كورونا وجدلية العقل والإيمان

كورونا وجدلية العقل والإيمان

قبل الدخول في أهم جدلية إلا وهي جدلية العقل والإيمان والتي ظهرت أخير وبقوة بعد ظهور وانتشار فايروس كورونا وتهديده البشرية في كل مكان، سوف نعرف العقل والإيمان لندخل في صلب الموضوع. فنرى تعريف العقل عند أرسطو هو القدرة على الإدراك وهو القاسم المشترك مع بقية الأفراد المنتمين لنفس النوع. وعند الفارابي فيصفه بالآلة التي يستطيع الإنسان من ان يفكر ويتأمل ومن خلالهما يستطيع الكشف عن ماهية الأشياء وأسرار الطبيعة. أما بلاتونوس الفيلسوف اليوناني اعتبر العقل هو أول مصدر معرفي فاض من الله سبحانه تعالى. أما الفيلسوف الإنكليزي جورج باركلي فاعتبر العقل جوهر مستقل ومكانته تأتي بعد مكانة الله، أما الإيمان وهنا نقصد الإيمان الديني بالتحديد هو ذلك النظام المبني على أفكار وعقائد والتي يهدف لتحديد الغاية والهدف من هذا الكون ولو ركزنا على المعنى اللغوي للعقل وهو عكس الفوضى أو الحكم على الأشياء والأمور بحكمة ودراية أما الإيمان فهو عكس الكفر والثقة المطلقة ان كانت بأفكار أو معتقدات أو نظريات. فنجد بأنه لا يوجد هناك تناقض أو تضاد بين المعنيين وبالتالي فأن هذا النظام الفكري العقائدي ينسب لنفسه وللنتائج التي يصل إليها مرجعية مقدسة وتكون لهذه النتائج مكانة مقدسة قد لا تتوافق مع ما يهب إليه العقل من نتائج وبراهين وإثباتات فمن هنا نشأت هذ الجدلية بين العقل والإيمان. فالإيمان هو نظام فكري عقائدي يهدف إلى تحديد الغاية والمقصد من هذا الوجود بكل أبعاده وان من أهم الدوافع التي تدفع الإنسان للإيمان المطلق بالمعتقدات وان لم تتوافق مع العقل، ومن هنا نشأت هذه الجدلية بين العقل والإيمان. وحيث ان الإيمان هو حاجة نفسية وبايلوجية حيث ان الإيمان هو حاجة الإنسان للشعور بالأمان من خلال حياة الإنسان على الأرض ومصير الإنسان بعد الموت وأيضاً من الناحية البايولوجية فأن الإيمان بوجود قوى عظمى تسيطر على هذا الكون وعلى الإنسان، هي رغبة غريزية لدى الإنسان.

وحيث ان التفكير العلمي المرتبط بالعقل بكل مستوياته العلمية والعملية هو مرتبط بعالمنا الواقعي الفيزيقي ومشاكله وهو بالتأكيد ليس المستوى الأوحد الذي يشغل تفكير الإنسان وإنما العالم الغيبي الميتافيزيقي له مساحة واسعة في تفكير الإنسان وهذا المستوى يفشل العلم من التعامل معه وينجح الإيمان في حل الكثير من الغاز هذا المستوى الغيبي والميتافيزيقي وهكذا البناء الحضاري للإنسان هو بحاجة لطرفي الجدلية العقل والإيمان أي العلم والدين ولا يمكن للإنسانية ان تضحي باي واحد منهم على حساب الآخر أي التمسك فقط بالعلم وترك الإيمان كما يفعل الملحدون أو التمسك بالدين فقط وترك العلم كما يفعل تجار الدين وجهلته.

كورونا ومواقع التواصل الاجتماعي وتلويث بيئة الوعي الإنساني

مع طول أزمة مرض الكورونا وطول فترة الحجر الإلزامي لمعظم سكان العالم زادت الفرصة المتاحة للجميع من الجلوس وقضاء ساعات طويلة أمام الأجهزة الإلكترونية ولا ننسى هناك ثلاثة مليار إنسان يستفاد من هذه التكنلوجيا حول العالم، ومن خلال ما يطرحه كل إنسان تستطيع ان تعرف الكثير من شخصية المشارك، فقديما قالوا، قل لي ماذا تقرأ فاستطيع ان اعرف شخصيتك أو قل لي من هم أصدقائك أستطيع ان أقول لك من أنت أما اليوم فان صفحتك على مواقع التواصل الاجتماعي تعكس الكثير من شخصيتك وأسلوبك في التفكير ونظرتك للحياة، أو من خلال ما تساهم به أو تشاركه مع الآخرين والكثير من الشركات والمؤسسات وحتى الأمنية منها تستطيع ان تتعرف على الصفات الشخصية من خلال صفحة الفيسبوك أو الواتساب أو الإنستغرام.

هناك من يدخل وهدفه زيادة الوعي الإنساني من خلال طرح الكثير من القضايا الإنسانية إذا كانت تتعلق بالإنسان نفسه أو بالبيئة المحيطة به أو بكل ما يتعلق في زيادة هذا الوعي ونشره وإيصاله إلى اكبر شريحة من الناس وبالمقابل هناك من يساهم في تلويث الوعي الإنساني من خلال طرح قضايا ومواضيع ليس لها أي فائدة أو إضافة سوى الشهرة أو إشباع الرغبات لإشباع الأنا محاولين الاستفادة من مقولة للرسام الأمريكي “آندي وارهول” عام 1968: “في المستقبل، سيكون بقدرة أي شخص أن يحظى بـ 15 دقيقة من الشهرة”. 15 دقيقة، هي فرصته للإطلال على العالم بأسره.

فانطلاقا من مقولة اندي راح الكثير يحلم بالشهرة وان يكون اسما معروفا أو أنصاف الموهوبين في مجالات فنية معينة أو قابلية على الكلام المتواصل في مواضيع لا تضيف للمتلقي أية إضافة علمية أو أدبية أو تنمي الوعي للفرد أو للجماعة، وهناك من ينجح ومستمر وخاصة ان عدد المشاهدات بجانب كونها شهرة فهي مصدر لجني الأموال والأرباح. والبعض الأخر يفشل ويكرر المحاولة على الرغم من ان ما يطرحونه من إنتاج لا يتعدى عدد مشاهداته عدد أصابع اليد والمشكلة انهم مستمرين فلا ضير ان تكون هناك مساهمة أو مشاركة كل سنة مرة ولكن التكرار الممل وهؤلاء يحاولون البحث عن الاهتمام وجذب الانتباه بشكل مفرط وذلك يشير إلى خلل نفسي بحاجة إلى استشارة طبية.

وهناك من يذهب بعيدا في نشر صور وفديوهات وقضايا عائلية خاصة لا ضير ان تكون في المناسبات ولكن ان لا تشمل الحياة اليومية وجدول وأوقات نومك وأكلك وصورني وأنا لا أعرف، أو على عناد بنت عمتي ودعوة لنا جميعا مع أية منشور وفديو ننشره يجب ان نسأل أنفسنا ماهية الرسالة أو الفائدة للمتلقي وان نبتعد كثيرا عن ان تكون منشوراتنا طريقا لابتزاز الشهرة من المتلقي.

د.عامر ملوكا

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here