أن لا وجود للعبودية إلا لأنها طوعية

د حيث يعمد إلى تجريد البشر من إنسانيتهم ويقوم باستبعاد أفراد الرعية بعضهم بالبعض الآخر، فيجعل منه مفترسا حقيقيا للشعب وهكذا نضع يدنا على المبدأ السري للأجواء الاعتقالية في كل الأزمان . ويعتمد الطاغية إلى جعل نفسه إلاها يستخدم في سبيل تخدير رعاياه وتنويمهم وتركيعهم كما يعمل على إعاقة العمل والقول والفكر بمجموعة من الأدوات منها الخوف بجرعة رعب عالية وتصفية البلد وتفريغها من كل رجل ذي قيمة كما ذكرت ملكة سبأ ” وجعلوا أعزة الناس ، أهلها أذلة وكذلك يفعلون ” سورة النمل وتسليط سفلة الناس والأوغاد على رقبة الأمة كما وصف الكواكبي ” أن يكون أسفلهم طباعا ، أعلاهم وظيفة وقربا ” . و تغدو الخرافات والحكايات والأساطير ضمن الآليات لإنتاج مجتمع مريض تنطفئ فيه الحضارة يكون الشعب فيه كأنه قطيع من العبيد امتلك امتلاكا طبيعيا ، فيصل ب ” الشعب الأحمق حد نسج الأكاذيب بنفسه ليقوم من بعد بتصديقها “.

لقد عرف التاريخ ، عددا من الطغاة فلطالما سمعنا جملة ” نيرون مات ولم تمت روما ” نيرون هو آخر ملوك الإمبراطورية الرومانية ، اتخذ من الظلم والقهر والاستبداد منهاجا لسياسته ، وصل به الأمر لقتل أمه ومعلمه وزوجته وأخيه ، كما ارتبط اسمه بجريمة حرق روما ومنظر النيران تتصاعد والاجساد تحترق في وسط صراخ الضحايا ، كان نيرون جالسا في برج مرتفع يتسلى بمنظر الحريق وبيده آلة طرب يغني أشعار هوميروس . حرض الشعب على الشعب وألصق تهمة حرق روما بالمسيحيين ليتم قتلهم وتعذيبهم ورميهم للحيوانات أحياء لافتراسهم . ان استمرار سياسة نيرون الفاشلة أدى إلى سخط الشعب وجيش رغبته في التخلص منه مما جعل نيرون ينتحر خوفا مخلفا وراءه فوضى عارمة وما أكثر هذه الأمثلة حينما يصبح الطغيان متطرفا يغدو من حق الناس التفكير في الخلاص .
وأن حرية الشعب تأتي من خلال البحث داخل العقد الضمني الذي يربطه بالحاكم . فالشعب يصنع بنفسه عبوديته أو يصنع حريته لانه يصنع الطاغية أو يزيله . يقول لا بويسي ” ليس ما يدعو لمحاربة الطاغية ، ليس ما يدعو لخلعه ” ويصرح ويقول ” لا أريد أن تقلبوه أو أن تزعزعوه ” فما من عدل إلا في السلام ، وما من سلام إلا في الشرعية ، وإزالته تأتي برفض خدمته وانتزاع المرتكزات الشعبية التي شيد فوقها سلطته ، ليتخلى عنه الجميع ، تلك العزلة خالية من الفعالية حينئذ يفقد تمثاله الأسطوري قاعدته فيهوى العملاق.يحول الاستبداد المجتمع إلى جثة هامدة يستطيع النيل منها كل من أراد من الأعداء المتربصين وفي ظله يصاب أصحاب القدرات بالسلبية والتشاؤم والقلق وربما هذا ما كرس له مالك بن نبي في تحليله لمشكلة الحضارة والثقافة وأطلق عليه ” القابلية للاستعمار ” وللقضاء عليه ، يجب استنهاض الهمم وتكثيف الجهود من أجل تنوير الناس بالوعي الدقيق لمشكلات المجتمع وتلمس الحلول لها والاستبداد لا يركب على رقبة شعب واع ، وتشكيل الوعي لن يتم إلا بتكوين العقل النقدي والعقل يحتاج إلى غذائه الخاص الصحي ، فالعلوم المساعدة على النهضة والتحرر هي التي تنير العقول فالمستبد لا يخاف من العلوم كلها بل من التي توسع العقول وتعرف الانسان ماهو الإنسان وهكذا هي حرب دائمة بين الاستبداد والعلم .” يسعى العلماء في نشر العلم ويجتهد المستبد في إطفاء نوره ولابد من أستعمال الفكر ونبذ العنف في مواجهة الظلم والطغيان وما يمنح الإنسان الاعتدال ، والمجتمع العدل ، الا المعارضة ولهذا كانت المعارضة شرطا للاتزان. وهذا المرض ، أي تحول البشر إلى نصفين: آلهة وعبيد هو اختلال في رافعة القوة في المجتمع ويمكن أن يتسرب هذا المرض بجراثيمه الفكرية إلى كل طبقات المجتمع ومستوياته. وهذا الجيش الجرار من العبيد الذين لا يكبلون بأغلال من الحديد ولكنهم يفقدون المبادرة والمقاومة والارادة . فكل هذا الاستبداد السياسي خلفه الاستبداد العقلي . فلا حرية سياسية بدون حرية عقلية . ولا وطن يبقى وطنا مع الطغيان . لقد مات هتلر منتحرا ونابليون مات منفيا والآن تتحد أوروبا، ليس على أساس الاكراه والعنف والتسلط وإنما الإقناع ليربح الجميع ولا يخسر أحد .

أن الطغاة لديهم السلطة لأن الشعب أعطاها إياهم، وقد تم التخلي عن الحرية مرة من قبل المجتمع وبقيت بعد ذلك متخلى عنها، وفضل الشعب الرق على الحرية، والرضوخ إلى الهيمنة والإنصياع. وفي هذه العجالة، إخترت هذين العنوانين من المقالة لسببين: الأول، أن لا أطيل على القراء، والثاني لأعطي فكرة موجزة عن الكتاب الذي يقدم لنا ضوءا نستنير به في طريق البحث عن الحرية والكرامة الإنسانية اللتين هما من الحقوق الطبيعية للإنسان منذ يوم مولده وحتى وفاته.

هناك ثلاثة أنواع من الطغاة، فالبعض الأول يسود عبر انتخاب من الشعب، والبعض الآخر بقوة السلاح، أما البعض الأخير فبالتوالي الوراثي. أما الذين اغتصبوا السلطة بقوة السلاح فيتصرفون بها كأنهم في بلاد قاموا بغزوها. وأما الذين ولدوا ملوكا فليسوا على العموم أفضل مطلقا، فالذين ولدوا وترعرعوا في حضن الطغيان، يرضعون الطغيان طبيعيا مع الحليب، وينظرون إلى الشعوب الخاضعة لهم نظرتهم إلى عبيد بالوراثة. ويتصرفون بالمملكة وفقا لطبعهم الغالب – بخلاء كانوا أم مبذرين – مثلما يتصرفون بإرثهم ,أما الذي تأتيه السلطة عن طريق الشعب فيبدو لي أن عليه أن يكون محتملا أكثر. وأعتقد أنه يمكن أن يكون كذلك لولا أنه ما إن يرى نفسه مرفوعا أعلى من الجميع حتى يساوره الغرور بفعل ذلك الذي يطلقون عليه إسم العظمة، فيصمم على أن لا يتزحزح عن مقامه. ويعتبر على نحو شبه دائم أن القوة التي منحه الشعب إياها ينبغي أن ينقلها إلى أبنائه والحال أن العجيب في هؤلاء أن تراهم فور تبنيهم هذه الفكرة كيف يتجاوزون في كل ألوان الرذائل، بل حتى في صنوف البطش كل الطعاة الآخرين. ولا يجدون من وسيلة لضمان طغيانهم الجديد ما هو أفضل من نشر العبودية وتعميمها، وبذل كل قوة لإستبعاد افكار الحرية من رعاياهم، مما يؤدي إلى محوها من ذاكرتهم مهما يكن العهد بها قريبا.ولأارى في ما بينهم بعض الفروق، أما إن شئت الإختيار فلا أرى بينهم من فارق: ذلك أنهم إن إرتقوا إلى العرش بأساليب شتى، فإن طريقتهم في الحكم تكاد تكون تقريبا هي نفسها على الدوام. فالذين إختارهم الشعب يعاملونه معاملة ثور يقومون بتطويعه، ويرى الغزاة فيه طريدة من طرائدهم، أما الوارثون فهو في نظرهم قطيع من العبيد يملكونه بالفطرة, والمنصف والحكيم يقول أيتها الشعوب المسكينة والبائسة والحمقاء، أيتها الأمم المكابرة في دائها والعمياء عن نعمتها، أنتم تتراخون فتدعون الأجمل والأنقى من رزقكم يختطف من أمامكم، فحقولكم تنهب وتسرق، وبيوتكم تعرى من الأثاث القديم الذي كان لآبائكم، وتعيشون على نحو لا يسعكم معه الزهو بأنكم تمتلكون شيئا. يبدو أنكم إذا ترك لكم نصف ممتلكاتكم، ونصف عائلاتكم، ونصف حياتكم، تعتبرون ذلك سعادة كبرى , أما هذا الويل كله وهذه المصيبة وهذا الدمار، فلا يلحق بكم على أيدي الأعداء، بل الأكيد حقا على يد العدو الواحد. يد ذاك الذي جعلتموه كبيرا جدا على ما هو عليه، والذي من أجله تتوجهون إلى الحرب بكل جرأة، والذي لا تتوانون من أجل تعظيمه عن تقديم أنفسكم للموت. إلا أن هذا الذي يسيطر عليكم تلك السيطرة كلها ليس له سوى عينين إثنتين ويدين إثنتين وجسد واحد، وليس فيه شيئ آخر يزيد عن أدنى رجل من عدد سكان مدننا اللامتناهي، بإستثناء الإمتياز الذي تهبونه إياه ليتولى تدميركم. فمن أين جاء بذلك العدد الكبير من الأعين التي يترصدكم بها، ما لم تكونوا أنتم أعطيتموه إياها؟ وأنى له تلك الأيدي كلها فيضربكم بها، ما لم يأخذها منكم؟ ومن أين جاءته الأقدام التي يطأ بها مدنكم، ما لم تكن هي أقدامكم أنتم؟ فهل له سلطة عليكم إلا بكم؟ وكيف يجرؤ على الهجوم عليكم لو لم يكن على وفاق معكم؟ وأي أذى كان بوسعه أن يلحقه بكم لو لم تكونوا شركاء للص الذي يسرقكم ومتواطئين مع المجرم الذي يقتلكم وخونة حيال أنفسكم؟ أنتم تبذرون ثماركم من أجل أن يقوم بإتلافها، وتفرشون بيوتكم فتملأونها بالأثاث لتصير عرضة لعمليات سلبه، وتربون بناتكم ليشبع فجوره. وتتعهدون أولادكم بالرعاية من أجل ان يبادر في احسن الأحوال لإصطحابهم إلى حروبه فيقودهم إلى المجازر، ويجعل منهم أدوات لتنفيذ أطماعه ومنفذين لعلميات إنتقامه. تنقصم ظهوركم إعياء كي يتمكن من التمتع بملذاته والتمرغ في أحضان الشهوات القذرة والدنيئة وأنتم تضعفون أنفسكم لجعله أقوى وأكثر صلابة في القبض بتمكن على حبل قيادكم. إن بوسعكم التخلص من تلك الموبقات الكثيرة التي لا تقوى البهائم على تحملها لو كانت تحس بها، إن بوسعكم التخلص منه إذا ما سعيتم لذلك. لا تسعوا إلى التخلص منه بل أعربوا عن الرغبة في ذلك فقط. إحزموا أمركم على التخلص نهائيا من الخنوع وها أنتم أحرار. أنا لا أريد منكم الإقدام على دفعه أو زحزحته، وإنما الكف عن دعمه فقط، ولسوف ترونه مثل تمثال عملاق نزعت قاعدته من تحته، كيف يهوي بتأثير وزنه فيتحطم وأن مقاومة البؤس والقهر لا تمر عبر القتل والعنف، لأن عبودية الشعوب عبودية طوعية، فهم الذين يقتلون أنفسهم بأنفسهم، وهم الذين بخضوعهم الطوعي للظلم والإستبداد يشوهون الطبيعة البشرية المجبولة أصلا على الحرية والإنعتاق. سيتخلص الناس من العبودية الرهيبة بإستعادتهم لطبيعتهم الحرة الأصلية، التي سوف تؤدي إلى التحول الكبير في الحياة السياسية، والتي بدورها ستجعل الإنسان الفاعل الأوحد في المجال السياسي القائم على إطار دستوري تعاقدي حر.

وما فتئت الامور تسوء حتى غدت الحرية تبدو وكأنها شيئ لا يمت إلى الطبيعة”، هي صرخة لا زال صداها يتردد في أرجاء الكرة الأرضية، من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها. فالحرية التي يبحث عنها الإنسان لا زالت متنازل عنها في مكان، ومنقوصة ومزيفة في مكان آخر. ولا زال قوله الشهير: “إن الحيوان لا يتنازل عن حريته إلا بعد دفاع مستميت، ولكن الإنسان يفعل ذلك بسبب الحاجة أو الخوف أو غياب الوعي” قائما حتى يومنا هذا. وبالنسبة الى حكامنا الذين هم بلاء على الأمة العربية و الإسلامية في تشويه سمعة الإسلام وسرقة أموال الشعوب، و قتلهم و الزج بهم في السجون لمجرد أن طالبوا بحق المساواة و الحرية .مشروعية المقاومة في الإسلام :بالرجوع إلى كل المؤلفات الفقهية في الشريعة الإسلامية السمحة نجد أن الرأي الراجح فيها هو إباحة مقاومة الحكام الظالمين عند مخالفتهم لأحكام الشريعة مخالفة تصل إلى حد المعصية وبهذا الحق ألزم التشريع الإسلامي ولاة الأمر بتنفيذ أحكام الدين وتعاليمه وإلزام الناس بأتباعها، و في مقابل تلك الواجبات أعطى المشرع لها حق الطاعة على الأمة جميعاً جاء ذلك في قوله تعالى(يا أيها الذِّين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأ ولي الأمرَ منكم ) ويقول الرسول الكريم (من خلع يداً من طاعةٍ لقيَّ اللَّه يَوم القيامة ولا حجة له) و يقول عليه السَّلام ( من كَرِه من أميره شيئاً فيصبر، فإنه من خرج من عند السلطان شبرًا فمات مات موت الجاهلية) إلا أن هذا الحق العام الذي لابد منه لايمكن المحافظة على وحدة الأمة و تجنبها الفتن و الإضطرابات إلا عند الضرورة حق مشروط بأن يقوم الخليفة أولا لما عليه من واجبات لله و الأمة الإسلامية ومن خالف أمر الله و رسوله ولم يحكم في الأمة بما أنزل وتفشي الفساد والسرقة و كثرة الموبقات و السلب و النهب كما نشاهده اليوم !! و يتصدر الفساد أعمدة الصحف يومياً وتعترف الحكومة و البرلمانات و المسئولين بذلك دون خجلٍ أو استحياء في حق اللَّه، وهناك آيات كثيرة في القرآن إن الله يمقت الفساد والمفسدين واعد لهم عذابا أليماً و كذلك الظلم و الظالمين ، فأمثال هؤلاء الحكام يجب الثورة ضدهم و عزلهم وتقديمهم الى المحاكمة , فهنا لم يكن للحاكم أن يطلب حقه في طاعته فقد ذكر القرآن الكريم في قوله تعالى ( ولا تُطيِّعوا أمر الُمسرِّفينü الذِّين يُفْسِّدون في الأرضِ و لا يُصْلحِّون .)ويقول رسولنا الكريم على المسلم السمع و الطاعة لأمر الله إلا إذا أمر بمعصية من الحاكم ، و فى هذه الحالة بان أمر المعصية لا سمع فيه ولا طاعه لها ، ولم يكتفي الإسلام بإباحة المقاومة للإفراد ضد السلطة الحاكمة بل طالبهم بهذه المقاومة و يعتبر القيام بها من الإيمان.. فيقول رسولنا الكريم (ص) فى الحديث الشريف« من رأى منكم منكرًا فليغيره، فإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه و هذا أضعف الأيمان» وفى حديث أخر أن الناس إذا رأوا الظالم وثورات الغضب التي أشعلها شباب الأمة العربية في مواجهة الحكام الطغاة التي دكت معاقل الجبابرة، وهزة عرش الظلم و الاستبداد، وكانت فاتحة خير لكل البلاد العربية المظلومة أن تخرج في مظاهرات مطالبة بحقوقها السياسية والاجتماعية، والعدل و المساواة ولا شك أن الإعتراف بحق مقاومة الأفراد،للطغاة الظلمة يفترض الإعتراف بسيادة الشعوب وحقها بالمشاركة في تنظيم السلطة الحاكمة حتى لا تعيش الشعوب مقهورة ضد طغيان الديكتاتورية و حملات الاعتقالات و التشريد، والتنكيل بالشعوب وهذا الحق ينطوي على تهديد دائم إلى السلطة السياسية، وتمرداً من المواطنين على أوامرها لذلك تلجأ السلطات إلى إصدار قوانين و لوائحاً تمنع التجمع والمظاهرات و الانقلابات و الثورات ضد الحكومات.علماً بأن مقاومة الحكام الطغاة حق مشروع تماما .

جسار صالح المفتي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here