تلك الأيام/ ليس دفاعا عن الدكتور حميد عبد الله

تلك الأيام/ ليس دفاعا عن
الدكتور حميد عبد الله
علاء كرم الله

قد يتفق معي الكثيرين بأن التاريخ يعد من أصعب العلوم وأخطرها!، لأنه قابل للزيادة والنقصان كما وأنه قابل للتزوير والتشويه وقلب الحقائق!، لذا أن كتابة التاريخ والتطرق للأحداث الماضية التي مرت، أمر في غاية الصعوبة وتحتاج الى أمكانيات فكرية وثقافية ونفسية عالية لكل من يتصدى لموضوع كتابة التاريخ وتوثيق أحداثه!، لذا طالما يكون سرد الأحداث التاريخية وروايتها مثار شك من قبل القراء ويكثر فيه وعليه الجدل والنقاش بين مؤيد ورافض!. لا سيما وأن الكثير الكثير ممن كتبوا التاريخ وأحداثه أو تحدثوا عنه حركتهم أهوائهم وميولهم السياسية والطبقية والدينية والمذهبية والقومية من حيث يعلمون أو لا يعلمون!. ويندر من أستطاع التخلص من هذه العقد والضغوطات النفسية والبنيوية والجينية حتى!. وبنفس الوقت أن القاريء نفسه والمشاهد والسامع لرواية حدث معين هو الآخر تحركه هواجس الحب والكره لشخوص تلك الحادثة التاريخية!، أضافة الى ما تمليه عليه أهوائه وميوله السياسية والدينية والقومية والمذهبية!. ولكن ورغم ميول القاريء وأهوائه وهواجسه وارهاصاته النفسية فأنه يستطيع أن يفرز ويلمس مصداقية من تكلموا عن التاريخ وأيامه ووثقوا أحداثه وخطوبه ومدى حياديتهم وصدقهم ونزاهتهم الفكرية والثقافية وهل هناك محاولات للدس؟، وهل لديهم مصلحة في ذكر الأحداث وروايتها؟، ام هي فقط خدمة للتاريخ وللحق وللحقيقة. لهذا كانت (تلك الأيام) بكل تفاصيلها وآلامها وأحداثها الجسام وعلى لسان راويها وموثقها الدكتور حميد عبد الله عنوان كبيرا للنزاهة الفكرية والحيادية والمهنية والجدية والعمق والحرص الكبير على صدقية ما يروي ويقول بعد أن يوثق الحدث وروايته على لسان أكثر من شاهد وبالصوت والصورة، لذا حضيت (تلك الأيام) بأعلى نسبة مشاهدة لربما وصلت الآن الى 20 مليون أو أكثر أو أقل بقليل!. من جانب آخر أن الأنسان أيا كان وفي أي زمان ومكان يميل الى معرفة الأسرار والأحداث التي مرت أو التي سمع عنها ولم يشاهدها ويعيشها، وما أكثر الأسرار والأحداث الغامضة التي جرت وتجري في العالم بشكل عام وفي الحكومات العربية ولدى قادتها تحديدا، بسبب دكتاتورية تلك الأنظمة ملكية كانت أم جمهورية، لكون هذه الحكومات تفتقد الى الشفافية في حكمها وفي علاقتها مع الشعب!. فالمعروف عن الحكام العرب أنهم يحكمون شعوبهم من وراء الجدران ومن خلف الأبواب المغلقة والموصدة بسرية تامة، وهم بهذا يزرعون الفضول لدى الناس لمعرفة مايدور خلف تلك الجدران والقصور والأبواب. وكان النظام السابق من أكثر الأنظمة سرية في الحكم!، فما بالك بأجهزته المخابراتية والأمنية التي هي لا بد وأن تكون كذلك بسبب طبيعة عملها الذي يقوم ويعتمد على السرية. والذي يؤسف له حقا بأن هناك مئات الألاف بل لربما تصل الى الملايين من الملفات المليئة بالاسرار وبتفاصيل الوضع السياسي والأمني والديني والقومي والأقليمي والعربي وكيف كانت تتعامل الدولة مع تلك الملفات التي كانت تحتويها أدراج تلك الأجهزة الأمنية والمخابراتية، وقعت كلها بيد المحتل الأمريكي حيث تم الأستحواذ على مئات الأطنان من الوثائق والملفات السرية والتسجيلات الخاصة لأجتماعات القيادة السياسية بالعراق وعلى مدى 35 عاما وتم نقلها الى واشنطن وأسرائيل! لمعرفة المزيد من أسرار تلك الحقبة التاريخية التي حكمت العراق. ناهيك عن الكثير من الملفات والوثائق والكتب المهمة التي تبعثرت في الشوارع وصارت بيد المارة والناس يطلعون ويقرأون ما فيها وما أحتوته من أسرار؟ ، حتى أن قسم من تلك الملفات والكتب والوثائق صارت عند باعة اللبلبي والباقلاء!. ولا أدري أين كانت عقول قادة تلك الأجهزة الأمنية المرعبة عندما تركوا ملفاتهم وما تحويها من اسرار ووثائق مهمة بهكذا حال عرضة للضياع والتلف والسرقة والتهب!؟. وفي حقيقة الأمر أن اللوم كل اللوم في ضياع تلك الملفات والكتب والتسجيلات الصوتية وتفشي أسرارها وما كانت تحتويه من أمور مهمة وخطيرة تخص أمن البلاد يقع على مسؤولي تلك الأجهزة لا غير!، اما لجهلهم بأن هناك أنظمة أدارية وأرشيفية حديثة معمول بها في كل دول العالم، أو بسبب قصور في نظرتهم للأحداث وقرائتها!، فلا داعي لألقاء اللوم على هذا وذاك ان كان الدكتور حميد او غيره؟!. وبعد كل هذا نقول: لماذا هذا الهجوم والتنكيل والسب والشتم على الدكتور حميد عبد الله من قبل البعثيين تحديدا؟ فبرنامجه هو توثيق لأحداث تاريخية مضت حيث قام بجهد أستثنائي كبير بجمعها وتوثيقها بشكل سليم ومنطقي وحيادي ومهني، ولم نلمس في أية حلقة من حلقات (تلك الأيام)، وجود أو توفر القصد السيء من قبل دكتور حميد سواء في كشف الأسرار أو غير ذلك ؟ كما وأن القاصي والداني يعرف بأن حقبة النظام السابق تعد الأهم والأبرز في تاريخ العراق الحديث ليس لطول فترة الحكم البعثي والتي تجاوزت 35 عاما (1968 – 2003 ) فحسب بل لكثرة الاحداث والمؤامرات والحروب والصراعات السياسية الداخلية والخارجية والأقليمية التي شهدتها، وخاصة فترة حكم رئيس النظام السابق (1979 – 2003). فما الضير من توثيق جزء من تلك الأحداث وعرضها للجمهور كأحداث تاريخية، لا يؤثر عرضها أي شيء بسبب التبدلات والتغيرات الكبيرة التي جرت ليس في العراق فحسب بل على مستوى المنطقة والعالم أجمع؟ كما ان كل متابعي حلقات (تلك الأيام) والذين وصلوا قرابة 20 مليون مشاهد ومتابع لم يسمعوا من الدكتور حميد عبد الله بأن صدرت منه مرة أية أساءة بكلمة أو حرف على رموز النظام السابق ولا على شخوص وقادة الحكم العارفي والحكم القاسمي والملكي، وهذا يحسب للبرنامج ولشخص الدكتور بالتقدير والأحترام وأعتقد جازما بان حيادية الدكتور حميد وموضوعيته ونزاهته الفكرية ومهنيته العالية كرجل أعلامي محترف بأمتياز ووطنيته الصادقة، هي سر نجاح البرنامج وكثرة متابعيه!. كما وأنه ومن خلال تعليقاته المقتضبة والقليلة عن الموضوع الذي يطرحه طالما أشاد بقوة الدولة أبان حقبة البعث ومركزيتها ومهنية وزرائها ورجالاتها مقارنة مع حكومات ما بعد 2003 ! وما وصل أليه العراق من أنفلات وتراخي وعدم مركزية. فالرجل فتح أبواب برنامجه لكل الأحداث التي جرت وتجري بالعراق منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 ولحد الان. فلا داعي لسب الرجل وشتمه فقد زادته مسبتكم علوا وتألقا وأكبارا في نظر جميع متابعيه لا سيما وأنه لم يرد على كل من أساء أليه!، ألا بمزيد من الأبداع وتوثيق التاريخ والمصداقية والشفافية! من أجل العراق الحبيب وتلك والله هي صفات الكبار، فالرجل يعمل بمهنية عالية وبحرفية قل نظيرها. أخيرا نقول: لنترك الرجل يعمل من أجل خدمة التاريخ ومن اجل الحقيقة التي غابت عنا والتي طالما بحثنا عنها، وبالتالي من أجل العراق الحبيب. والله من وراء القصد.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here