امريكا لم تخطئ يا سادة

امريكا أخطأت عندما دعمت بن لادن ضد التدخل السوفياتي في أفغانستان، وأخطأت عندما سلمت السلطة الى الفصائل الاسلامية المسلحة بعد ذلك.

أمريكا أخطأت عندما أسقطت نظام الشاه في إيران وساهمت في نقل الخميني من باريس ليستلم السلطة في طهران.
أمريكا أخطأت بدعم نظام صدام حسين في حربه ضد إيران (حرب السنوات الثمان 1980-1988)، من أجل اسقاط نظام الخميني.

أمريكا أخطأت في العراق بعد دخولها (2003) عندما سلمت السلطة لقوى الاسلام السياسي بعد قضائها على نظام صدام حسين.

أمريكا أخطأت في اطلاق سراح أبوبكر البغدادي من سجن بوكا (ليقوم بتشكيل داعش بعد ذلك).

أمريكا أخطأت في دعم التيارات الدينية المعارضة لنظام بشار الأسد في بداية اندلاع الثورة السورية.

أمريكا أخطأت في دخولها الكويت (جوعت الشعب العراقي)، أمريكا أخطأت في دخولها العراق (لا توجد اسلحة كيمياوية)، أمريكا أخطأت في عدم دخولها الصومال (تركته للميليشيات الدينية).

أخطأت في دعم نظام اردوغان، أخطأت في اسقاط معمر القذافي، أخطأت في انتخاب ترامب.

في بورما، في كوريا الشمالية، في القرن الافريقي، في امريكا الجنوبية…

أمريكا أخطأت.. أخطأت أمريكا.. أمريكا أخطأت..

هكذا يفسر لنا المحللون السياسيون من على شاشات الفضائيات أحداث هي من المفترض ان تكون حياتية لنا، تقرر مصير ومستقبل الشعوب التي نعيش فيها.

ولكن مهلا.. كيف تزداد قبضة أمريكا على العالم يوما بعد آخر، مع كل هذه الاخطاء بحيث يحق لنا أن نقول، وبثقة، بأن امريكا على درجة من الغباء بحيث تظل تكرر أخطاء بسيطة يعرفها كل السادة المحللين في بلدنا ولا تعرفها هي عن نفسها؟ بكل ما تمتلكه هي من متخصصين ومخابرات ومراكز دراسات علمية تدقق وتفحص كل معلومة سياسية وإقتصادية حول العالم؟؟؟

لماذا لا تكون أمريكا، يا سادة، تفكر بطريقة ثانية غير الطريقة التي تفكرون بها.. مثلاً أن مصلحتها هي على الجانب الآخر وليس بجانب مصلحتكم وهي تقوم بخدمة مصالحها هي وليست مصالحكم، وبذلك فإن خطواتها ليست أخطاء من وجهة نظرها وانما إجراءات ذكية لحماية نفسها وتوسيع نفوذها، ربما على حسابكم انتم وعلى حساب شعوبكم؟

أمريكا هي بلد الرأسمالية الأول في العالم، وهي تدافع عن طبقة أصحاب رؤوس الاموال، وأكبر خطر كان يهدد هذه الطبقة هي وجود الاتحاد السوفياتي، الذي ينشر فكر اليسار ويدفع الشعوب للمطالبة بتأميم المرافق الاقتصادية الحيوية وبذلك تخسر طبقة أصحاب رأس المال مشاريعها وتفلس.

هذا يعني إن دعمها لبن لادن، والفصائل الافغانية المسلحة لم يكن خطأً، فقد منعت الاتحاد السوفياتي من التمدد جنوباً وتوسيع نفوذه.

وتسليمها السطلة للقوى الدينية المتخلفة في أفغانستان لم يكن خطأً، فقد ضمنت تحجيم الافكار والنشاطات اليسارية المطالبة بالتحرر من سلطة أمريكا.

وإسقاط نظام الشاه لم يكن خطأ، فتسليم السلطة لنظام الخميني أوقف نمو التصنيع الإيراني الذي كان يسير بخطى واثقة نحو ظهور يابان ثانية في الشرق الأوسط. وبذلك أنقذ الشركات الغربية من ظهور منافس جديد يستحوذ على حصة من الاسواق، خصوصاً أسواق الخليج النفطية، التي تتمتع بقدرة شرائية تعتبر هي من الأعلى في العالم.

ودعم نظام صدام في حربه ضد إيران لم يكن خطأً، فقد أسهم ذلك في إستدامة الحرب لثمان سنوات متتالية أرهقت الإقتصاد العراقي النامي، والإقتصاد الإيراني، وتحكمت بأسعار النفط من خلالها، مما يعني المزيد من الأرباح للشركات التابعة لطبقة أصحاب رؤوس الاموال.

وإسقاط نظام صدام حسين بعد أن إستهلكت شعارات القومية عمرها الإفتراضي لم يكن خطأ بل مشروع تقسيم الشرق الاوسط الى تكتلين شيعي وسني كان يتطلب ظهور قوى جديدة شيعية في العراق، تضيف زخماً للنظام الإيراني ليوازن القوة مع السعودية ومصر وتركيا وبقية العالم السني.

ومد المتطرفين السنة مثل القاعدة وداعش بالدعم من خلال تركيا والعراق أنتج عنه تسويق القوة الامريكية على إنها حامية الشرق الاوسط من التيارات المتخلفة، ولم تظهر بعد ذلك أي قوة تحارب التواجد الأمريكي بصورة جادة.

على ذلك، فالفكرة القائلة بأن أمريكا أنما جاءت لتحررنا، كمنظمة خيرية، هي ثيمة اعلامية ينخدع بها السادة المحللون، لذلك فهم عندما يكتشفون بأن هناك ثمة خلل في عملية “التحرير” هذه، يعتقدون بكل سطحية بإن أمريكا قد أخطأت فيها.

لا يا ايها المحللون، أمريكا لم تخطئ، فهي تعمل لمصلحتها هي، لمصلحة رؤوس الأموال وأصحابها، وليس لمصلحتكم، لذلك فأنتم المخطئون وأمريكا لم تخطئ يا سادة.

حسين القطبي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here