة وقف الانقسام والتشرذم. فالاتحاد الروسي أو الاتحاد الاوربي أو الولايات المتحدة صمدوا وتقدموا لاعتمادهم على قواهم الذاتية وثروات بلدانهم. فلا بد من البدء في خطوات مسيرة الالف ميل للوصول الى اسباب النهضة والتقدم. أن اهم تلك الأسباب هي نيل الإستقلال الحقيقي واقامة العدل وتحمل المسؤولية لدى الشعب وفرض تحالف اقتصادي فيدرالي أو كونفيدرالي بين الدول العربية. إن بقاء الشعوب العربية في هذا الحال ستكون نتائجه كارثية في عالم لا يحترم الضعيف حتى لو كان على حق. وسلوك طريق التقدم والازدهار مرهون بإرادة العرب أنفسهم وذلك بالاعتماد على الله وعلى الالتزام بالعلم والعمل.
الدكتور نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here