عزيزي فخامة الرئيس محمود عباس
تحية طيبة وبعد،
آمل أن يوقظكم هذا النداء النهائي إلى حقيقة لم يعد بإمكانكم تجاهلها. لقد أوشك الوقت على النفاد وسيحدد قراركم الفوري بالموافقة أو رفض الدخول في مفاوضات سلام جديدة مع إسرائيل مستقبل شعبكم للأجيال القادمة. فإمّا يعيش الفلسطينيون في سلام ووئام مع إسرائيل، ينمون ويزدهرون ، أو سيظلون أمة محطمة يائسة ينتظرون بصيص أمل استعصى عليهم طوال سبعة عقود – وأنتم تختمون مصيرهم.
الآن وبعد أن استعد نتنياهو لضم جزء كبير من الضفة الغربية فأنتم تواجهون منعطفا تاريخيا: إما أن تستيقظون على الواقع وتستبقون خطة نتنياهو من خلال الدعوة لمفاوضات سلام جديدة ، أو تبدّدون البقية المتبقية من آخر فرصة أصبحت تتلاشى. يجب أن ترقون إلى مستوى الحدث كما ينبغي لقائد وأن تتمسّكون بالفرصة لأنكم وصلتم إلى شفا اللاعودة.
أرجو عندما تنظرون من حولكم أن تسألوا نفسكم السؤال التالي: هل اقترب شعبكم اليوم أية خطوة إلى الأمام من تحقيق حلمه العزيز في إقامة دولة مستقلة مما كان عليه الوضع قبل 10 أو 15 أو 20 عامًا ؟ أنتم تعرفون أفضل من أي شخص آخر أن الجواب قطعا ً لا. لقد فاتتكم العديد من الفرص وفشلتم في إدراك أن الوقت لم يكن إلى جانبكم.
الأسباب كلها واضحة بشكل صارخ.
لقد تقدم العالم ، لكنكم ما زلتم عالقًين في أوهامكم القديمة والمتعبة لدرجة أن القضية الأخلاقية للفلسطينيين ستسود بطريقة ما لأن معاناتهم لا يمكن أن تذهب سدى. الحقيقة هي أن أولئك الذين اعتادوا على الإهتمام بمعاناة الفلسطينيين لم يعودوا يهتمون كثيرًا، وأولئك الذين ما زالوا يفعلون ذلك لا يملكون نفوذًا سياسيًا لتغيير الأمور.
إن مؤيديكم التقليديين – الدول العربية ، وخاصة في الخليج بقيادة السعودية – منشغلون كثيرا ً بمشاكلهم الداخلية وهم أكثر قلقًا بشأن التهديد الإيراني من المحنة الفلسطينية. لم يعودوا ينظرون إلى إسرائيل على أنها عدو بل شريك استراتيجي قادر على مواجهة إيران، ومعا ً قادرين على ردع طهران عن تهديد أمنهم القومي أو تقويض رخائهم الإقتصادي.
إنهم يتبادلون المعلومات الإستخباراتية والتكنولوجيا المتقدمة وحتى التنسيق العسكري. بالنسبة لهم، إسرائيل حقيقة لا يقبلونها فقط بل ينظرون إليها كدعامة أو سند يمكنهم الإعتماد عليه. إنهم يظهرون ولاءً كاذبا ً للقضية الفلسطينية عن طريق الإمتناع عن الإعتراف الدبلوماسي الكامل بإسرائيل، ، ولكن هذا ما سيحدث أيضًا إذا بقيتم متعنتين ورفضتم الإلتزام بمفاوضات بحسن نية لتحقيق السلام والإزدهار لكل فلسطيني، شباب كانوا أم كبار السنّ ، وهو أمر مهم للغاية.
الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب هي أقوى داعم لحكومة نتنياهو وتدعم بشكل كامل الضمّ المخطط له. وصفقة القرن التي طرحها ترامب تقول كل شيء. لقد تم وضعها إلى حد كبير من خلال التشاور الكامل مع نتنياهو وبانت بصماته في كل بند من بنود الصفقة تقريبًا. وبرفضكم التفاوض مع الولايات المتحدة نتيجة لاعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل أقصيتم نفسكم من العملية برمتها، الأمر الذي أدى أيضًا إلى قطع الولايات المتحدة مساعداتها المالية عن الفلسطينيين.
وبالنسبة لنتنياهو، الدعم الأمريكي هو الأهم لأنه يريد استغلال دعم ترامب من خلال التحرك بسرعة نحو الضم قبل انتخابات نوفمبر. وإذا تصرف نتنياهو الآن، فحتى لو فاز بايدن بالرئاسة سيكون من المستحيل بالنسبة له أن يجبر إسرائيل على عكس مسارها على الرغم من حقيقة أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي يمكنها ممارسة الضغط على إسرائيل لتقديم أي تنازل. لقد عمل التحالف الإستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة – إلى جانب الدعم الواسع لإسرائيل من قبل الجمهور الأمريكي – على حماية إسرائيل في الماضي ومن غير المحتمل أن يتغير في ظل إدارة بايدن.
إذا كنتم تعتقدون بأن الإتحاد الأوروبي سيأتي لإنقاذكم، ستكونون مخطئًين مرة أخرى. صحيح، لقد أظهر الإتحاد الأوروبي دعمًا ثابتًا للفلسطينيين من خلال الدفاع عن حقهم في إقامة دولة وعن طريق تقديم أكبر مساعدة مالية بانتظام لإبقاء حكومتكم قادرة على الإيفاء بالتزاماتها.
ولكن ينبغي أن تعلموا أنه حتى الآن الإتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري لإسرائيل، وفيما يتعلق بالفلسطينيين، فإن الإتحاد الأوروبي لا يملك سوى القليل من النفوذ في البلاد. لقد هيمنت الولايات المتحدة، ولا تزال تهيمن، على الخطاب الإسرائيلي – الفلسطيني، وليس هناك شيء ذو جوهرحقيقي يمكن للإتحاد الأوروبي أن يفعله بخلاف فرض بعض العقوبات المحتملة، غير أنّ هذا لن يغير الديناميكيات لصالحكم.
وإذا كنتم تعتقدون أن باستطاعة الأمم المتحدة منع نتنياهو من المضي قدمًا في خطط الضمّ ، فإنكم لم تتعلموا شيئًا من الماضي. ستستخدم الولايات المتحدة حق النقض ضد أي قرار يدين إسرائيل، ناهيك عن قرار يطالب بعكس الأراضي التي تم ضمّها بالفعل.
يمكنكم التوجه بالطبع إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وستجدون جمهورًا صاغيا ً، ولكن إلى أي حد ؟ من المؤكد أن غالبية الدول ستصدر قرارًا يدين إسرائيل بأشد العبارات ويطالبها بإلغاء ضمها. ومع ذلك ، لن يكون هذا أكثر من علاقات عامة لأن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لن يكون له أي تأثير لأنّ ليس لديه ببساطة آلية تنفيذ لإرغام إسرائيل على تغيير المسار.
وبالنسبة لإسرائيل ، فقد فاتكم القارب مرارا وتكرارا. فمنذ الإنتفاضة الثانية عام 2000 دفعكم موقفكم العدائي تجاه إسرائيل، والرئيس عرفات من قبلكم ، إلى دفع الإسرائيليين نحو يمين الوسط. ما يقرب من 50 في المائة من الإسرائيليين تخلوا عن أي احتمال لحدوث السلام على أساس حل الدولتين. وقدمت الإنتخابات الإسرائيلية الثلاث المتعاقبة صورة واضحة عن موقف الإسرائيليين.
وعلى مدى السنوات الإحدى عشرة الماضية على وجه الخصوص أوضح نتنياهو بجلاء أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية في عهده وجعل من مهمة حياته توسيع المستوطنات إلى نقطة يكون من المستحيل فيها استعادة الوضع السابق. وفي شهر يوليو يستعد نتنياهو للتحرك بسرعة بدعم من ترامب لضم جزء كبير من الضفة الغربية، الأمر الذي لن يكون سوى قبلة الموت لقيام دولة فلسطينية.
وسواء انتهى نتنياهو في السجن بسبب التهم الجنائية الثلاثة الموجهة ضده أو تمت تبرئته من منصبه وغادره بسلام، إلاّ أنه سيكون قد غيّر جذريًا طبيعة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ونتائجه إذا نفذ خطط الضم. أقسم نتنياهو على إقامة “إسرائيل الكبرى” التي تمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن، وذلك بغض النظر عن الكيفية التي قد يؤثر بها ذلك سلبًا على مستقبل البلاد على جبهات متعددة.
وبالنظر إلى الدعم الأمريكي الذي لا لبس فيه، لا توجد دولة أو أي مجموعة راديكالية يمكنها أن تمنع نتنياهو فعليًا من تحقيق حلم حياته ما لم تستبق خطط ضم نتنياهو الإعلان فورًا عن استعدادكم للدخول في مفاوضات سلام غير مشروطة. وعند قيامكم بذلك ستوقف إدارة ترامب مؤقتًا وتزيد الضغط على إسرائيل من قبل الدول العربية لتأجيل الضم إلى انتظار نتيجة المفاوضات. من المؤكد أنه ليس لديكم أي جهة تلجأون إليها، وإذا فوّتم هذه الفرصة الأخيرة، فسوف تعرّضون شعبكم لعقود أكثر من المعاناة واليأس والقنوط.
نحن جميعا بشر يا فخامة الرئيس عبّاس وقد اقتربتم من النهاية. ما الإرث الذي تريدون تركه وراءكم ؟ هل تريدون أن يتذكّركم العالم كخاسر خان قصر نظره وافتقاره للشجاعة وغروره بنفسه شعبه ، أو كالزعيم الذي سما في النهاية إلى مستوى إحلال السلام والإزدهار لشعبه قبل فوات الأوان ؟
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط