العراق وأمريكا….حوار اضطرار ام ضرورة؟؟

العراق وأمريكا….حوار اضطرار ام ضرورة؟؟

حكمت مهدي جبار.

بعد ان احتلت امريكا العراق ومرور عشر سنوات على بقاء قواتها العسكرية وتطور الاحداث وتغيرات المواقف الدولية عقدت اتفاقيات بين البلدين وكان اهمها:

الاولى :اتفاقية انسحاب القوات الأمريكية المعروفة والتي انتهت مع نهاية عام ٢٠١١ قانونياً وعمليا.

الثانية : اتفاقية الإطار الاستراتيجي النافذة، وهي موضع اختلاف في تفسيراتها والتزاماتها وشابها الكثير من الغموض والالتباس من كلا الطرفين إضافة إلى ضعف الآليات المتبعة لتنفيذ الالتزامات وتباين وجهات النظر حول المدة القانونية لها، كما أن هذه الاتفاقية بقيت في إطار التنظير الشكلي أكثر من الأبعاد العملية خاصة في طرق الاحتجاج ببنودها، ولهذا تحتاج أما لإعادة نظر من حيث تعديلها أو تطويرها أو استبدالها باتفاقية جديدة في ظل المعطيات والتحولات الجيوسياسية التي استجدت بعد هذه الاتفاقية.

ثم طرحت امريكا مقترحا بعقد حوار بينها وبين العراق بعد ان وقعت احداث عدة اهمها اضطراب وضعها الداخلي بعد مقتل احد مواطنيها السود من اصل افريقي وازمة وباء كورونا ..وهكذا اختارات العراق ليكون الطرف المحاور معها وذلك يأتي لأسباب تتمثل في موقفها المحرج والمضطرب والذي عبر عنه (بومبيو) وزير خارجيتها بأن الولايات المتحدة (ستضطر) إلى إعادة تقييم إستراتيجيتها في العراق .انظر الى عبارة (تضطر) التي تعني ان امريكا لم تأتي للجلوس في حوار مع العراق حرصا على علاقاتها النقية المبنية على اسس العلاقات الدولية الطيبة.انما (أضطرت) لذلك خوفا على مصالحها والخشية من وجود اطراف تنافسها على هيمنتها على دول العالم..فلولا الضغوطات المتزايدة من بعض البلدان التي تهتم بسيادتها ووطنيتها وكذلك بداية اضطراب وضعها الداخلي وتزايد قوة الشعور الوطني وخاصة العراق المتمثل بالرفض للهيمنة الامريكية ووضعها لشروط على طريقة المتسلطين الطغاة.

ان الشعب العراقي يرفض اي وجود للقوات الأمريكية في العراق، وتتقارب كل وجهات النظر الوطنية حكومة ودولة وبرلمان واحزاب وقوى وطنية اخرى وفئات شعبية واسعة في موقفها الرافض وبالعلن.بينما يصرح (مايكك بومبيو) وزير خارجية امريكا بما مدعيا بأن حكومته :

((تخشى على العراق من ان ينزلق نحو عدم الاستقرار نظرا لانتشار فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط وتراجع الاقتصاد العراقي، الأمر الذي من شأنه أن يعزز الانقسامات السياسية الداخلية ويقوي عودة داعش مرة أخرى إلى الواجهة، في الوقت الذي يعزز من النفوذ الإيراني في العراق من جديد عبر إسناد قوات الحشد الشعبي في مهام قتالية تعيد بزوغه للواجهة العراقية من جديد)).

هذا ماتراه امريكا على لسان وزير خارجيتها 0)بومبيو).لكن ماوراء الاقنعة ان هناك دوافع لواشنطن لإجراء مثل هذا الحوار يرتبط بأهم قضية هي بالأساس تتمثل (مواجهة وتقليص النفوذ الإيراني في العراق).وهو أمر سعت له ادارة ترامب في السابق وكانت تتأمل ان ينتهي الوجود الايراني في العراق لكن هذا النفوذ تعزز وتزايد بعد تشكيل حكومة عادل عبد المهدي رغم استقالتها والضغوط الشعبية والسياسية التي مورست ضدها.والدافع الامريكي الاخر يأتي مرتبطا وفق المقاربة الدبلوماسية المرتبطة بالسياقات الاقتصادية والأمنية.فيما يخص سلامة تواجد قواتها داخل العراق.

عندما مارست واشنطن سياسة الضغط من خلال العقوبات الاقتصادية على إيران وبعد مرور فترة وجدت انها لم تكن كافية لإرضاخ إيران والحد من نفوذها في العراق،كما ترى هي. كما ان الادارة الامريكية تعتبر ان استمرار استهداف مصالحها بالاعمال العسكرية داخل العراق انما هو بدفع من ايران.وهكذا رأت ان اقرب حل هو ان تجلس مع الحكومة العراقية وتتحاور معها في هذا الصدد.وبنفس الوقت ان امريكا مترددة في اتخاذ قرار انسحابها الكامل من العراق لأنها تعتبر هذا الانسحاب يضع ايران في موقع الرابح في اللعبة اذا مانظرت اليه انتصار استراتيجيا لإيران.

يبدوا ان امريكا في مأزق رغم تظاهرها بانها القوية المسيطرة.والدليل انها جاءت تبحث اليوم عن خيارات وهي حائرة مابين البقاء في العراق مع اتباع اسلوب ومناورة جديدة مع ايران بما يجعل ايران تتحيد بوجودها في العراق او التفاوض والتفاهم مع العراق عبر الحوار لعلها تجد مخرجا آمنا.او تسعى لأحلال توازن عراقي-إيراني في المنطقة بما لايؤثر على امنها القومي واقتصادها ومصالحها ووجودها كدولة قوية في العالم.

اذن امريكا لايهمها مايصيب العراق من اذى من هذا او ذاك الا بقدر ما يصيبها ويؤذيها فهي ليست حريصة على امن العراق من اجل العراق انما من اجل الحد من النفوذ الايراني الاقوى من العراق والخشية من تفوقه ليكون لاعب قوي ومنافس في منطقة الشرق الاوسط.لذلك نرى كيف ان امريكا تعمل لأستغلال الازمات الاقتصادية والانقسامات السياسية والفوران الشعبي داخل الغراق بل هي التي تسعى بالخفاء كي يعود تنظيم داعش من جديد،بطريقتها الخبيثة.

لقد اتضح ومن خلال سياسة الادارة الامريكية على يد ترامب ومن خلال ماحدث من تهديد ووعيد بأن امريكا لا تريد أي مواجهة مع إيران في العراق، فلجأت الى استخدام الضغوطات على طهران من خلال التظاهر بدعم العراق رغم اننا لم نلمس شيئا من ذلك الدعم.فظلت تعمل في ان تقنع العراق بان يتخذ سياسته بعيدا عن ايران وعدم السماح لها بالتدخل في شؤونه الداخلية الخاصة وان لايعمل العراق على اي شيء يفيد ايران ويدعمها وفي اي مجال..وتعتقد امريكا ان ذلك سوف يجبر إيران على التعامل وفق هذه المعطيات الجديدة.

أن اغلب القوى السياسية العراقية والشعب عامة يريدون انسحاب القوات الأجنبية- الأمريكية من العراق، واتخذه البرلمان من أهم الأهداف التي تدفع الحكومة العراقية الحالية للحوار مع الولايات المتحدة،باعتباره اهم عامل من عوامل السيادة الوطنية التي تجعل منه بلدا محترما قائما بذاته يستطيع حماية سيادته وأجواءه.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here