الضم والتضليل

الضم والتضليل

ايهود اولمرت- معاريف

2020-06-27

على مدى سنوات طويلة كان في اسرائيل اجماع على أن غور الاردن هو منطقة ذات أهمية استراتيجية لامننا، ومنذ حرب الايام الستة واضح للجميع بانه في تسوية سياسية مستقبلية يجب أن يكون مضموما لاراضي الدولة السيادية. وحتى في اوساط اولئك الذين شككوا بمدى حيوية ضمه كان فهم بان الجيش الاسرائيلي سينتشر في الغور في كل وضع وفي كل اتفاق.

يقوم هذا الفهم بقدر كبير على القلق الذي ألم بالجمهور الاسرائيلي في اثناء فترة الانتظار عشية حرب الايام الستة. فوجود جيش اردني مدرب ومجهز في منطقة الضفة الغربية تسبب بمخاوف مفهومة، وحتى بعد النصر الحاسم في الحرب واحتلال الضفة، كان الاجماع على الحاجة للسيطرة في الغور يوحد معظم اصحاب القرار في اسرائيل.

ولكن من يواصل العيش في اجواء الخوف للعام 1967 يتجاهل على اي حال حقيقة أن العام هو 2020 واننا نعيش في واقع جغرافي – سياسي، عسكري، تكنولوجي وسياسي مختلف تماما. قبل 50 سنة كان الغور ذخرا استراتيجيا – أما اليوم فلا.

عشية حرب الايام الستة كان للاردن جيش قوي جدا. ليس قويا بما يكفي لهزيمة اسرائيل ولكنه جيش مع فرق مدرعات، سلاح جو ووحدات برية ذات قدرة قتالية. شرقه، العراق كان له جيش اكبر بكثير، شكل بالتأكيد تهديدا حقيقيا على أمن اسرائيل. في ظل وجود هذه المعطيات، كان في حينه منطق لوصف الغور منطقة ذات اهمية استراتيجية، السيطرة فيها تمنحنا تفوقا نسبيا في حالة هجوم منسق من الجبهة الشرقية.

هذا الواقع لم يعد موجودا. فالجبهة الشرقية تبددت. والاردن ليس دولة عدو بل الحليف الذي يتعاون معنا في مواضيع ذات أهمية استراتيجية من الدرجة الاولى. شرقه لا يوجد جيش عراقي يشكل تهديدا. كما ان علاقاتنا مع العراق اليوم مختلفة تماما عن تلك التي كانت لنا معه في الماضي، ولا سيما في عهد صدام حسين. الجيش العراقي هزيل، ضعيف وعديم القدرة على أن يشكل اي تهديد على اسرائيل، حتى في خليط من القوى المستقبلية مع آخرين.

بكلمات اخرى – فان من يدعي اليوم بان الغور حيوي لنا لاعتبارات امنية لا يزال على ما يبدو يعيش مخاوف 1967، او يحاول ان يبيع لنا قصة كاذبة عن خطر ليس قائما، عن حاجة امنية ليس لها اساس في الواقع وعن تحدٍ استراتيجي عديم كل قيمة.

في العام 2008، عندما كنت رئيسا للوزراء، وأدرت مفاوضات مع السلطة الفلسطينية بهدف الوصول الى تسوية سياسية واتفاق سلام، كنت لا أزال مشغول البال من امكانية أن في المستقبل حتى لو قامت دولة فلسطينية على معظم اراضي الضفة، سيحاول جيش اجنبي اجتياز نهر الاردن. كان واضحا لي بانه يجب أن يكون جواب لمثل هذه الامكانية. حتى وان كانت احتماليتها متدنية جدا.

أجريتُ محادثات عنيت بالموضوع مع الملك الاردني عبدالله الثاني. وتمنى الملك اقامة دولة فلسطينية مستقلة، وكان واضحا لكلينا بان مثل هذه الدولة لن تقوم اذا ما اصرت اسرائيل على ضم الغور او الابقاء فيه على تواجد عسكري كبير. استوضحت معه اذا كان مستعدا لان يقبل امكانية ان يرابط على طول النهر (الذي كان يفترض ان يكون

الحدود الشرقية للدولة الفلسطينية)، في الاراضي السياسية للاردن جيش دولي يقوم على اساس قوات الناتو. جيش كهذا كان سيمنع عبورا حرا للفلسطينيين من الضفة الى الاردن ومنه الى الضفة، ويشكل عاملا رادعا من اي محاولة لجيش اجنبي اجتياح الاردن ومنه الى اسرائيل.

الملك رد بالايجاب: ترتيب كهذا كان معقولا في نظره وبالتأكيد قابلا للتنفيذ. وزيرة الخارجية الامريكية في حينه، كونداليزا رايس، سمعت مني الفكرة وحصلت من الملك على الانطباع ذاته. كان واضحا ان التفاهم في هذا الموضوع سيحصل احدى المسائل الاكثر اساسية في كل تسوية سياسية بين اسرائيل وبين الفلسطينيين.

اضافة الى التفاهم الذي بدأ ينضج مع الملك الاردني، كنت قبل ذلك قد كلفت وزير الدفاع ايهود باراك وشعبة التخطيط في الجيش الاسرائيلي برئاسة اللواء عيدو نحوشتان في اعداد خطة أمنية تكون جزءا من التسوية السياسية. الخطة، التي تضمنت ثمانية عناوين اساسية، عرضها باراك على الرئيس بوش ونالت موافقته، ولاحقا رفعت الى الرئيس اوباما الذي تبناها.

بودي أن اشدد هنا على موضوع واحد يرتبط بقضيتنا: لقد شرح باراك في حينه للرئيس بوش بانه حتى مع وجود تسوية سلمية مع الفلسطينيين ووجود تسوية مناسبة لخلق خط عسكري لامع على طول نهر الاردن، تحتاج اسرائيل ان يكون لها رد لامكانية أن يحاول ذات يوم جيش اجنبي اجتياز النهر والهجوم عليها. واتفق في الخطة على أنه في مثل هذه الحالة يكون لاسرائيل الحق بارسال جيشها باتجاه الاردن للقاء الجيش الغازي قبل أن يفرض تواجدا في الضفة. فمثل هذا التسلل الاسرائيلي الى الاراضي الفلسطينية لن يعد احتلال وخرقا للقانون الدولي بل كممارسة لحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها. وقد قُبل هذا المبدأ. وكان معروفا ايضا للفلسطينيين ومقبولا منهم. وكما اسلفنا، خلفت ادارة بوش هذا التفاهم لادارة اوباما، التي قال مندوبوها لي لاحقا انه كان مقبولا منهم تماما أيضا.

غير انه في حينه، بالطبع، جاء نتنياهو. مثلما في الكثير من المواضيع الاخرى فانه يتجاهل الظروف المتغيرة والقوة العسكرية والتكنولوجية الهائلة لاسرائيل، والتي تسمح لها لان تمشط كل وحدة اقليمية على مسافة كبيرة من حدودها، لتعطي اخطارات بتحركات لقوات عسكرية، وكذا الوصول الى اهداف بعيدة وتدميرها بوسائل مختلفة.

يعرف نتنياهو جيدا بانه لا توجد أي حاجة أمنية عاجلة تتطلب ضم احادي الجانب للغور. فهل من كان مقتنعا بانه توجد لاسرائيل قدرة على مهاجمة ايران – القوة العظمى العسكرية الاقليمية الجدية، ذات قدرة الدفاع المضادة للطيران المتطورة وترسانة الصواريخ بعيدة المدى – يمكنه أن يدعي بجدية بان مشكلتنا الامنية الاكثر الحاحا هي غور الاردن.

واضح أن ليس لخطوة الضم اي صلة بأمن اسرائيل، بالحاجة الى عمق استراتيجي وبالخوف من تهديد حقيقي على اسرائيل. هذا جزء من ثقافة الفزع الزائف، الساعي الى أن يخلق في الجمهور الوعي باننا نوجد كل الوقت في خطر وجودي وان هناك من يلاحظه ويعرف كيف يعطيه ردا شجاعا، صهيونيا، مناسبا.

غير أن اسرائيل لا تلعب وحدها في هذا الساحة. ضم احادي الجانب للغور وفرض للقانون الاسرائيلي على المستوطنات في يهودا والسامرة ليس في اطار اتفاق وليس وفقا لخطة ترامب، هذه الايام بالذات، هو استفزاز زائد، اولا وقبل كل شيء لترامب وللولايات المتحدة. يقول الكثيرون – لماذا لا نستغل حقيقة أنه يوجد الان في البيت الابيض رئيس عاطف مستعد للتسليم بمثل هذه الخطوات؟ لماذا الانتظار؟ ولكن ترامب يمكنه ايضا ان يفسر

الحماسة الملحة لاسرائيل لتنفيذ خطوات من طرف واحد كعدم ثقة من جانب نتنياهو في امكانية ان ينتخب لولاية ثانية. اذا كنا نعتقد بان ترامب سينتخب لمرة ثانية، فلماذا لا ننتظر تشرين الثاني، وعندها بالتعاون معه، نضم المناطق؟

واذا خسر ترامب في الانتخابات حقا – فهل يجدر باسرائيل أن تستفز بديله الديمقراطي جو بايدن الذي سبق وحذر من ضم احادي الجانب؟ هل الضرر الذي سيلحق بنا عندها يبرر المنفعة المتوقعة (وبرأيي كما اسلفنا لا توجد منفعة كهذه) من ضم احادي الجانب في تموز؟

وماذا اذا رفع الارهاب رأسه؟ وماذا اذا اعاد الفلسطينيون النظر في العلاقات مع اسرائيل؟ وماذا اذا اتخذت دول اوروبا خطوات حقيقية يمكنها أن تضر باسرائيل جدا؟ وماذا اذا انضمت دول اخرى – الدول العربية المعتدلة، روسيا، الصين ودول في جنوب امريكا وفي آسيا – الى موجة حادة مناهضة لاسرائيل، دون ان يقف الرئيس الامريكي الجديد للدفاع عنا؟

وكل هذا فقط من اجل تأجيل المحاكمة. إملاء جدول أعمال، اسكات الاضطراب المتصاعد لمئات الاف العاطلين عن العمل في ضوء الازمة العميقة، التي كلها ثمرة فشل الحكومة في معالجة وباء الكورونا وربما ايضا كي يرتب لنفسه بضع امتيازات مالية واعفاءات ضريبية اخرى. نتنياهو يندفع الى الامام، بلا لجام وبلا مسؤولية. يجب الوقوف في وجهه، ويفضل ساعة واحدة مبكرة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here