أفول نجم آخر من ذلك الجيل .. الدكتور حمدي شكر عباس التكمجي في ذمة الخلود

أفول نجم آخر من ذلك الجيل
الدكتور حمدي شكر عباس التكمجي في ذمة الخلود

عادل حبه

في فجر يوم السابع عشر من حزيران 2020، وافت المنية وغاب عنا الفقيد الدكتور حمدي شكر عباس التكمجي عن عمر ناهز الواحد والتسعين عاماً في العاصمة الأردنية عمان. رحل الفقيد بعد أن عانى أشد المعاناة جراء المرض العضال الذي فتك به في السنوات الأخيرة. ولد الفقيد في حي صبابيغ الآل من رصافة بغداد عام 1929. والفقيد هو نجل طيب الذكر الحاج شكر عباس التكمجي، وشقيق كل من الفقيد الدكتور الإقتصادي حافظ شكر التكمجي والمهندس حسين شكر التكمجي. أكمل الفقيد الدراسة الأولية في المدرسة الجعفرية، ولينتقل بعدها إلى إكمال دراسته في المتوسطة المركزية ثم الإعدادية المركزية في بغداد. وانخرط منذ سن مبكرة بحماس في النشاط الوطني الديمقراطي ضد الهيمنة الأجنبية على البلاد وهشاشة الحكم ونزعته البوليسية ومن أجل بناء العراق حراً ومزدهراً. كما ساهم مع مبادرة شقيقه الدكتور حافظ التكمجي وصديق العمر الشهيد محمد صالح العبلي في مسيرة التنوير عبر فتح مكتبة في محلة قنبر علي بغداد تعني بنشر وبيع الكتب لترويج الثقافة

حافظ شكر التكمجي ومحمد صالح العبلي وحمدي شكر التكمجي في عام 1945
التقدمية، متأثرين بما أفرزته أجواء الحرب العالمية الثانية ضد الفاشية والنازية من أفكار تحررية وديمقراطية. هذه الظروف هي التي قربته من الحزب الشيوعي العراقي وأفكاره وسياسته شأنه في ذلك شأن المزيد من أبناء وبنات جيله، جيل التنوير جيل الباحثين عن الحقيقة، جيل الإصرار على نقل وادي الرافدين إلى عتبة الحضارة والتمدن وإنتشاله من حالة البؤس والركود الاجتماعي والإقتصادي.
في أواخر الأربعينيات، قرر والده الصنايعي وصاحب الورشة والذي كان يعير أهمية للعلم إرسال الشاب حمدي التكمجي لتلقي التعليم في الولايات المتحدة في فرع هندسة الميكانيك، هذا الفرع الذي له علاقة بمهنة الوالد. وبعد سنوات عاد إلى العراق ليكمل مشواره المهني والسياسي. وكان شعب العراق قد خرج للتو من إنتفاضة تشرين الثاني عام 1952، هذه الإنتفاضة المجيدة التي ألهبت حماس العراقيين وأسقطت وزارة تلو الوزارة وغيرت ميزان القوى لصالح مطالب الجماهير في عصرنة الدولة العراقية. ومع عودة الشاب حمدي التكمجي، كانت الأجواء تتميز بقدر من تراجع الأجواء البوليسية مما سمح لقوى المعارضة تعزيز نشاطها وتوحيد قواها. وكان من بين تلك النشاطات قبام منظمات اجتماعية كحركة أنصار السلام ورابطة المرأة العراقية وإتحاد الطلبة العام والشبيبة ونشاط نقابي عمالي محدود. وبادر أبن المحلة الشاب إلى تنظيم فتيان محلتنا بفريق يدعى ” فتيان وشبيبة أنصار السلام”، وكان يروي لنا مخاطر حرب نووية كمجزرة الإبادة الجماعية للشعب الياباني التي نفذها حكام الولايات المتحدة ضد هيروشيما وناغازاكي، هذا إضافة إلى سعيه لنشر الوعي ونزعات التنوير لمواجهة حالة التخلف التي فرضت على العراقيين من حكامه وحماتهم في الخارج. كما ساهم في النشاط السري للحزب الشيوعي العراقي خاصة بعد تولي الشهيد سلام عادل قيادة الحزب الذي ربطته مع الفقيد حمدي التكمجي أواصر من الود والطريق المشترك.
إقترن الفقيد في تلك الفترة بالسيدة الفاضلة باسمة البحراني وأنجبا تباعاً ذريتهما الثلاثية، المهندس عباس والدكتورة زينب والمهندس حيدر الذين زرعوا البهجة لوالديهم بفريق جميل من الأحفاد والحفيدات.
بعد ثورة تموز عام 1958، تفتحت آفاق أمام العراقيين كي يضعوا بلادهم على سكة التقدم والعصرنة. وكان من بين الإجراءات التي اتخذتها سلطة تموز هو العناية بالتعليم التي تضمنت خطط مهمة لإشاعة التعليم في مختلف مراحله، ومن ضمنها إرسال الطلبة الموهوبين في بعثات للتخصص في مختلف الفروع وخاصة العلمية. وتقدم الفقيد بطلب إلى مديرية البعثات للحصول على شهادة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية من جامعة موسكو في عام 1959. وشارك الفقيد في نشاط جمعية الطلبة العراقيين وفي منظمة الحزب في الإتحاد السوفييتي، وإشتد هذا النشاط خاصة بعد كارثة شباط عام 1963؛ حيث الغت مديرية البعثات المخصصات للطالب حمدي التكمجي شأنه في ذلك شأن كل الطلبة العراقيين الدراسين على حساب الحكومة العراقي. ومع ذلك استمر الفقيد في تلقي دراسته حتى حصوله على شهادة الدكتوراه، وعاد إلى العراق في أواخر الستينيات من القرن الماضي ليعمل في القطاع الخاص. واستمر في مهنته لحين شروع حزب البعث بالتخطيط لهجومه على الحزب الشيوعي مما إضطر الآلاف من الشيوعيين والديمقراطيين إلى الرحيل عن بلدهم، ومن ضمنهم حمدي التكمجي الذي استقر في العاصمة الأردنية حتى ساعاته الأخيرة. وأصدرالفقيد سلسلة من الكتب لإحياء ذكرى من فقدهم العراق من مفكرين وفنانين وسياسيين من أمثال محمد صبري ويوسف العاني والشهيد محمد صالح العبلي، ليغني المكتبة العراقية بمزيد من تراثنا الإبداعي.
نودعك أيها العزيز، دون أن نفارقك، ودون أن تمحى من ذاكرتنا وذاكرة كل من رافقك وعرفك سماتك في الاستمرارية بالعمل لخير العراق. نم قرير العين وبسلام في مثواك الأخير، وللأحبة من آل التكمجي …للعزيز حسين التكمجي وللعزيزة باسمة البحراني قرينة الفقيد ولعباس وزينب وحيدر ذرية الفقيد ولجميع أحفاد وحفيدات الفقيد آيات من الصبر والسلوان ونشارككم الحزن في هذا الفقدان الأليم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here