قصيدةُ وطن مشروعٌ ولِدَ ليُعيدَ تراتبية الأولويات عند العرب

قصيدةُ وطن مشروعٌ ولِدَ ليُعيدَ تراتبية الأولويات عند العرب
بمناسبة دخول كتاب “قصيدة وطن” إلى مطابع المملكة المغربية والعراق
في وقت واحد
صالح الطائي
الآدميةُ ليستْ جيناً موروثاً فحسبُ بل عقيدةٌ يكتسبها المرءُ من خلالِ ما يتعرضُ لهُ من تجارب تصقلُ مهاراتهِ النفسيةِ لتجعلَ منها درةً عاريةً لا تخدعُ فحاماً ولا تاجرَ جواهر، يضيءُ زيتها من نارِ الحقيقةِ وصبرِ التاريخِ وتضحياتِ قهرِ السنين الخوالي والزمن السحيق.
والوطنيةُ ليستْ شعاراً فضفاضاً تلوكُ الألسنُ هيبتَهُ ولا تستشعر طعمه، ولا تتذوق نكهته، بل هي بناءٌ أخلاقيٌ يسموُ بالنفسِ البشريةِ إلى مصافِ الملائكةِ.
أما الأمةُ فهي سرُ الخلودِ ونسيجُ الوجودِ الخفيِّ الذي بَضَّعته المِحنُ، فسالَ دمُهُ غدراناً بلا شطآنٍ على سفوح الهيبةِ، ولمْ يجدَ طبيباً مداوياً، ولا كتفا يسندُ رأسه ولا سيفاً يحمي ظهره.
وحينما تجتمعُ الآدميةُ والوطنيةُ سويةً تزرعُ حقولاً من النوايا الصادقةَ التي تتحولُ إلى بلسمٍ يطببُ جراحَ أمةٍ كانت سيدةَ العالم، شهرَ الأعداءُ سيوفَهمُ بوجهِها، واغتصبوا عفتَها، وقتلوا براءَتها، وقادوها بسلاسلِ التشظي سبيةً تبحثُ عمن يشتري همها ويستر قبح أيامها.
مِنْ هذهِ الحافةِ الجارحةِ، مِنْ دنيا كلُ ما فيها يدعو إلى الحذر، ومِنْ حيثُ لم يفطن أحدٌ من قبلُ، ولدتْ فكرةُ “قصيدة وطنٍ”، وولدتْ معها رغبةٌ بأن تنتفض الأمة، فتعيدَ للتاريخِ صوتَ أمجادها أغنيةً على شفةِ الوجودِ يسمعها الكونُ سكوناً وكأنه في أقدسِ محرابٍ، وتخضعُ لها المباضعُ والسيوفُ صاغرةً لهيبتها، فلبى شعراءُ الأمةِ النداء، وهبٌوا يفيضونَ كرماً وعشقاً ليكتبوا رائيةَ العربِ بضمائر حوتْ من العشقِ أطنانا، ومن النبل بحارا ومحيطات.
إن هبَّةَ شعراء العروبة من المحيط إلى الخليج لينظموا تلك الأبيات الرائعة نصرة للعراق الأبي؛ هي صحوة ضمير أنبته روحه، فشعَر بالتقصير وألمَ الوخز، فأراد ان يعلن الولاء للأمة، ويجدد عهده بها بعد أن طال الفراق، وهي مجازفة كبيرة غير محسوبة النتائج في زمن القحط واليباب. ولذا كانت “قصيدة وطن” بُشرى الوهج المتألقِ الذي يُعلنُ عن ولادة تاريخ إنسانيٍ جديدٍ يشهدُ للعروبةِ أن مكوناتها ومكوناتها وأولادها مهما ابتعدت عن بعضها ظاهرا، ستبقى في داخلها ينبوعَ أمةٍ واحدةٍ، كريمة النفس، لا تطأطئ الرأس إلا عند سجودها لله تعالى، والشاهدُ على ذلك آلاف الغزواتِ التي تكسرت على جبلِ صمودِها عبر التاريخ الإنساني الطويل.
إن قصيدة وطن التي ولدت في أحلكِ أيامِ عروبتنا، وأكثرِها تشظياً وتباعداً وتوجساً وخوفاً وانهزاماً؛ وازعٌ أخلاقيٌ وقيميٌ أشهرَ كل مخزون البطولات التاريخية الذي كان مخفيا تحتَ تراكماتِ القهرِ وخيباتِ الهزائمِ، وصهرَها في كلماتٍ وقوافٍ وأوزانٍ ونظمها قلادة جُمان وجواهر في محاولة جادة لإعادةِ التوازن لأمةٍ تترنحُ تحت طعنات الأعداء وسياط الأصدقاء، ومغامراتِ ومؤامراتِ الجيران، وتكابرُ لتبقى واقفةً بشموخ الأجدادِ، ولذا استحق شعراؤها أن تُحنى لهم قامات المجدِ وسرادق الخلدِ، وأن يركع بين أيدِهم شكرَ القوافي وعبق التاريخ، فقد أعلنت القصيدة من حيث لا يشعرُ الأصدقاءُ والأعداءُ أنَ زمنَ الهزائمِ سيولي، وستولدُ الأمةُ الواحدةُ بكلِ كبرياءِ المجدِ من جديدٍ، لأنها هي التي أسبغتْ على طائرِ العنقاءِ سرَ الخلودِ ومنها تعلمَ أن يجددَ نفسَهُ بعدَ كل هزيمة.
انتهزُ هذه الفرصةَ لأقدمَ جزيلَ شكري وخالص امتناني لكلِ من أسهمَ في إنجاحِ هذا المشروع القيمي البنائي الكبير، سواءُ من روجَ ودعمَ وأشادَ وكتبَ عن المشروعِ ولاسيما موقع الناقدِ العراقي وموقع صحيفة المثقف وموقع هاملت الأدبي وباقي المواقع الأخرى، أو من كتبَ المقدماتِ والآراء التي أشادتْ بالمشروعِ وفرادتِه، أو الشعراءِ العراقيين والعرب الذين لم يبخلوا على الأمةِ بجميلِ نظمهم وصادقِ مشاعرِهم ونبلِ مواقفهم، أو الشاعرِ العراقي الأصيل المغترب ضياء تريكو صكر الذي تولى تدقيقَ وتنقيحَ المشاركاتِ وربطها، أو دارِ الوطنِ في المملكةِ المغربية التي تبرعت بطباعةِ ونشر كتابِ القصيدةِ على نفقتها الخاصة، أو دارِ الورشة العراقية التي ستقومُ بطباعة الطبعةِ الثانيةِ من الكتابِ، وكل من دعمنا بكلمةٍ أو قولٍ أو فعل.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here